الفصل الرابع: اختبار البقاء
✦ ✦ ✦
كان الهواء مشبعًا برائحة الغابة، مزيج من الطين الرطب والأوراق المتساقطة. تنفس شيرو بعمق، محاولًا تهدئة نبضات قلبه المتسارعة بعد نجاته من المخلوقات السوداء في الليلة الماضية. الآن، مع بزوغ فجر جديد، قرر أنه لا يستطيع البقاء مختبئًا إلى الأبد.
كان بحاجة لمعرفة المزيد عن العالم من حوله.
بخطوات حذرة، خرج من بين الأشجار، متجهًا نحو منطقة أكثر انفتاحًا في الغابة. الأرض هنا كانت مغطاة بالعشب الناعم، وأشعة الشمس تسللت بين الأغصان، ملقية بظلال طويلة. بدا كل شيء هادئًا بشكل غريب... لكن هذا الهدوء لم يدم طويلًا.
✦ ✦ ✦
حفيف... صوت ثقيل يقترب.
تجمد شيرو في مكانه. لم يكن هذا صوت ريح ولا حيوان صغير... بل كان شيئًا كبيرًا.
استدار بسرعة، وعيناه اللامعتان التقتا بكائن ضخم يخرج من بين الأشجار.
كان دبًا سحريًا عملاقًا، فروه أسود كالليل، وعيناه تتوهجان بلون أزرق بارد. أنيابه الحادة بارزة من فمه، ومخالبه العملاقة حفرت أخاديد عميقة في الأرض مع كل خطوة يخطوها.
كان هذا المخلوق أقوى منه بعشرات المرات...
والأسوأ، أنه كان يحدق به مباشرة.
✦ ✦ ✦
شعر شيرو بجسده يتصلب من الخوف. كان عليه أن يتحرك، أن يفعل شيئًا، لكن جسده لم يطع أوامره.
ثم، دون سابق إنذار، زأر الدب بقوة، وقفز نحوه بسرعة مدهشة!
"اهرب!"
أطلق شيرو صرخة قصيرة وقفز جانبًا، بالكاد يتفادى المخالب التي كادت أن تمزقه إلى أشلاء. الرياح الناتجة عن الضربة وحدها أطاحت به على الأرض، لكنه لم يضيع لحظة. استدار وبدأ يركض بأقصى سرعته.
الغابة تحولت إلى متاهة من الأشجار والصخور، لكنه لم ينظر خلفه. كان يسمع صوت الدب وهو يطارده، الأرض تهتز تحت وطأة خطواته الثقيلة.
ثم، قرر أن يجرب نَفَسه الناري لأول مرة. استدار بسرعة، فتح فمه، وأطلق زفرة من اللهب الأحمر القاني!
لكن بدلاً من انفجار ناري مدمر... خرجت شرارة ضعيفة بالكاد أحرقت العشب أمامه.
"مستحيل...!"
لم يكن قوياً بعد. لم يكن مستعدًا لهذه المعركة.
وبينما كان يحدق في الدخان الصاعد من الشرارة الضعيفة، شعر بظل ضخم يغطيه. رفع رأسه ورأى المخالب القاتلة تهوي نحوه.
✦ ✦ ✦
في اللحظة الأخيرة، قفز شيرو نحو حفرة صغيرة بجانب شجرة ضخمة، مدفوعًا برغبته في البقاء على قيد الحياة. المخالب العملاقة اصطدمت بالأرض خلفه، تاركة جرحًا عميقًا في التربة.
بقي شيرو مختبئًا، يحبس أنفاسه. الدب زأر بغضب، حاول إدخال مخالبه داخل الحفرة، لكن حجمه الكبير منعه من الوصول إليه.
بعد دقائق من البحث، أصدر الدب زمجرة غاضبة، ثم استدار وغادر ببطء، على ما يبدو فقد اهتمامه بالفريسة الصغيرة.
ظل شيرو في مكانه، يرتجف. كان هذا أقرب شيء إلى الموت شعر به منذ ولادته.
"أنا ضعيف جدًا..."
لكن، في الوقت نفسه، نجا.
وهذا يعني أن هناك فرصة ليتحسن.
✦ ✦ ✦
بعد فترة من الراحة، خرج شيرو من مخبئه ببطء. كان لا يزال خائفًا، لكن الشعور بالجوع بدأ يسيطر عليه. إذا لم يأكل، فلن يتمكن من النجاة إذا واجه خطرًا آخر.
استمر في استكشاف المنطقة بحذر، حتى وصل إلى مكان أكثر هدوءًا داخل الغابة. هناك، رأى مخلوقات صغيرة تقفز بين الأعشاب الطويلة.
أرانب.
كانت مختلفة قليلًا عن تلك التي يعرفها من عالمه السابق، إذ كان فروها مزخرفًا بعلامات خضراء باهتة، وعيناها تتوهجان بلون ذهبي ناعم.
كان يعلم أن الأرانب كائنات سريعة، ولكن إن تمكن من الإمساك بأحدها، فسيكون هذا أول نجاح له في الصيد.
خفض جسده بين الأعشاب، منتظرًا اللحظة المناسبة. ثم، بحركة سريعة، انقضّ على أحد الأرانب. لكن فريسته كانت أسرع منه وقفزت بعيدًا بسهولة.
لم يستسلم. أعاد المحاولة، ولكن هذه المرة درس حركاتها، لاحظ نمط قفزاتها، وانتظر اللحظة المناسبة تمامًا.
ثم، عندما قفز الأرنب باتجاهه، تحرك بسرعة مفاجئة، وأطبق فكيه عليه.
نجح!
رغم أن حجمه لا يزال صغيرًا، إلا أن غريزته كتنين بدأت بالظهور.
✦ ✦ ✦
كان يعلم أن المكان لا يزال خطيرًا، لذا حمل فريسته الصغيرة وعاد مسرعًا نحو الكهف.
عندما وصل، شعر براحة كبيرة وهو يعود إلى المكان الآمن الوحيد الذي يعرفه. استلقى داخل الكهف، يلتقط أنفاسه، وبدأ في تناول طعامه الأول في هذا العالم الجديد.
بينما كان يأكل، فكر في كل ما حدث اليوم.
لقد واجه الموت الحقيقي لأول مرة، لكنه نجا.
اكتشف أيضًا مدى ضعفه، وأنه يحتاج إلى أن يصبح أقوى إذا أراد العيش في هذا العالم.
وها هو الآن... قد اصطاد فريسته الأولى.
ربما كانت خطوة صغيرة، لكن بالنسبة له، كانت بداية رحلته نحو القوة.
✦ ✦ ✦
انتهى الفصل الرابع.