الفصل الرابع : جبل ساجيري واخيرا!

@نـــايــلٓـــر

__________________________________

مرت ثلاثة أسابيع منذ أن غادر رين مدينة "أكاساكا". ثلاثة أسابيع كانت كفيلة بأن تمحو أي بقايا للنعومة التي اكتسبها من حياته المرفهة كطفل مدلل.

الطريق إلى جبل "ساغيري" لم يكن نزهة، ولم يكن خطاً مستقيماً مرسوماً على خريطة (Google Maps). كان متاهة من الغابات الكثيفة، والقرى المهجورة التي تفوح منها رائحة الخوف، والجبال الوعرة التي تختبر صبر الرجال، فما بالك بصبي في العاشرة.

كان رين يسير على طريق ترابي ضيق، تحيط به أشجار الصنوبر العملاقة التي تحجب ضوء القمر الشاحب. حقيبته على ظهره بدت أثقل مما كانت عليه في البداية، وحذاؤه القش (الواراجي) قد تهرأ للمرة الثالثة، مما اضطره لنسج واحد جديد بمهارة تعلمها من النظام.

[المهارة المكتسبة: الحرف اليدوية (مستوى 3) - تزيد من جودة الأدوات المصنوعة يدوياً]

"يا لها من مهارة مفيدة..." تمتم رين بسخرية وهو يشد رباط حذائه. "لو فشلت في قتل الشياطين، يمكنني دائماً فتح متجر للأحذية التقليدية."

تنهد، ونظر إلى الخريطة البدائية التي رسمها بناءً على المعلومات التي حصل عليها من القرويين والمسافرين.

"جبل ساغيري... يجب أن يكون قريباً. الهواء أصبح أرق، والضباب يزداد كثافة."

كان النظام مفيداً، لكنه لم يكن سحرياً بالكامل. لم يكن هناك سهم ملاحة يوجهه. كان عليه الاعتماد على حواسه التي شحذتها المخاطر.

خلال رحلته، تجنب رين القرى ليلاً. كان ينام في أعالي الأشجار، يربط نفسه بالأغصان كي لا يسقط، وعيناه مفتوحتان نصف فتحة.

لقد رأى أشياء... أشياء جعلت معدته تتقلص. بقايا مسافرين، عربات محطمة ملطخة بالدماء الجافة. العالم خارج أسوار المدن كان غابة وحشية يحكمها قانون واحد: الأقوياء يأكلون الضعفاء حرفياً.

(مدري تذكرت هجوم العمالقة اثناء كتابة "الاسوار")

فجأة، توقف رين.

توقفت الطيور عن الغناء. وسكنت الرياح.

ساد صمت ثقيل، صمت يسبق العاصفة.

شم... شم...

أنفه، الذي لم يكن بحساسية أنف تانجيرو الخارقة ولكنه تدرب لسنوات، التقط رائحة.

رائحة زيتية، عفنة، تشبه رائحة اللحم الفاسد المتروك في الشمس لأيام.

[تحذير: عدو معادٍ في المحيط القريب!]

[المسافة: 20 متراً... 15 متراً...]

لم يضيع رين وقتاً في التساؤل. قفز فوراً بشكل جانبي، مبتعداً عن مكانه.

فيووووش!

شيء ما اندفع من الظلام بسرعة رصاصة، محطماً جذع الشجرة التي كان رين يستند إليها قبل جزء من الثانية. تطايرت شظايا الخشب كالقذائف.

دحرج رين جسده على الأرض ووقف في وضعية قتالية، ساحباً سيفه الخشبي الجديد الذي صنعه من أصلب أنواع خشب البلوط الذي وجده.

بالتفكير بالامر الان، ربما كان يجب عليه احضار سيف حقيقي.

"من هناك؟" صرخ بصوت ثابت.

من بين الظلال، خرج مخلوق. لم يكن ضخماً كالشيطان الذي رآه في المدينة. كان هذا الشيطان نحيلاً بشكل مرعب، أطرافه طويلة بشكل غير طبيعي، وجلده شاحب يميل للزرقة. كان يزحف على أطرافه الأربعة مثل العنكبوت، وعيناه الصفراوان تلمعان بجوع مسعور.

"هيهي... طفل..." همس الشيطان، وصوته يشبه احتكاك المسامير بالزجاج. "طفل صغير ضائع... ولحمه يبدو مليئاً بالطاقة. هل أنت طفل مميز (Marechi)؟ رائحتك... زكية جداً."

شعر رين بقشعريرة تسري في عموده الفقري. هذا الشيطان مختلف. إنه أسرع واقوى.

"تباً،" فكر رين، وعقله يحلل الموقف بسرعة. "إنه من النوع السريع قوتي الجسدية قد تجاريه، لكن سرعتي؟"

[العدو: شيطان القفز (مستوى C+)]

[نقطة القوة: سرعة وهجمات مباغتة]

لم ينتظر الشيطان. انقض مرة أخرى، مخالبه الطويلة موجهة نحو عنق رين.

كانت السرعة مذهلة.

لكن رين لم يكن طفلاً عادياً.

[تفعيل المهارة: التركيز الفائق (مستوى 5)]

تباطأ العالم في عيني رين للحظة. رأى مسار المخلب.

انحنى رين للخلف بمرونة لاعب جمباز، تاركاً المخلب يمر فوق أنفه بسنتيمترات قليلة.

وفي نفس اللحظة، استغل اندفاع الشيطان.

أمسك بذراع الشيطان الممدودة، واستخدم زخم اندفاعه ضده.

"جودو: رمية الكتف!"

بكل قوته التي تبلغ 35 نقطة (أكثر من ثلاثة رجال بالغين)، قذف رين الشيطان فوق كتفه.

بووووم!

ارتطم الشيطان بالأرض الصلبة بقوة جعلت التراب يتطاير، وسمع صوت تكسر العظام بوضوح.

"هاه!" زفر رين، وتراجع للخلف. "كيف تحب ذلك؟"

لكن الابتسامة تلاشت بسرعة.

الشيطان، الذي كان يجب أن يكون مشلولاً بكسور في العمود الفقري، بدأ يضحك.

بأصوات "طرقعة" مقززة، عادت عظامه لتلتحم في ثوانٍ. وقف الشيطان وكأن شيئاً لم يحدث، ينفض التراب عن كتفه.

"مؤلم... قليلاً،" قال الشيطان بابتسامة واسعة كشفت عن أسنان حادة كالإبر. "أنت قوي بالنسبة لقزم. لكن... هل يمكنك قتلي بعصا؟"

أدرك رين الحقيقة المرعبة التي كان يحاول تجاهلها.

يمكنه هزيمتهم في قتال يدوي. يمكنه كسر عظامهم. يمكنه سحقهم.

لكنه لا يستطيع قتلهم.

بدون ضوء الشمس، أو سيف نيشيرين، هو مجرد كيس ملاكمة متين يحاول تأخير موته المحتوم.

"اللعنة على هذا العالم وقوانينه،" شتم رين داخلياً.

هاجم الشيطان مرة أخرى، وهذه المرة كان أكثر شراسة.

بدأت رقصة مميتة في الغابة. رين يراوغ، يصد بالسيف الخشبي (الذي بدأ يتشقق)، يوجه ركلات ولكمات تسحق عظام الشيطان، ليعود الشيطان للشفاء والهجوم مجدداً.

بعد عشر دقائق، كان رين يلهث بشدة. العرق يغطي وجهه، وشق طويل ينزف على ذراعه اليسرى حيث نجح الشيطان في خدشه.

الطاقة في جسدن بدأت تنفد. والشيطان لا يتعب.

"هل تعبت أيها الصغير؟" سخر الشيطان، وهو يلعق دماء رين من مخالبه. "دمك... لذيذ جداً! سأستمتع بأكلك ببطء!"

نظر رين إلى السماء. لا يزال الفجر بعيداً. ساعتان على الأقل.

"لن أصمد ساعتين،" اعترف لنفسه بمرارة. "إذا استمررت في الدفاع، سأرتكب خطأً واحداً وسيكون الأخير."

كان بحاجة لخطة. خطة "استراتيجية" خبيثة.

نظر حوله. الأشجار كثيفة. المنحدر خلفه حاد.

تذكر شيئاً قرأه في النظام عن تضاريس المنطقة.

[المنطقة: غابة الضباب الكثيف - تتميز بوجود منحدرات تؤدي إلى نهر سريع الجريان في الأسفل]

"أيها القبيح!" صرخ رين فجأة، وبدأ يركض مبتعداً.

"الهرب؟ لا جدوى!" صرخ الشيطان وانطلق خلفه بسرعة تفوق سرعة رين.

كان رين يركض نحو حافة المنحدر. كان يسمع أنفاس الشيطان خلف أذنه مباشرة.

"الآن!"

عند الحافة تماماً، استدار رين فجأة، وغرس قدميه في الأرض.

تفاجأ الشيطان بتوقفه المفاجئ، لكنه لم يستطع إيقاف زخمه. اندفع نحو رين ليمسك به.

فتح رين ذراعيه وكأنه سيعانقه، لكنه في اللحظة الأخيرة سقط على ظهره، رافعاً قدميه للأعلى.

"تقنية التضحية!"

وضع قدمه في معدة الشيطان المندفع، واستخدم كل قوة ساقيه لدفعه فوقه، باتجاه الهاوية.

طار الشيطان في الهواء، وعيناه متسعتان بدهشة.

"ماذ...؟!"

اختفى الشيطان في الظلام أسفل المنحدر.

انتظر رين. ثانية... ثانيتان...

سبلاااااش!

صوت سقوط ضخم في الماء الهادر بعيداً في الأسفل.

جلس رين على حافة المنحدر، يلهث وكأنه رئة مثقوبة.

"الشياطين لا تموت بالغرق... ولا بالسقوط،" تمتم وهو يضغط على جرح ذراعه ليوقف النزيف. "لكن النهر سيجرفه لأميال بعيدة. وبحلول الوقت الذي يتسلق فيه عائداً، ستكون الشمس قد أشرقت."

نظر إلى يده المرتجفة. لم تكن ترتجف من الخوف، بل من الغضب.

"أنا عاجز. رغم كل هذا التدريب، كل ما استطعت فعله هو الهرب."

قبض على التراب بيده.

"أحتاج للسيف. أحتاج لتقنيات التنفس. أحتاج للقوة التي تقتل الشياطين."

نهض ببطء، وتجاهل الألم في جسده.

"جبل ساغيري... يجب أن أصل."

...

مع شروق الشمس، تغيرت التضاريس.

اختفت الغابات الكثيفة لتحل محلها سفوح جبلية وعرة. الهواء أصبح بارداً ونقياً لدرجة أنه كان يؤلم الرئتين. الضباب الأبيض الكثيف كان يغطي كل شيء، مما يجعل الرؤية شبه مستحيلة لأكثر من بضعة أمتار.

كان رين يسير كالشبح. ملابسه ممزقة، وجهه ملطخ بالطين والدم الجاف، لكن عينيه كانتا تشتعلان بتصميم مخيف.

كل خطوة كانت تحدياً. الهواء هنا خفيف جداً.

"هل هذا هو الجبل؟" سأل نفسه وهو يسعل. "مجرد التنفس هنا يعتبر تدريباً."

فجأة، انقشع الضباب قليلاً، كاشفاً عن كوخ خشبي صغير ومتواضع يقع عند سفح الجبل.

لم يكن هناك سور، ولا حراس. مجرد كوخ بسيط، ودخان رمادي يتصاعد من المدخنة بسلام.

توقف رين. قلبه بدأ يخفق بشدة.

"هذا هو المكان."

اقترب بحذر. لم يرغب في أن يبدو كتهديد، لكنه لم يرد أن يبدو كمتسول أيضاً.

عندما وصل إلى مسافة عشرة أمتار من الكوخ، توقف.

"أعلم أنك هناك،" قال رين بصوت مبحوح، موجهاً كلامه للباب المغلق. "رائحة... مختلفة. رائحة شخص عاش مع الموت وقهرَه."

انفتح الباب بصمت مريب.

وخرج رجل.

كان يرتدي كيمونو أزرق بنقشة الغيوم والموج، وهاوري (سترة) بلون سماوي. شعره الأبيض كان يظهر من تحت غطاء رأسه.

لكن ما خطف الأنفاس كان وجهه.

أو بالأحرى، ما يغطي وجهه.

قناع "تينغو" أحمر (عفريت ذو أنف طويل) بتعبير غاضب وصارم.

أوروكوداكي ساكونجي. هاشيرا الماء السابق.

لم يقل الرجل كلمة واحدة. وقف هناك فقط، ينظر إلى رين. لكن رين شعر وكأن هناك جبلاً غير مرئي يضغط على كتفيه. هالة الرجل كانت مرعبة. هادئة كسطح البحيرة، لكنها تخفي تيارات قاتلة تحتها.

"أنت لست طفلاً عادياً،" قال أوروكوداكي أخيراً. صوته كان عميقاً، خشناً، ويحمل وقار السنوات الطويلة.

لم يسأل "من أنت؟" أو "ماذا تريد؟". لقد أصدر حكماً.

بالطبع لم يكن طفلا عادياً، الوصول الى هنا اساساً اختبار صعب!

ركع رين على ركبتيه فوراً، واضعاً جبهته على الأرض في انحناءة (دوجيزا) كاملة الاحترام.

"اسمي يوكيهارا رين. جئت من مدينة أكاساكا."

رفع رأسه لينظر مباشرة في ثقبي العينين لقناع التينغو.

"لقد قاتلت شيطاناً الليلة الماضية. كسرت عظامه، رميته من جبل، لكنه لم يمت. وقفت عاجزاً لأنني لا أملك السلاح ولا التقنية."

ضغط رين على قبضتيه.

"لدي أم وأخت صغيرة. إذا هاجمهن شيطان الآن، سأكون عاجزاً عن حمايتهن. لا أريد أن أكون عاجزاً بعد الآن. من فضلك... علمني تقنية التنفس. علمني كيف أقتلهم."

بقي أوروكوداكي صامتاً لفترة طويلة، والرياح تعبث بملابسه. كان يبدو وكأنه يشم الهواء.

"مثير للاهتمام..." قال أوروكوداكي ببطء. "تفوح منك رائحة دماء شيطان بالفعل. بالاضافة ان جسدك قوي جدا بالنسبة لطفل... عزيمتك تعجبني ولكن...."

تقدم أوروكوداكي خطوة واحدة نحو رين.

"قتلة الشياطين لا يبحثون عن القوة للانتقام فقط، ولا لحماية فرد واحد. نحن سيف يحمي البشرية جمعاء. إذا ماتت عائلتك، هل ستستمر في القتال؟ أم سينكسر سيفك؟"

كان السؤال اختباراً. اختباراً للنفسية.

فكر رين في الإجابة المثالية التي قد يقولها بطل "شونين": "سأحمي الجميع!".

لكنه قرر أن يكون صادقاً. الكذب على رجل يشم المشاعر لا يفيد.

"لا أعرف،" أجاب رين بصدق جارح. "عائلتي هي عالمي الآن. ولا أستطيع تخيل العالم بدونهم. لكنني أعرف شيئاً واحداً يا سيدي. إذا لم أحمل السيف الآن، فإن موتهم مؤكد بنسبة 100% اذا قابلنا شيطان. أما إذا حملته، فلدي فرصة. وأنا أراهن بكل شيء على تلك الفرصة."

نظر أوروكوداكي إليه طويلاً. رأى الصدق، ورأى اليأس، ورأى أيضاً القوة الجسدية غير العادية لطفل في العاشرة وصل إلى هنا حياً.

استدار أوروكوداكي وأعطاه ظهره.

"اتبعني."

قالها وبدأ يمشي بسرعة مذهلة نحو الجبل، لا نحو الكوخ.

"اختبارك لم يبدأ بعد. إذا استطعت صعود الجبل والنزول منه قبل شروق الشمس غداً... سأفكر في تدريبك."

نهض رين، ورغم ألمه، ورغم إرهاقه، ابتسم ابتسامة وحشية.

"نظام،" همس داخلياً.

[مهمة جديدة: اختبار السيد]

[الهدف: النجاة من جبل ساغيري]

"أنا قادم أيها العجوز" قال رين، وانطلق راكضاً خلف هاشيرا الماء السابق، نحو الجحيم التدريبي الذي سيصنع منه أسطورة.

انتهى الفصل الرابع.

(كسول لاكتب شيءً، لا تنسى دعمي)

2025/11/23 · 154 مشاهدة · 1641 كلمة
نادي الروايات - 2025