الفصل الثالث والأربعون – العودة إلى أرض الظلال
1. الوداع المؤلم والذكريات المتألمة
لم يمر وقت طويل منذ أن غادر شيرو أرض الظلال، تلك الأرض التي زرع فيها دماً وذكريات لا تُمحى. كان قد أخذ قراره القاسي بالرحيل، محاولاً الهرب من عبء الألم والذكريات التي كانت تطارد روحه، لكن الأيام لم تمنحه سوى شعور متزايد بالحاجة للعودة.
في ليالٍ باردة، حينما كان القمر يسطع بضوئه الخافت بين الغيوم المتناقصة، وجد شيرو نفسه يجلس وحيداً على حافة جبلٍ صخري بعيداً عن مكان المعركة. كانت السماء ملبدة بالغيوم وكأنها تبكي معاهده على فقدان رفاقه، وكلما همس الرياح بين الصخور، كانت تذكره بصوتهم الراحل، بضحكاتهم وبأنفاسهم الأخيرة.
في تلك اللحظة، تساءل:
"هل كنت حقاً قادراً على النسيان؟ أم أن ظل تلك الأرض لن يفارقني أبداً؟"
كانت تلك الكلمات تتردد في ذهنه كما لو كانت نداءً من الماضي، تُعيد إليه صورة الأرض المظلمة والغامضة، حيث كان الألم والانتقام يختلطان مع القوة المتجددة.
2. التغير الداخلي وصراع النفس
على الرغم من أن جسده كان قد شُفيت جراحه ببطء، إلا أن جراح قلبه لم تُشفى. أصبح يشعر بثقل الذكريات، ومع كل طلعة شمس كان يتذكر كيفية سقوط رفاقه، وكيف أن تلك اللحظات تركت أثراً لا يُمحى في كيانه.
أخذ يفكر في حياته السابقة؛ في أيام كان فيها بشرياً قبل أن يُولد كتنين، وكيف كانت أنانيتهم وجشعهم سبباً في دفعه للانتقام. كان ذلك الحقد في قلبه يتأجج مع مرور الوقت، لكنه أدرك أيضاً أنه مهما حاول أن يُبعد نفسه عن تلك الذكريات، فإنها ستظل ترافقه في كل خطوة.
في إحدى الليالي، بينما كان يتجول في البراري القاحلة بحثاً عن بعض العزاء، مرّ به حلم غريب؛ رأى نفسه يقف في وسط ساحة معركة قديمة، حيث كانت تنيناته تُقاتل بشراسة مع أعداء لا يُحصى عددهم. وفي تلك اللحظة، انهمرت دموعه دون وعي، وهو يدرك أن الشفاء الحقيقي لا يأتي إلا عندما يواجه ماضيه وليس بالهروب منه.
"لا بد لي من العودة،" همس لنفسه، "فقط لأفهم، لأتقبل... ولكي أجد القوة التي تجعلني أقوى من الألم."
3. العودة المقررة
ومع بزوغ فجر جديد، قرر شيرو أخيرًا أن يتخذ قراراً حاسماً. لم يعد بوسعها الهروب من الماضي، فلا يمكن للقوة أن تُبنى على فرار دائم. حمل بين جناحيه الذكريات والآلام والآمال المكسورة، وانطلق في رحلة العودة إلى أرض الظلال.
كان الطريق صعباً؛ لم يكن مجرد عبور من منطقة إلى أخرى، بل كان رحلة داخلية، رحلة مواجهة الذات. مع كل خطوة، كان قلبه ينبض بقوة متجددة، وفي كل منعطف كان يتذكر ما مر به: اللحظات التي حملت فيه دماء رفاقه، واللحظات التي تشبث فيها بالأمل رغم كل شيء.
عندما اقترب من حدود تلك الأرض، انفتح أمامه منظر مهيب ومرعب؛ كانت الأرض التي اعتاد أن تكون مسرحاً لمعاركه تكتظ الآن بآثار الدمار ووشم الحروب القديمة. في كل حجر، في كل شجرة ميتة، كان يرى قصصاً لا تنتهي عن الخيانة، والبطولة، والألم.
وقف شيرو عند بوابة مدمرَة تقف على حافة الأرض، تلك البوابة التي كانت تُميز حدود التنانين عن عالم الصيادين. كان الضوء الخافت الذي ينبعث من خلفها يشبه وعداً من الهاوية، وعداً بأن هناك شيئاً ينتظره داخل هذا العالم المظلم، شيء قد يُعيد إليه نفسه المفقودة.
4. اللقاء مع الوجوه القديمة
لم يمر وقت طويل قبل أن يتلاقى شيرو مع أحد القدامى، تنين مسن يبدو عليه التعب من معارك لا تُحصى. كان ذلك التنين جالسًا على صخرة ضخمة تحيط بها نباتات متكسرة، ووجهه يحمل آثار الزمن بوضوح.
نظر إليه التنين العجوز بنظرة مليئة بالحكمة والمرارة، ثم قال بصوتٍ منخفض:
"عودتك، يا شيرو، لم تكن متوقعة... لكن يبدو أن الألم لا يرحمنا جميعاً."
جلس شيرو بجواره، مستشعرًا كل كلمة تخرج من فمه، وكأنها تُعيد إليه ذكريات الأيام الماضية، حيث كان كل تنين يملك قصته.
"لقد رحلتَ، وابتعدتَ عن هنا بكل ما كان يذكرني بألم الماضي. لكن عودتك اليوم تعني أنك لم تنسَ من أين أتيت."
أومأ شيرو بهدوء، محاولاً أن يخفف من وقع تلك الكلمات الثقيلة، لكنه شعر بدفء طفيف ينبعث من القلب، وكأنه إشارة إلى أن العودة كانت خطوة حتمية نحو الشفاء والتجديد.
"كل تنين هنا يحمل جرحاً، وكل جرح يحكي قصة. أما أنت، يا صغيري، فقد حملت في داخلك نار الانتقام والدموع معاً."
5. الوعد بالنهوض من جديد
مرت الأيام في أرض الظلال وكأنها فترة صمت وتأمل، حيث جلس شيرو يستجمع قواه بين الصخور المحطمة والآثار القديمة. كان الليل هنا مختلفًا؛ كان يحمل في طياته همسات الأرواح والظلال التي تتحدث عن قصص لم تُروَ بعد.
في إحدى الليالي، بينما كان ينظر إلى السماء المظلمة، سمع همسات خفيفة تأتي من الرياح، كأنها تناديه:
"انهض، يا شيرو، فكل جرح له شفاؤه، وكل دمعة تروي بذور القوة."
تلك الكلمات لم تكن مجرد أوهام، بل كانت إيقاعًا حقيقيًا، ينبهه إلى أن عليه أن يستعيد قوته وأن يُحول آلامه إلى عزم لا يُقهر.
رفع رأسه ببطء، وبدأ يمارس تدريباته القديمة والجديدة، يحرك جسده وكأنه يرسم خطوطاً جديدة على لوحة ماضيه المتفتت. كان يتدرب على استخدام نَفَسه الأسود بشكل أكثر تحكمًا، يجعله قادرًا على إطلاق كرات نارية تُضيء الليل وتكشف كل شيء في الظلال.
ومع كل يوم يمر، بدأت تلك القوة تتجدد بداخله، وكأن كل خطوة على تلك الأرض المظلمة كانت تُعيد إليه جزءًا من روحه التي ظن أنه فقدها.
6. بداية فصل جديد وإثارة الترقب
ومع انتهاء فترة العلاج والتأمل، شعر شيرو بأن الوقت قد حان للمضي قدمًا، لكن ليس دون أن ينظر وراءه إلى الماضي بكل ما فيه من ألم وذكريات. كان عليه أن يضع حدًا لتلك اللحظات التي هددت أن تُسقطه في هوة اليأس، وأن يختار طريقًا جديدًا يستمد منه قوته.
وقفت الأرض أمامه، حافةٌ تفصل بين ما مضى وما هو آتٍ، وبين الحقد الذي زرعه الزمن وبين بصيص أمل قد لا ينطفئ أبدًا.
بعيون مملوءة بالإصرار، همس شيرو لنفسه:
"لن أسمح للألم أن يكون مرشدي الأبدي. سأعيد كتابة قصتي، وسأحول كل دمعة وكل جرح إلى قوة تُضيء الطريق للانتقام والعدالة."
وفي تلك اللحظة الحاسمة، ارتفع صوته فوق هدير الرياح:
"أنا عائد إلى أرض الظلال، ليس للهرب منها، بل لتعلمها، لتحديها، ولأُعيد للكون توازننا الذي فقدناه."
ابتسمت الظلال، وكأنها ترحب بعودته، بينما كانت الأرض تهمس بأسرارها القديمة تحت أقدامه.
بخطوات ثابتة، انطلق شيرو من ذلك المعسكر القديم، متجهًا نحو المجهول، متعهدًا بأن يُحول آلام الماضي إلى قوة للمستقبل، وأن يجعل من نفسه رمزًا للثأر والانتقام.
وفي تلك اللحظة، وبينما كانت السماء تُعلن بداية فجر جديد، سمع صدى بعيدًا يتردد بين الجبال:
"سيكون هذا بداية لعهد جديد."
وهكذا، ومع كل نبضة من قلبه، ومع كل جناح يرفرف في الرياح، بدأت رحلة شيرو الجديدة، رحلة العودة إلى أرض الظلال، رحلة لتحديد مصير التنانين وعالمٍ يحتاج إلى تغيير جذري.
نهاية الفصل الثالث والأربعون.