1 - ‏شجاع من ابن الميت

بابتسامة حزينة وعينين دامعتين، واصل الأمير مينغ الاستماع إلى الشيوخ الأربعة. جمع الشيوخ بين القوة والحكمة، لكن أيضاً كانوا محملين بعبء مسؤولية ثقيلة تتجاوز قدرتهم. كل كلمة يقولونها تحمل وزن العالم بأسره، لكن قلب مينغ كان يتردد بين حبه لعائلته وواجبه نحو مملكته.

بدأ الشيخ شيو لو الحديث بصوت هادئ مليء بالحكمة: "أدرك أنك في مواجهة اختيار صعب، يا أمير. لكن تذكر، التاريخ يكتب بأفعال الأبطال، ليس برغباتهم. ستظل بطلاً لعائلتك ولمملكتك إذا أخذت هذا القرار الصعب."

في تلك اللحظة، شعر مونجيرو باندلاع داخله، مزيج من الرغبة في معرفة الحقيقة والغضب من العالم الذي يبدو مصممًا على تقسيم عائلته. كان الوشاح الملكي يخفي وجوده، لكنه كان يشعر بكل كلمة تُقال في القاعة. رأى والده مرتبكًا وبين المطرقة والسندان. كان ينظر إلى والده هذا الرجل القوي الذي لم ينحني لأحد قط كيف يرتمي أمام القوة المتجسدة في هؤلاء الشيوخ.

أخذ الأمير نفسًا عميقًا وقال: "هذه ليست مسألة شجاعة، بل مسألة ضرورة. إذا كان ذلك يحقق الأمان والسلام للجميع، فسأقبل مصيري."

رافقت تلك الكلمات صمتٌ ثقيل، تجسد في عيون الشيوخ الأربعة، الذين بدوا كما لو أن الوقت قد تجمد للحظة. كانوا يعرفون أنهم دفعوا الأمير إلى اتخاذ قرار غير إنساني، لكنه ضروري.

بينما كان الأمير مينغ يعد نفسه للتضحية الكبرى، كان مونجيرو يحترق من الداخل. لا يمكنه فقط أن يقف مكتوف الأيدي ويشاهد والده يضحي بنفسه. بهذا السيل من المشاعر، قرر أن يفعل شيئاً غير مسبوق.

في اللحظة الحاسمة، قرر مونجيرو أن يلقي الوشاح الذي كان يخفيه، وظهر فجأة في وسط القاعة، كان وجهه مليئًا بالغضب والأسى. صرخ بصوت متهدج: "لا أسمح لكم! لن أسمح لكم بأن تأخذوا والدي! أنا من سيقرر مصيره! أنا هو وريث العرش، ولن أسمح بهذه التضحيات!"

تردد صوت مونجيرو عبر القاعة الكبرى، ووقف الشيوخ الأربعة مذهولين للحظة، لم يكن أحد يتوقع هذا الموقف الجريء من صبي صغير. الأب كان يريد أن ينقذ ابنه من هذه الحقيقة المريرة، لكن يبدو أن القدر كان يحمل خطة مختلفة.

وقف الأمير مينغ واستدار إلى ابنه، عيناه مملوءتان بالحب والحزن، وتلك الشجاعة التي دائماً أظهرها. اقترب من مونجيرو واحتضنه بقوة، همس في أذنه: "يا بني، أقدر شجاعتك، لكن هذا ليس وقت التمرد. هذا هو الواجب، والواجب يجعل الرجل رجلاً. القوة الحقيقية هي تقبل ما يجب عليك فعله، حتى لو كان ضد رغبتك."

تجمع الشيوخ حولهما، وحتى ليثو، الذي كان يظهر القسوة والغضب، بدا عليه التقدير لأفعال الصبي. خطى أرنجي خطوة إلى الأمام وقال: "لقد أظهر مونجيرو قوة الروح والشجاعة. الأمير مينغ، لقد ربيت رجلاً حقيقيًا. دعنا ننظر إلى هذا الموضوع بطريقة تمنح الأمل لعائلتك أيضاً."

تبادلت النظرات بين الشيوخ، وبدأت قلوبهم تشعر بثقل القرار، كما لو أن ظهور مونجيرو في ركن مظلم من القاعة، حيث كان الضوء يترقرق ضعيفاً كأنه يخشى الاقتراب من تلك اللحظة، همست النفوس بما لم تقدر الأفواه على البوح به. كان الأمير مينغ ومونجيرو يقفان متعانقين، وكل ذرة حولهما كما لو كانت تحمل حكمة القرون وسذاجة الأطفال. العتمة تتراقص وتهمس بالآمال والمحاذير، وكأن المكان ذاته يعترف بثقل القرار الذي يقترب الجميع منه.

رفع الأمير مينغ رأسه بعد لحظة من الصمت، عيناه المسنفِرتان التقتا بعينين الشيوخ الأربعة، حاول أن يخترق حجاب الكآبة برؤية التفاؤل. كانت الأعين الأربعة تحمل تناقضات مضنية: الحكمة والشجاعة، الحزن والغضب، الاستقرار والخوف.

الشيخ شيو لو كان أول من تحدث مجدداً، عينيه تتنقل بين مينغ ومونجيرو: "أمير، يولد الرجال من المعاناة، ويصبحون عظماء من خلال مواجهتها. ابنك مونجيرو أظهر اليوم قوة روح تجعله مستحقاً لأن يرث عرشك، لكن القرارات الكبرى دائماً تأتي مع الكلف الكبيرة. نحتاج إلى قرارات تتعدى الشخصي، لأن المستقبل للمملكة."

في تلك اللحظة، خطى ماركوتشي، زعيم عشيرة التنانين الحديدية، نحو الأمام. كان معروفاً بجسده الهائل كما بقلبه القاسي. قال بصوت منخفض لكنه قوي: "أفهم معاناة الأب، لكن يجب علينا أن نتذكر أن التضحية ليست عبثًا، بل هي جوهر القيادة الحقيقية. من لا يضحي لن يستطيع الحكم بشرف." كانت كلماته كالرصاص تخترق الصمت، وكأنه يزيح الجبل الذي وقع عليه بكلماته الخالدة.

ومن زاوية أخرى، انطلق صوت زانغ فو، زعيم عشيرة الزهور السماوية، الذي كان يشتهر بالفكر العميق والحنان الذي يختبئ خلف مظهره الصارم: "الأمير مونجيرو، لديك حق في التمرد، لأن التمرد هو ما يولد التغيير. ولكن، يجب أن تفهم أيضًا أن القوة الحقيقية لا تكمن في الصراع، بل في التضحية الحكيمة من أجل الأغلبية. هذا الاختبار هو بداية لطريق طويل يتخطى الأرض المشاهدة."

نظر الأمير مينغ إلى زانغ فو، جمع في عينيه حجم الحب والحنان والواجب التاريخي. ببطء، أدرك أن هذا ليس فقط نداء للواجب بل نداء للحب الأبدي، التضحية التي تعبر عن حب أعظم.

مدَّ مينغ يده ليحمل ملفاً وضعه أرنجي، زعيم عشيرة الظلال الغامضة، كان يقدم حياة محكمة بالخفايا والأسرار. قال بصوت غامض يتناسب مع طبيعته المخفية: "الأمير مينغ، القرارات الحاسمة هي مفتاح البقاء ليس فقط لك ولعائلتك، بل لكل المملكة. لا يمكننا الهروب من الظلام، لكن يمكننا أن نستخدمه لصالحنا."

شعر مينغ بمن انتهك حجاب التوقعات تلك، وشعر باوراق التاريخ تتراكم عليه. تقدم الشاب لينغ هو، الشيوخ الصغير الذي يمثل جيل الشيوخ الجدد وزعيم عشيرة الأحلام الوردية، وشعر أن كل الكلمات قد تم قولها، لكن مع ذلك شعر بضرورة الإضافة. قال بحماس عينيه: "أمير مونجيرو، لست وحدك في هذا. نحن هنا، والشجاعة التي أظهرتها هي بداية لك وللجميع راح الأمير مينغ يتأمل كلمات شيو لو، تناثر الأفكار في ذهنه كأوراق شجر الخريف تتبعثر في ريح معاناة الشك والرغبة. كانت الأفكار تتحول داخله، تتمازج بين الواقع والخيال، كما لو كان يجد نفسه أسيرًا في مسرحية تراجيدية لا نهاية لها.

بجانب مينغ، كان مونجيرو يقف بثبات، وجهه يفيض بشجاعة غير متوقعة من شاب بهذا العمر. كان مونجيرو ابن التحدي، المولود تحت نجوم القدر العصيبة، ذلك القدر الذي يقرر رغمًا عنه، كما يقرر للآخرين مصائرهم.

نظر مينغ في عيني ابنه بعينين تحملان الحب والقلق، ثم انجرّ بنظره إلى الشيوخ الثلاثة الآخرين. تركزت نظراته على الشيخ لين فو، الذي كان يتصف بالحكمة العميقة والهدوء الراسي كالبحر القديم. لم يكن ليحرك ساكنًا إلا بالكلام العذب الصادق، فكان نقيضًا لكل الفوضى الداخلية في قلب الأمير.

قال الشيخ لين فو بصوت يشبه النهر المتدفق: "يا جلالتك، لعل الحكمة تكمن في التوازن، ومونجيرو هذا الشاب يحمل في قلبه نبل العائلة وروح الأبطال. لكن لا ينبغي أن نضع كل الآمال والأثقال على كاهل روح واحدة. قد تكون المملكة بحاجة إلى قيادة مشتركة، وهذا سيعزز وحدة الشعب وقوته."

ابتلعت القاعة كلمات الشيخ لين فو كما تتلقى الأرض الأمطار العذبة، وشعر مينغ أن قلبه يثقل أكثر بفعل هذه الحكمة. كان يعلم كم عانى شعبه في السنوات الماضية، وكل قرار يتخذه قد يكون سيفًا ذا حدين، إما أن يرفع شأن المملكة أو يضعفها.

همس الأمير أخيرًا، وكأنه يتحدث إلى ذاته، "أحيانًا، تكمن الإجابة في الوجه الآخر للقمر، في مكانٍ لا يراه أحد. أحبائي، الأمانة التي نحملها ليست لي وحدي، بل هي عبء يتحمله كل من يحب هذه الأرض. ربما، علينا التطلع إلى الحكمة في الاتحاد بدلًا من الانقسام."

كانت العتمة المتراقصة في القاعة قد بدأت تتنبأ بشروق ضوء جديد، ضوء ينبع من اليقين والبصيرة التي تتولد من التحديات. كل ما كُتب في الماضي وما سيُكتب في المستقبل، كان في تلك اللحظة متشابكًا في قرار ليس له مثيل، قرار سيحدد مصير المملكة وربما، قصة جديدة من البطولة والحكمة.

2024/09/19 · 48 مشاهدة · 1124 كلمة
Kevin Brand
نادي الروايات - 2025