::
---
الفصل الرابع : ولادة روح الزمرد
لم تكن النيران التي ظهرت أمام سو مو حمراء كما اعتاد، بل كانت بنفسجية اللون، حادة الحرارة، متلألئة وكأنها تحوي داخليها نيرانًا أخرى تتوهج من عمق لا يراه البشر. ارتجف سو مو عند رؤيتها، لم يكن الأمر مجرد رؤية نار، بل شعور متوتر ينساب عبر جسده كله، شعور من نوع مختلف عن كل ما اختبره من قبل. لم يكن يعرف كيف يتعامل مع هذا المزيج الغريب من الرهبة والإثارة، لكن ما كان واضحًا أنه لا يستطيع تجاهله.
فجأة، ومع ظهور الأرواح، حدث تفاعل غريب بينهما. كانت الأرواح تتحرك في جسد سو مو، تدخل وتخرج، تتفاعل مع بعضها بعضًا ومع جسده الممزوج بالقوة النهائية. لم يكن الأمر طبيعيًا تمامًا، وحتى سو مو لم يستوعب ما يحدث، قبل أن يدرك أنه اصطدم بجدارٍ لم يكن موجودًا من قبل. وقع على الأرض، وعيناه تتوسلان فهم ما يحدث، كما لو أن جسده كله يخبره: «كنت أعلم أن هذا سيأتي».
قوة غريبة جذبت الأرواح دفعة واحدة إلى داخله. لم يكن هناك وقت للتفكير، لم يكن هناك مهرب. بدأ شعور بالحرارة والبرودة يجتاح جسده. نصفه الأيمن أصبح يغلي، والنصف الآخر متجمد، شعور لا يوصف بين الاحتراق والتجمّد، بين الألم الذي يكاد يفتك بعقله وصعوبة التنفس التي تجعله يحس بأن كل خلية في جسده تتألم.
رؤية سو مو بدأت تتشوش، ألوان ووهج النار والثلج امتزجت أمام عينيه، ثم غاب عن الوعي، تاركًا جسده في صراع داخلي بين قوتين نهائيتين. الأرواح استمرت في القتال بداخله، أرضية المنزل تحترق من جهة وتتجمد من الجهة الأخرى، اللهب والثلج يتصارعان حوله بلا رحمة.
تسعة أيام وليالٍ مرت وهو فاقد الوعي، منزله المعزول لم يعرفه أحد، ولم يأتِ أحد لزيارته. في صباح اليوم العاشر، فتح سو مو عينيه ببطء، تنهّد وهو يشعر بثقله. جسده كان مشوهًا، مفصخًا، بعض أضلاعه كانت مخلوعه، لكنه كان حيًا. جلس متقاطع الساقين، يحاول فهم حالته الجديدة. لقد نجح دمج الأرواح، لكنه كان على وشك الموت عدة مرات، ولولا إرادته الصلبة وقدرة جسده المميز لما استطاع النجاة.
الألم لم يزل معه، لكنه الآن كان مختلفًا، كان يتنفس ببطء، يحس بالانسجام المتزايد بين النار والثلج. رغم استمرار التنافر بين الروحين، بدأ سو مو يلاحظ أن عملية الاندماج أصبحت أقل حدة. كان يعلم أن أي محاولة لتسريع تقوية الروح قد تقلب التوازن، فكل خطوة يجب أن تكون محسوبة، وإلا فالموت سيكون حتمياً.
خلال الأيام الأربعة التالية، ظل سو مو متوترًا. أجزاء جسده كانت حارة وباردة في نفس الوقت، النوم صعب، الراحة شبه مستحيلة. كل حركة، كل نفس، كل نبضة كانت شعورًا بالاحتراق والتجمد، لكنه تعلم الصبر، تعلم مراقبة جسده وروحه، وتعلم الانصياع لقوانين الدمج.
وفي يوم العجلة، جلس على صخرة، ينتظر بترقب، جسده ما يزال متعبًا، لكنه أقوى، عيناه تراقبان كل تفاصيل المكان بدقة. تشكلت العجلة أمامه، ثلاث خانات تتلألأ:
1. جزء جسد.. عين تجوب السماء
2. أربعة مستويات قوة روح
3. ذاكرة عشوائية
بدأت العجلة بالدوران بسرعة، وسو مو شاهد شريط حياته يمر أمام عينيه، كل لحظة من ماضيه تتدفق بسرعة. توقف الدوران فجأة على عيون تجوب السماء.
موهبة العين كانت مذهلة: ضغط الزمن، إبطاؤه، ورؤية كل شيء داخله، كل حركة، كل نفس، كل تفاصيل صغيرة. كلما زاد مستوى المضيف، زادت قدرة العين على استيعاب التفاصيل.
تنفس سو مو الصعداء، لكنه لم يلبث أن جاءت الصدمة من عينيه، شعور غريب جعله يسقط أرضًا، يرى كل شيء يتحرك أمامه ببطء غير طبيعي، كل حركة مقسمة لزمن أطول مما يعرفه العقل البشري.
على مدار فترة طويلة، تعلّم سو مو استخدام العين، اكتشف أسرارها، وطوّر حالته البدنية والعقلية. قوته الروحية لم يجرؤ على زيادتها إلا بعد الحصول على قوة جديدة من العجلة، وكل مرة يتلقى قوة، يختبرها بحذر.
مرت خمس سنوات وتسعة أشهر، والآن في زقاق جميل تتناثر فيه أصوات العصافير، استيقظ سو مو على قوة روحية تغلف جسده. من داخله انطلقت موجة طاقة غريبة، وبعدها ظهرت زهرة زمردية تتطاير منها شرارات النيران.
الجسد والأرواح القتالية المندمجة قد غيرت سو مو بالكامل: شعره أصبح طويلًا يصل إلى خصره، وجهه صار محددًا وجميلًا، بشرته صافية، وعيناه واحدة رمادية والأخرى زرقاء، تضفي عليه جمالًا خالدًا.
قال لنفسه بفرحة:
«أخيرًا… هذا هو الجحيم.»
كان يعاني كثيرًا خلال الدمج، لكنه الآن يمتلك القوة التي تستحق كل المعاناة. لم يتحمل فضوله، وبدأ يختبر روح الزمرد، أول روح قتالية تمزج النار والجليد معًا، قوة تتجاوز كل قوة عرفها من قبل، ويمكنها حرق الروح وتجميد الجسد، مضيفًا حماية طبيعية ضد هجمات النيران والجليد.
ظهرت شاشة شفافة أمامه، تفيد بوصف الروح:
زهرة الزمرد
أول روح قتالية لعنصر النار والجليد معًا
تعتبر الأقوى بين أرواح العناصر
قادرة على حرق الروح وتجميد الجسد
المضيف أصبح منيعًا ضد هجمات الجليد والنار
يمكنها تدمير أي هالة شريرة أو روح خبيثة
شعر سو مو بالفخر، كانت سنوات المعاناة كلها تستحق هذا الإنجاز. أخرج منجل ملك الجليد، وتفاجأ بتغيره، أصبح يبدو مصنوعًا من يد أفضل الحدادين، لونه أخضر حاد وعليه مناطق سوداء، كان قطعة أثرية تنبعث منها هالة قوية جدًا.
خلال السنوات التالية، استمر سو مو في تدريب قوة روحه. قل ظهور العجلة، لكنه كان آمنًا من خلل التوازن، وكل مرة يحصل فيها على عجلة، يأخذ قوة روحية جديدة، حتى وصل إلى المستوى 19 من قوة الروح. بعد نجاح الدمج، وقدرة جسده المميز، توقع سو مو أنه لن يستغرق سوى عشرة أيام لاختراق المستوى العشرين وحصوله على حلقة روحه الثانية.
بعد ثمانية أيام، وصل سو مو أخيرًا إلى قوة الروح المستوى العشرين، وهو قادر على دخول الأكاديمية بعد شهر، عند بلوغه سن الثانية عشر. ودّع بعض جيرانه في القرية وانطلق إلى غابة شيندو، الرحلة تقدر بعشرة أيام حسب الخريطة التي حصل عليها.
في الغابة، وقف سو مو أمام الأشجار، متوترًا، لا يعرف الكثير عن الوحوش أو ما يناسبه. قرر اصطياد وحش من نوع الهب. سرعته كانت ممتازة، وتخفيه كان بارعًا، وبعينه يرى كل شيء ببطء، يدقق في تفاصيل كل وحش. رأى نمورًا، غزلانًا، وثعابين، لكنه لم يجد ما يعجبه.
سمع أصوات قتال قريب، توجه نحوها بحذر، وراقب من بعيد شابًا يقاتل وحشًا يشبه القرد. قبل أن يصيبه الوحش، تدخل سو مو، ركل الوحش بعيدًا. الشاب صُدم من ظهوره المفاجئ، والوحش عاد للهجوم بسرعة فائقة، لكن أمام عين سو مو بدا أبطأ من غروب الشمس.
لوّح سو مو بيده، فظهرت موجة من الروح أصابت الوحش بجروح خطيرة، ألقته أرضًا على وشك الموت. ثم مدّ يده للشاب وقال:
«لا داعي للشك، لم أفعل شيئًا يستحق الشكر. اذهب.»
الشاب، الذي اسمه يوهاو، انبهر بقوة سو مو، لكن الأخير اختفى بين الأشجار، متجهًا نحو أعماق الغابة، إلى كهف الذئاب، حيث زعيمها، أكبر من أي ثعلب التهمه من قبل سو مو.
استخدم سو مو مجال العين التي تجوب السماء، فاختفت الأشجار والكهوف، وظل أمامه العشرات من الذئاب، زعيمهم أكبر وأكثر قوة. كل شيء كان واضحًا أمام عينيه، ومعرفته بالمكان والتحركات كانت دقيقة كالرصاص.
---