بعد انتهاء الحديث، بدأ الغروب يغمر السماء بألوانه الهادئة، ممهدًا لليلٍ قادم. قررت روسلين مغادرة المعبد، لكن مونجيرو استوقفها قائلاً:

"لماذا تذهبين الآن يا روسلين؟ هل هناك شيء خلفته هنا لم يخطر ببالك فتحقيقه؟"

ابتسمت روسلين بابتسامة تحمل في طياتها أملًا وحزنًا في آن واحد، وقالت بصوت خافت ولكنه مشبع بالتصميم: "أنا هنا في تل القديسين الأسلاف لأجل زهرة جينتاو العلاجية. سمعتُ أنها تنمو في الجبل الأسود، وأحتاجها لعلاج سيدتي الأميرة الثامنة، إيما. السماء حملتني إلى هنا لأجل هذه المهمة."

ارتسمت على وجه مونجيرو ملامح عندماء، وكأن حكمة قديمة تستيقظ في عينية المتقدتين. وقال بهدوء: "زهرة جينتاو تنبت كل ٥٠٠ عام، وبدأت تنمو بالفعل الآن، لكن ليس سهلاً الوصول إليها. إنها في حوزة المحول الشيطاني الذئب، زعيم الجبل الأسود. محول البشر إلى شياطين، ببشاعة ذئب يتجول في ظلماته."

رمقت روسلين الغابة المحيطة بنظرة تأمل وقلق، ثم استدارت نحو مونجيرو وقالت: "أتفهم الآن لماذا تُعد هذه الزهرة نادرة وثمينة. لكن عليَّ المحاولة، الأميرة إيما في حاجة ماسة إليها."

هز مونجيرو رأسه بتفهم وقال: "الليل هنا مليء بالمخاطر، دعي النوم يحل على جفونك في المعبد الليلة، وابدئي رحلتك صباحًا. السلام سيكون أوفى صحبة لإنجازكِ في النهار."

وافقت روسلين، ودخلت لتنام في زوايا المعبد الهادئة، تحت نثارة ذكريات الأحجار الرمادية. مع بزوغ الفجر، استيقظت روسلين على صوت هدوءٍ مزيف. خرجت من المعبد لتجد كومة من جثث الشياطين متناثرة، ومونجيرو واقفًا بملابس ملطخة بدمائهم. التفت نحوها مبتسمًا بابتسامة زائفة وقال: "لا تقلقي، إنهم شياطين متوسطو المستوى."

بدهشة ممزوجة باستغراب، قالت روسلين: "لم أفهم، هل هم من طبقة صقل المحاربين؟"

أجاب مونجيرو بنبرة فضولية: "ما هو الصقل الذي تتحدثين عنه؟"

أشارت روسلين إلى الجثث وقالت: "دعنا نتخلص من هذه الجثث أولًا، ونتحدث بعدها."

وافق مونجيرو، وبدأت روسلين في استخراج كريستالات الشياطين من الجثث، لكنها لم تجد أرواحهم الشيطانية. استغربت، لكن بعد جمع الكريستالات حرقوا الجثث، وأشعل مونجيرو نارًا للطهي على بقايا الجثث المتفحمة.

بينما كانوا ينتظرون الطعام، سأل مونجيرو بفضول: "كيف حال المملكة الآن؟"

أجابت روسلين: "أنا من أراضي النبلاء في المناطق الوسطى، هنا في تل القديسين الأسلاف أبحث عن زهرة جينتاو لعلاج الأميرة الثامنة إيما. المملكة في حالة فوضى كبيرة منذ غياب الملك."

ظهر تعبير من الحيرة على وجه مونجيرو وسأل: "من هو الملك الحالي؟"

أجابت روسلين: "الملك الحالي هو كونغ مينغ، ابن كونغ هونغ

نظر مونجيرو إلى روسلين نظرة تأمل، كأنما يحاول استيعاب تعقيدات الموقف. واتكأ قليلاً على عصاه الخشبية، التي بدت كأنها تحمل معها أوزانا زمنية. قال بصوت منخفض لكنه واضح: "إذن، أنتي تقولين أن كونغ مينغ لا يزال حيًا، رغم كل الأساطير التي قيلت عن موته وشجاعته؟"

أومأت روسلين برأسها، تعابير وجهها مختلطة بين حزن وحنين، وأجابت: "نعم، الملك كونغ مينغ لم يمت، لكنه في عزلة روحانية بعد انتصاره على الشيطان الثعباني مهلك العوالم. وللأسف، المملكة تعيش حالة من الفوضى بسبب الصراع المستمر بين الأمراء التسعة."

تابع مونجيرو سؤاله، وجهه يتعمق في الحيرة والفضول: "وما هو موقفك في هذا الصراع، يا روسلين؟"

أجابت روسلين بثقة، دون أن تظهر أي تردد: "أنا في صف الأميرة إيما. رغم أني ابن إحدى العائلات الملكية، وتحديدًا عائلة نصل القمر، فإن ولائي كله للأميرة إيما. إنها الأمل الوحيد لاستعادة التوازن في المملكة."

ابتسم مونجيرو بحرارة تلك الابتسامة الزائفة المستمرة، وهز رأسه موافقًا. ثم بينما كانت النار تضوي وتضفي على المشهد نوعًا من السكينة الزائفة، سأل: "وما هي تلك الطبقات التي ذكرتها؟ كيف يتم تصنيف البشر في هذا العالم؟"

بدأت روسلين في شرحها وكأنها تسترجع دروسًا قديمة محفورة في جوهر كيانها: "في هذا العالم، البشر يندرجون تحت فئتين رئيسيتين: الصاقلين والعاديين. الصقل ينقسم إلى طبقات محددة، وكل طبقة تنقسم إلى مستويات ودرجات. لنبدأ بالطبقة الأولى، المحاربين: إنها تتطلب تحقيق بعض الشروط الأساسية. أولهم، بناء الروح القتالية، والتي تبدأ بتشكيل الدانتينا، الجذور الروحية التي تنقل الطاقة الروحية في أنحاء الجسد."

كان يستمع مونجيرو بانتباه، مقلوب جذوره إلى التحليل والاستفسار. واصلت روسلين كلامها: "النواة الروحية، وهي مثل كرة شفافة، تعمل كالجسر الذي يربط بين جسدك وروحك، تتحكم في توازن نطق الروح. ثم لدينا الجوهر الروحي، الذي يمتص ويجمع الطاقة الروحية التشي، ويرتبط بعمق بالجذور الروحية. وأخيرًا، البحر الروحي، المكان الذي يُدمج فيه نطق روحك بنطق أرواح الوحوش التي تندمج معها، وهو يوفر مخزونًا للطاقة الروحية للحالات الطارئة."

تمايل هواء الصباح البارد على وجهيهما وكأنه يربت على خدودهما بعناية ودقة. ثم واصلت روسلين شرحها بشغف: "لبدء عملية الصقل، يحتاج الفرد إلى امتلاك قوة روحية تعادل ألف وحدة، وقوة جسدية تسوي ألفًا أيضًا. وأخيرًا، فإنه يجب توافر خمسمائة كريستال شيطاني للبدء بصقل روح المحارب. كل طبقة تنقسم إلى اثني عشر مستوى، وكل مستوى يحتوي على اثني عشر درجة."

ظل مونجيرو صامتًا لبعض الوقت، وعيناه تراقبان الحرب الخفية بين النيران والرماد المتفحم. وبعد فترة تأمل، قال: "هذه التعقيدات تجعل عالمكم معقدًا ولكنه رائع في آن واحد.

ابتسمت روسلين بتواضع وقالت: "أعلم أن الأمر يبدو معقدًا، لكنه يشكل جوهر وجودنا وطريقنا نحو الكمال والقوة."

أضاف مونجيرو وهو يتأمل الشرح: "وهل لكل إنسان القدرة على خوض هذه العملية والوصول إلى درجات عالية من الصقل؟"

هزت روسلين رأسها برفق وعيناها تلمعان بالحكمة المكتسبة عبر الزمن: "ليس تمامًا. الصقل هو عملية تتطلب توافقًا قوياً بين الروح والجسد، ولهذا هناك الكثيرون ممن يبقون بين صفوف العاديين. حتى بعض الصاقلين قد يبقون في الطبقة الأولى طوال حياتهم إن لم يمتلكوا الإرادة والعزم الكافيين لاجتياز المراحل المتقدمة."

أومأ مونجيرو برأسه وهو يستوعب المعلومات الجديدة، ثم قال: "والصاقلون الذين يصلون إلى مستويات عالية، ما الذي يميزهم؟"

أجابت روسلين بحماس متجدد: "الذين ينجحون في بلوغ الدرجات العليا يتمتعون بقدرات لا تُصدق. يمكنهم التحكم في العناصر، التأثير في الزمن، وحتى التواصل مع الأرواح الأسطورية القديمة. وأما العاديون، فرغم حياتهم البسيطة، إلا أنهم يتمتعون بمكانة مهمة في المجتمع، حيث يمدون الصاقلين بالدعم والمساندة في معاركهم وحروبهم."

ابتسم مونجيرو وهو يملأه الإعجاب بما سمع، وقال: "إذاً، هل هناك طريق محدد يجب السير عليه للوصول إلى تلك المراحل المتقدمة، أم أن الأمر يأتي بشكل عشوائي وغير متوقع؟"

ابتسمت روسلين مرة أخرى، ولكن هذه المرة كانت ابتسامتها تحمل حزنًا كامناً. "الطريق ليس عشوائيًا، وليس سهلاً أبدًا. الصاقلون يخضعون لتدريبات وتجارب قاسية، بعضها قد يتطلب التضحية بأشياء يُعتبرها الآخرون لا تُقدر بثمن. لدى كل إنسان مسار فردي يُحدده، بمفرده، ويعتمد عليه نفسه في اكتشاف نقاط قوته وضعفه."

تابع مونجيرو بنبرة مليئة بالتأمل: "إذاً، هذه التجارب هي التي تُشكل الروح وتُكسبها ذلك التوافق القوي مع الجسد."

أومأت روسلين برأسها مؤيدة. "بالضبط. وكلما ازدادت تجارب الصاقل، توهجت روحه بصورة أعظم. ولكن مع ذلك، تبقى هناك خطورة؛ فالتحديات الكثيرة قد تتسبب في انكسار البعض، وهناك من فقد طريقه ولم يعد قادرًا على الصعود مرة أخرى."

صمت مونجيرو للحظات، ثم سأل: "ولماذا تستمرون في هذا الصقل بالرغم من كل هذه المخاطر؟"

تألقت عينا روسلين بقوة داخلية هائلة. "لأن السعي نحو الكمال هو ما يحركنا ويعطينا معنى للحياة. لأن القوة الحقيقية تأتي من التغلب على الصعاب، ومن فهم النفس والكون في أعمق مستوياتهما. الصقل ليس فقط وسيلة لامتلاك قدرات مدهشة، بل هو رحلة نحو معرفة الذات والحقيقة المطلقة."

ابتسم مونجيرو بفضول مشوب بالتحدي. "أريد أن أخوض هذا الطريق، أريد أن أعرف إلى أي مدى يمكنني الوصول."

رسمت روسلين على وجهها ابتسامة، ولكنها كانت تعبر عن الفخر بقراره الجديد. "إذاً، عليك أن تكون مستعدًا لمواجهة كل ما سيأتي في طريقك. ستحارب الظلام الذي في داخلك، وتكتشف النور الذي كنت لا تعرف بوجوده. الطريق طويل، ولكنه يستحق كل خطوة."

انتهت المحادثة بينهما، وقد أضاءت النفوس بنور الأمل والرغبة في مواجهة التحديات واكتشاف القمم. كان مونجيرو وروسيلين يدركان أن الرحلة قد بدأت للتو، وأن أمامهم مستقبل مليء بالمغامرات والتحولات.

2024/09/25 · 30 مشاهدة · 1174 كلمة
Kevin Brand
نادي الروايات - 2025