الفصل 258: دفاعات غير مستعدة
--------
في وقتٍ لاحق من ذلك اليوم، كانت عائلة كيلر لا تزال تعزّز الدفاعات حول قصرها، كما استأجروا بعض المرتزقة ليحلّوا محلّ المحاربين الذين لقوا حتفهم في المعركة الأخيرة.
كان الجميع منشغلين بمهامهم، وكان هذا واضحًا بشكل خاص على وورِك، إذ كان يشرف على تدريب المرتزقة الذين جرى تجنيدهم.
'هؤلاء أقوياء، لكنهم يفتقرون لانضباط الجنود.'
كانت تلك هي مشكلة استئجار المرتزقة، لكن لم يكن لديهم خيارٌ آخر في ظلّ وضعهم الراهن.
فجأة، اندفع محاربٌ نحوه وعلى وجهه نظرة استعجالٍ ملحّة.
"سيدي، أخبارٌ سيئة!"
عند سماعه هذا، عبس وورِك وحدّق إلى المحارب بنظرةٍ صارمة.
لاحظ المحارب عدم رضاه، فتوقّف أمامه فورًا وألقى تقريره: "سيدي، الأعداء قادمون! لديهم أكثر من خمسمئة جندي!"
"ماذا؟!" لم يتوقع وورِك أن يتحركوا بهذه السرعة.
وبعد أن استجمع أفكاره، لوّح بيده وصاح في المحاربين: "جهّزوا عتادكم واستعدوا للقتال!"
ذُهل المحاربون والمرتزقة للحظة، لكنهم ما لبثوا أن تحرّكوا سريعًا، فلم يكن هناك وقتٌ لإضاعته، فسارع الجميع لارتداء دروعهم وتجهيز أسلحتهم.
قفز وورِك إلى حصانه وضغط بساقيه لحثّه على التحرك.
'لسنا مستعدين بعد. هل يمكننا الصمود حتى تصل التعزيزات؟'
فكر بذلك وهو يتجه نحو البوابة الرئيسية ليتفقد الوضع.
كانوا قد نصبوا المنجنيقات على قمم الأسوار، لكن العديد من التحصينات الدفاعية الأخرى لم تكتمل بعد.
ازداد عبوس وجه وورِك عند رؤية ذلك، لكنه اضطر لأن يحافظ على هدوئه كي لا تتزعزع عزيمة جنوده.
اقتربت منه الفرقة المسؤولة عن تشغيل المنجنيقات فور وصوله.
"سيدي، كل المنجنيقات في موضعها، لكن المقاليع الكبيرة لم تُستكمل بعد! أما الشرفات والبروج فقد تمّ ترميمها، لكنها صُنعت على عجل، وقد لا تصمد إذا كان لدى العدو منجنيقات!"
أومأ وورِك برأسه، ووجهه يزداد قتامة.
"أخبِروا العمال أن يجلبوا الزيت المغلي إلى أعلى الأسوار، وليحضروا أكبر عدد ممكن من الحجارة الضخمة!"
لم يكن بوسعه إلا أن يتصرّف بذكاء، إذ لم يكونوا مستعدين تمامًا لحصار.
لم تكن هذه الحال مثالية.
كل ما كان يستطيع فعله هو أن يأمل بأن تصل التعزيزات سريعًا.
"نعم، سيدي!"
وبينما كان الجميع يستعدّ على عجل لمواجهة قدوم العدو، صعد وورِك إلى أعلى السور.
وبعينَيه الحادّتين، كان يستطيع رؤية العدو من بعيد. بل وأكثر من ذلك، شعر بأربع هالات قوية، من بينها تريستون.
'أربعة متساميـن؟!'
قبض على قبضتيه وعضّ على أسنانه.
'لدينا أكثر من مئتي محارب، بمن فيهم المرتزقة الذين استأجرناهم، لكن هل يكفي هذا لحماية القصر غير المستعد؟'
تسلّل العرق إلى وجهه وهو يحاول التفكير في حل، لكن أي فكرة لم تخطر بباله.
'أسرِع يا سيدي غالانار! وإلا فقد لا ترى غير جثتي عند وصولك!'
في هذه اللحظة، دوّى صوت أبواق المعركة من بعيد، فبدأ الجنود والمرتزقة خلف الأسوار يشعرون بالتوتر.
"لا تخافوا! ما دمتُ واقفًا هنا، فهذه الأسوار لن تنهار!" انسابت كلمات وورِك في آذانهم، فهدّأت من قلق المحاربين.
رفعوا أعينهم نحو ذلك الرجل المنتصب على السور، مرتديًا درعًا حربية جديدة منحته هيئةً بطولية.
"الأعداء يقتربون، لكن لا يجب أن نتراجع! إن تعزيزاتنا في طريقها، وكل ما علينا فعله هو الصمود حتى وصولهم!" صرخ وورِك، وظهره منتصبٌ كالسيف الذي لا ينحني.
"دافعوا عن القصر! اقتلوا الأعداء!" صاح أحدهم من بين الصفوف، لتشعل كلماته حماس الجميع.
"دافعوا عن القلعة!"
"اقتـلوا الأعداء!"
تنفّس وورِك الصعداء عندما رأى ذلك.
ثم بدأ بإصدار الأوامر تباعًا: "الرماة إلى مواقعكم! الفرسان، استعدوا وانتظروا أوامري! وحدات الاشتباك القريب..."
وبينما يقترب العدو أكثر، تسارعت دقّات قلوب الجميع.
وقف وورِك على قمة السور، يحدّق نحو الجيش الزاحف بوجهٍ جاد.
"المنجنيقات، استعدوا!" صاح حين اقترب العدو من مدى قذفهم.
على الفور، جهّز المشغّلون الحجارة الضخمة وانتظروا إشارته لإطلاقها.
في اللحظة التالية، تلألأت عيناه ببرودة وهو يلوّح بيده: "أطلِقوا!"
وعند إشارته، أطلق المشغلون الحجارة الضخمة نحو الجيش المتقدم.
فوووش! فوووش! فوووش!
لكن وقبل أن تصيب الحجارة أهدافها، ظهر أربعة محاربين فجأة ودمّروها!
بانغ! بانغ! بانغ!
وعند رؤية ذلك، عبس وورِك بشدة. "لا تتوقفوا! أطلقوا كما تشاؤون!" صاح بالأوامر.
وفجأة، لمح فرقة من حوالي مئة محارب تندفع نحو الأسوار.
"الرماة، ضعوا السهام على الأوتار وانتظروا إشارتي!" أمر فور رؤيته لهم.
'أمرٌ غريب بشأن هؤلاء.'
قطّب وورِك حاجبيه وهو يحدّق بتلك الفرقة. كانوا من جنود المشاة ولم يكونوا مجهزين جيدًا، فأغلبهم لا يرتدي إلا دروعًا جلدية.
"أطلِقوا!" أمر عندما دخلت تلك الوحدة مدى الرماة.
سوو! سوو! سوو! سوو!
"انتظروا! لا تقتلونا! لسنا جنودًا!"
"آاااه!! النجدة!!"
وصلت صرخات المشاة المعادية إلى أسماعهم.
وعند سماع كلماتهم، اتّسعت عينا وورِك.
'لا تقل إن هؤلاء... عبيد.'
عضّ على أسنانه حين خطرت له تلك الفكرة.
"سيدي، هؤلاء ليسوا جنودًا! ماذا نفعل؟" سأل أحد المحاربين بتردد.
صمت وورِك لحظةً قبل أن يتّخذ قرارًا صعبًا: "اقـتـلـوهـم جـمـيـعـًا!"
لم يكن من المؤكد إن كانوا عبيدًا بالفعل، فلم يكن أمامه سوى أن يكون قاسيًا.
'يا لها من خطوة ماكرة!'
صُعق المحاربون من أوامره، لكنهم أطاعوه.
سوو! سوو! سوو!
قسوا قلوبهم وأطلقوا وابلًا من السهام على وحدة المشاة أسفل السور.
وبما أنهم كانوا مسلحين بأسلحة خفيفة، لم يستغرق الأمر طويلًا حتى انهاروا تحت كثافة السهام المنهمرة.
وسرعان ما تلطّخت الأرض تحت أسوار البوابة الرئيسية باللون الأحمر.