في صمت القاعة الثقيلة بالقرارات، بدت الأنفاس كأنها تفقد معناها أمام ثقل اللحظة. كان الضوء الخافت يرقص بتؤدة على جدران الغرفة المهيبة، كأنه يناضل ليصمد في وجه العتمة التي تحاول ابتلاع كل شيء. بدت الجدران المزخرفة بنقوشات التاريخ وكأنها تتحمل عبء السنين التي مرت، تربط بين ماضٍ مجيدٍ وحاضرٍ مملوء بالتحديات. الأرضية الرخامية كانت شاهدة على محادثات النهارات الطويلة والتضحيات الكبيرة، وكل حجر فيها يحمل ذاكرة تملأ القلوب والأسطر.

كانت القاعة بمثابة محراب للحكمة، يلفها جو من الهيبة والوقار. على المدخل، كان يلوح في الأفق باب خشبي ضخم، يتوسطه نقش لتنين يجسد قوة وإرادة المملكة. الروعة كانت تنتشر في كل ركن، بدءًا من السقف العالي الذي يتدلى منه ثريات من البلور، وصولاً إلى النوافذ العالية التي تسمح بدخول ضوء الشمس المتقطع، ممزوجًا بألوان الزجاج المعشق.

حينما انتهى الأمير مينغ من كلماته، تردد الصدى في زوايا القاعة، كأن الحجر نفسه يتنفس بتذمر. هنا، في هذا المكان الذي يحمل عبء الوقت ومسؤولية القرارات الكبرى، كان يمكن سماع صوت قلب الأمير ينبض في انسجام مع ثقل الهواء المحيط. لم يكن هناك مجال للتراجع أو التردد، فقد كانت هذه اللحظة محورية؛ اللحظة التي ستحدد مستقبل المملكة لعقود قادمة.

الشيوخ الأربعة استجابوا لصمت الأمير، كنوتة موسيقية كانت تنتظر اللحن الأخير لتكتمل. عندها، خاض مونجيرو في حلبة القرارات بكل شجاعة، عيناه اللامعتان توجهتا نحو الأفق الذي لا يراه أحد سواه.

بدأ الشيوخ يتنقلون بأفكارهم وكلماتهم كرجال يشكلون لوحة من الحكمة، يتبادرون النظرات ويتشاركون الرؤى. كان الأرجل تنذر بخطواتها الأرضية الصلبة، وتعلن بأن الأفق البعيد لا يمكن استرجاعه إلا بالوفاء للواجب والمبادئ.

في تلك اللحظة، قرر مينغ وكأنما استفاق من حلم طويل، أن ينظر إلى الصراع بعيون جديدة. التفت إلى شيو لو، وقال بخفوت لا يخلو من الحزم: "لقد تليتم تاريخاً من التضحية والحكمة، لكن اليوم يجب أن نصنع تاريخاً جديداً، لن يُكتب إلا بدماء الأساطير."

كان واضحاً أن شيو لو استشعر حجم القرار خلف تلك الكلمات القوية، فابتسم بظلال الحكمة. قبل أن يستطيع الرد، دخلت إلى القاعة امرأة نحيلة بفستان أخضر يشبه أوراق الربيع، رائحتها الزهرية ملأت القاعة كأنها تستجلب النفوس المتضاربة إلى واحة من السلام المؤقت. كانت لي شيا، حارسة المكتبة الملكية وشوكة التوازن بين الحكماء، تحمل في يدها لفافة صغيرة.

تقدمت بخطوات ثابتة نحو الأمير مينغ، قدمت له اللفافة وقالت: "أميرنا الجليل، هذه الرسالة وصلت من الجامع الأعظم للنجوم. يبدو أن النجوم نفسها ترافق قراركم الليلة."

فتح مينغ اللفافة بيد مرتعشة، عينيه تلمّعتا حينما انفتح عليها دوائر الفلك وخطوط المدارات السماوية. كان المكتوب يشير إلى تنبؤ بأن المجد والسلام قد يكون مرهون وبصوت محمل بالرهبة ومستقبل غامض، قرأ مينغ نص الرسالة بصوت خافت. كانت الكلمات مكتوبة بحبر ذهبي، تنبثق منها قوة غامضة:

"في هذه الليلة المليئة بالأسرار، النجوم تتحدث عن امكانية تحويل المدارات نحو مجدٍ متجدد وسلامٍ دائم، شرط أن تتوحد الإرادات وتتزاوج المبادئ بالطاقات. لا يتأتَّى ذلك إلا من خلال التضحية بالقديم لتبدأ دورة الحياة من جديد."

رفع مينغ عينيه عن اللفافة وتأمل الشيوخ الأربعة، وكأن الرسالة قد جلبت معه نورًا جديدًا.

الصمت أصبح أثقل، لكن تلك الكلمات أشعلت شرارة من الأمل في أذهان الجميع. بدأ الشيوخ يتبادلون النظرات بحذر، رأى كل منهم في عيون الآخر تأرجحًا بين التفاؤل والتردد. لم تكن المهمة سهلة، ولكنها كانت ممكنة.

تقدم مونجيرو، بخطوات تعكس ما يحمل من تصميم وشجاعة. قال بصوت هادئ لكنه حازم: "ليس لدينا خيار سوى قبول تحدي النجوم. لعل هذه اللحظة، التي أضنت أرواحنا وأرهقت ضمائرنا، هي الفرصة الأخيرة لتحقيق السلام."

كانت القاعة تستجيب لنبرة مونجيرو بتأمل عميق، كل حجر الآن يبدو أنه يمتص الحكمة المنبثقة من كلماته. الأمير مينغ، بشيء من الحزم المتجدد، قال: "إن كانت النجوم ترشدنا، فلنكن جديرين بثقتها. دعونا نجعل من هذه القاعة معبدًا للقرارات الحكيمة، ومن هذا الاجتماع نقطة انطلاق نحو مستقبل مشرق."

شيو لو، الذي لطالما كان يعتبر الحكمة صفةً سامية، شعر بدفق من القوة في كلماته. قال: "اتحادنا هو الذي سيحدد مصير المملكة، والنجوم لا تكذب أبدًا. يجب أن نتخذ القرار بشجاعة ونحمل مسؤولية تحقيق هذا المجد."

حينها، بدأت لي شيا تتقدم نحو طاولة التجمع، وضعت اللفافة المفتوحة في مركزها كأنها تضع شارة نور أمام الجميع. همست: "أيها القادة، هذه الليلة ليست ملكًا للتردد. دعونا نخطو نحو المجد بوعي جديد وإرادة مشتركة."

التف حول الطاولة الجميع، وتحولت نظراتهم إلى بعضهم البعض، وانعكست عيونهم بأمل جديد. الردود جاءت متناسقة، كأنما تتلاعب البشرى بأوركسترا القرارات:

- "لقد فهمت الرسالة."

- "تحالفنا هو الأمل الأخير."

- "المجد ينتظرنا جميعًا."

هكذا، في قلب القاعة حيث الضوء والظلام يتصارعان، اتخذت القرارات الكبرى. توحدت الإرادات واشتعلت شرارة الفعل، وبدأ الجميع يشعر بأن المستقبل ليس ملك لتحديات الحاضر، بل سيصبح إرثًا مشتركًا للمجد والسلام.

الأمير مينغ، وقد ازدادت ثقته بعزيمة الجميع، قال: "لنكن صناع المستقبل، ولنعمل بروح واحدة لهدف واحد."

حينها، انبعث ضوء يملأ القاعة برائحة الأمل، وأصبح الجميع جزءًا من نسيجٍ مترابط يسعى لصنع تاريخ جديد لن يُكتب إلا بدماء الأساطير وتضحيات الحكماء.

بهذا، ترسم القاعة مسارها الجديد تحت ضوء النجوم، حاملين معهم عبء الأرض ووعود السماء في طريقهم نحو المجد والسلام.

2024/09/19 · 35 مشاهدة · 780 كلمة
Kevin Brand
نادي الروايات - 2025