(القصة من منظور مارس)

عدنا للبيت وجلسنا لتناول الغداء وبدأ ماتياس بالحديث أخيرا وسألني: لقد أتى والدك إلى هنا مسبقا.

فرددت له: نعم كما قال دان.

قال لي: ألم يعطك تلميحا من قبل عن ما تعلمه هنا؟

فجاوبت له: كلا، فنحن نادرا ما نتحدث مع بعضنا.

قال لي: ولكن، هناك شيء ما يربط بين ما رأيته اليوم والبارحة، شيء ما لم أنتبه له كثيرا.

نظرت له باستغراب وقلت له: هل هنالك شيء لم تنتبه له من قبل؟ هذه أول مرة تحدث.

رد لي بعد أن حك رأسه قال لي: كلا، فالمعارك هنا غريبة، أشعر بأنها أشد قوة وسرعة.

توقف للحظة وقال: أشد قوة وسرعة وليس فيها ضجيج وصراخ مثل تلك التي أراها في النقابة عادة.

ضجيج وصراخ؟! ماذا بقصد بذلك؟"ماذا تعني بالضجيج والصراخ؟". سألته بتعجب فكان رده كالتالي: أن المعارك التي شاهدناها اليوم كلها كان المقاتلون فيها يستعملون السحر ولكن بسرعة لا تواكبها الأحاسيس العادية هذا ما عنيته بالسرعة والقوة ولكن هم لا يرتلون تعاويذا مثل بقية المغامرين فكل شخص قابلته حتى الآن لا يستعمل السحر ما لم يرتل تعويذته أولا ولكن هنا لم أسمع تعويذة حتى اللحظة بالرغم من أنهم يستخدمون السحر أيضا هذا ما قصدته بالضجيج والصراخ.

إنه يسمي ترتيل التعويذة ضجيجا! ولكن أظنه مصيبا فيما قال فأنا لم أسمع تعويذة واحدة حتى الآن لا منهم ولا من والدي وبعد التفكير في الأمر، عمي ديلمونت أيضا كان يتقاتل بدون ترتيل ولكنني لم أعلم أنه يمكن ذلك فعلا، سألني ماتياس بعدها: لقد قلت لي البارحة أن قتال والدك وعمك عادي لكنهما قويان فقط. ماذا كنت تقصد بعادي؟

رددت له أنهما كانا طوال الوقت يتقاتلان بنفس الطريقة ولكن تشتد حدة المعارك كل مرة التقيا ولأنهما الوحيدان اللذان كنت أتابع قتالاتهما على الدوام إلى أن أصبحت عادية بالنسبة لي، نظر إلي وقال: ألا تعلم شيئا عن عدم استخدامهما للترتيل أيضا؟

جاوبته بأنني لم أسألهما يوما عن ذلك لأنني لم أكن ملاحظا لذلك كثيرا فقال لي: لا بأس طالما عرفنا ما المطلوب يمكننا تحقيقه بسرعة.

اطمأننت كثيرا بعد أن علمت أنه لن يغضب تجاه عدم تبحري في ذلك الموضوع وقال لي أنه علينا النوم لأن أمامنا غدا يوما حافلا في المكتبة.

ذهبنا صباح اليوم التالي لساحة التدريب وبعد أن وصلنا هناك أول شيء فعله ماتياس بعد إلقاء التحية كان إخبار دان عن موضوع الترتيل بدون صوت، تعجب دان من ذلك وقال لنا: متى علمتما بشأنه بالضبط؟

رد له ماتياس: البارحة قبل المغيب بقليل.

حك دان رأسه وقال: يبدو أنه لا يوجد مزيد لأعلمكما له هنا، اذهبا فأنتما اجتزتما العقبة الأولى.

العقبة الأولى؟! ماذا يقصد بالعقبة الأول؟ هل مجرد معرفة الترتيل الصامت يسمى عقبة؟

واصل لنا دان: سأصف لكما طبيعة مأموريتكما هذه، أولا أنتما ياقوت وزمرد هذا يعني محاربين أسطوريين ولكنكما فقتما التوقعات بالوصول إلى هنا في نصف يوم، ثانيا الوحيدون الذين نترك لهم تلك العقبات هم أمثالكما أذكر أن آخر زمرد جاء إلى هنا استغرق مطولا حتى يكتشف عن ذلك الترتيل الصامت، ثالثا أمامكما ثلاث عقبات الأولى وهي اكتشاف الاسم واسم ما تبحثان عنه هو (الترنيم الصامت) أسلوب قتالي استخدمه كبار السحرة منذ زمن طويل وهو شيء شبه مندحر في عالم البشر ولكن هنا نحن نحتفظ بكل الملفات التاريخية لدينا، العقبة الثانية وهي اكتشاف الأسلوب والتي تعتبر الأصعب بين الثلاث عقبات يستلزم منكما أن تبحثا في مجموعة الكتب الموجودة لدى المكتبة الملكية إلى أن تكتشفا الترنيم الصامت بنفسيكما تماما، العقبة الثالثة والتي لا تعتبر عائقا أساسا أمام الزمرد والياقوت وهي التدريب للإتقان بعد أن تكتشفا الترنيم الصامت من المكتبة يتطلب أن تتدربا عليه فرديا حتى تتقانه بنفسيكما تماما بدون الحاجة لمعلم لأنه لا يوجد من يمكنه تعليمكما أفضل من أنفسكما. لقد تحدثت قليلا والآن لم يعد لدينا ما نقدمه لكما أظنني ساعدتكما كثيرا، حظا موفقا في اكتشاف الأسلوب.

من كل كلامه اكتشفت أن تدريباته هنا كما قال بلا فائدة تماما، ثم كيف يمكن لكلامه هذا أن يعيننا ما دام مبهما هكذا؟ ماتياس لم يعره اهتماما كبيرا شكرناه وغادرنا ساحة التدريب وعدنا للمكتبة وهنا بدأنا نلقف الكتب واحدا تلو الآخر بحثا عن ما يسمى الترنيم الصامت ولكن بلا فائدة قرأنا كثيرا من الكتب إلى أن عقلي كاد أن ينفجر ولكن ماتياس لا يزال مواظبا عليها، لا أظنه سيتوقف قريبا عن الدراسة مع أن كل الكتب الموجودة هنا لا زالت مجرد تواريخ كائنات سحرية أخرى مجددا، جاء زمن إغلاق المكتبة وعدنا للبيت وقال لي ماتياس: لقد قال دان أن هذه هي الخطوة الأصعب ولكن يجب علينا بذل جهدنا لإنجازها فإن لم ننجزها فلن نستطيع فعل شيء بعد الالتحاق بالأركان.

"سنبذل قصارى جهدنا بالتأكيد". رددت لماتياس ورأسي مصاب بالصداع من كثرة عدد الكلمات التي رأيتها اليوم، وبعد خمسة أيام من وصولنا وصل أخيرا الرفاق الذين كانوا يتبعوننا وكانت علامات التعب تبدو عليهم وكان ناثان أكثرهم إنهاكا ولكنه كان فرحا بوصوله إلى هنا وأخذوا قسط راحتهم وتم إخبارهم بأنه يجب عليهم الصبر لمجيء عدد اكثر بقليل ليبدأوا تدريباتهم أيضا ولكننا لم نكن نذهب للساحة أيضا لذا ظنوا أننا مثلهم ولكنهم لم يعلموا الجحيم الذي ينتظرهم هناك. مرت علينا الأيام وأنا وماتياس نبحث بين الكتب واحدا تلو الآخر لقد كانت المكتبة عملاقة بحق والكتب كانت تتغير من أسبوع لأسبوع أصابتنا الحيرة في ما نفعله، وبعد مضي شهر بالضبط كان ماتياس يقرأ كتابا ضخما ما وكان ذلك الاسم اللعين مكتوبا كعنوان جانبي، من قد يضع شيئا مهما كهذا في عنوان جانبي؟ أخبرني ماتياس أنه عثر على الترنيم الصامت لقد كانت تلك فرحة عامنا كله هذا ما انتظرناه مطولا وكان اسم الكتاب غريبا أيضا بعنوان(مذكرات الرحلة العظيمة للملك داريوس مملكة الأدغال الواسعة) كان الكتاب يحوي مغامرات ملك سمعنا اسمه من قبل على لسان دان يدعى (داريوس) وهذه المغامرات عن هذه المملكة التي نحن فيها الآن ومن كلامه في الكتاب يبدو أنه كان شخصا يحب الاستطلاع والترحال وكان شخصية محبوبة أيضا ذلك بجانب أنه يبدو الأقوى فعلا ففي زمنه لم يستطع بشر فعل ما فعله وهذه المذكرات هي شرح مفصل لرحلته حول العالم وهذا الكتاب عن مملكة وايلد جانغل في الكتاب يذكر أن لهذه المملكة حاكما يدعى ليوناردو أتساءل إن كان هو نفسه ليوناردو الحالي وتعيش هنا العشيرة الحاكمة المسماة (الأسود الذهبية) لم أسمع بها مسبقا، ذكر بأنها جاءت إلى هنا قبل ثمانمئة عام خارجة من أراضي الحرب بين البشر والشياطين ليس من باب الهروب ولكن من باب تجنب تدميرهما معا وأن تلك الأسود تتميز بالعمر المديد إذ تدوم دورة حياتهم على أقل تقدير سبعمئة عام وتصل لتسعمئة وتزيد، وأن داريوس تدرب على يد محاربيهم على فن لم يسمع به مسبقا يسمى بالترنيم الصامت ووضعه كعنوان جانبي ولكن خطوات إتقانه ليست بتلك الصعوبة فعلا، أظن شهرا آخر تكفي لكي نتقنه تماما كأطول مدة وفي الجانب الآخر وصل ما يقارب عشرون ألماسا وبدأو بالتدريب وكانوا يتدربون على يد تلاميذ دان أيضا وحدث لهم ما حدث معي أيضا جميعهم هزموا من أول ضربة واستمر هذا الحال لأسبوع تقريبا وكان أول الناجين منها هو روني إنه فتى مميز بحق ولكنه خسر بعد عدة ضربات أخرى ولم يحظ بفرصة هجوم أصلا، ابذل جهدك يا روني.

كان علينا اتباع أربع خطوات لإتقان الترنيم الصامت وهي كالتالي: تصفية الذهن، توزيع المانا بشكل متساوي في الجسم، التخيل المستمر للترانيم المختلفة، تطبيق التعاويذ من دون ترنيمها.

ماتياس كان بالفعل قد أنجز الخطوة الأولى وهي تصفية الذهن إذ كنت أراه صباح كل يوم قبل الشروق يجلس ويتأمل بينما كنت أجلس أطالع الكتب ولكنها لم تكن خطوة صعبة تطلبت مني ثلاثة أيام فقط لاتقانها، وفي أثناء تعليمنا للخطوة الثانية لم نواجه مشاكل إذ نحن ياقوت وزمرد أي أن نقاء وتوزيع المانا في أجسادنا مميز لذا استطعنا تجاوزها في اليوم التالي، وفي الخطوة الثالثة كنا ندرس مختلف كتب السحر لنتعلم شتى أنواع الترانيم ونحفظها ولكننا كنا قد امتلكنا ذخيرة وافرة أثناء ذلك الشهر المرير احتاجت منا مراجعتها وكتابتها في مفكرات مدة ليست بالطويلة يومان كنا أنجزنا فيها ما نحتاجه، وفي الخطوة الأخيرة كانت منقسمة على ثلاث مراحل أولها ترنيم التعويذة بصوت منخفض وبسرعة يسمى(ترنيم الهمس) وثانيها ترنيم التعويذة بشكل جزئي وإكمالها عقليا بسرعة أكبر يسمى(الترنيم الناقص) والأخيرة هي تخيل الترنيم في دماغنا بالكامل وهو(الترنيم الصامت) تنفيذ هذه الخطوات الثلاثة احتاج منا يومين للخطوة الواحدة أي ستة أيام. أخذت مني مجموع عشرة أيام لإتقان الترنيم الصامت بصورة عامة بينما ماتياس احتاج سبعة فقط لأنه كان قد أنجز الخطوة الأولى قبلي وبعد أن أكملنا كل الخطوات أمضينا بقية الوقت في تنفيذها كل يوم حتى تصبح عادة لنا ونتقنها بصورة أفضل.

(القصة من منظور كارين)

انطلق ماتياس ومارس بسرعة هائلة بعد أن أعلمنا بولت أن المأمورية تبدأ منذ تسليم الأساور أظن أنهما أرادا أن يكسبا الوقت، انطلقنا بعدهما بقليل ولكنا لم نرَ لهما أثرا في تلك الصحراء الشاسعة فقررنا أن نتمهل ونأخذ وقتنا في الترحال بحذر بسبب أن ناثان لم يستطع مجاراتنا ولا نستطيع تركه وراءنا قضينا أول يوم لنا مخيمين في الصحراء أشعلت لينا النار لتحضير العشاء وجهزنا أنا ورني الخيم وأعد سام العشاء وكان ناثان منهكا بالكامل من رحلتنا تلك إذ مشينا قرابة الخمسين كيلومترا بدون توقف أظن لهذا السبب لا يجوز لمن هم دون الألماس المشاركة في تلك المأموريات ولكننا اعتنينا به طالما هو صديق ماتياس ومارس، وقبل شروق شمس اليوم التالي واصلنا المسير حتى وصلنا لبركة ماء ما في منتصف تلك الصحراء حولها بعض الشجر المثمر فقررنا التخييم هناك تلك الليلة واستخدام تلك الفواكه والماء لكي لا نستهلك مواردنا إذ لا نعلم متى سنصل وجهتنا رفقة صديقنا ناثان، وغادرنا قبل الشروق مجددا في اليوم التالي هذه المرة صادفتنا وحوش غريبة في الطريق لأول مرة نراها كان هناك ما يشبه الكنغر لكنه مدرع وأكبر حجما وغوريلا عملاقة لديها أنياب مخيفة وأذرعها ضخمة للغاية عندما ظهر أمامنا هذان الاثنان انفصلنا لمجموعتين لتفرقتهما عن بعضهما أنا وروني هربنا بالجهة اليمنى وتبعتنا الكنغر ولينا وسام وناثان هربوا من الجهة اليسرى ولحقتهم الغوريلا لقد كان ذلك الكنغر سريعا جدا وعندما وصلنا لمسافات مناسبة من بعضنا بدأنا مواجهته أخبرني روني أنه علينا نصب فخ له مع العلم بأن روني مستعمل ممتاز لسحر الأرض فجعل يرنم تعويذة بعيدة المدى في منتصف المسافة بينه وبين الكنغر تتفعل عندما يخطو عليها الكنغر وبعد أن انتهى من وضعه أخبرني بأنه بعد أن يتفعل الفخ علي أن أهاجمه بكل قوتي فأومأت له إيجابا، هاجم روني الكنغر بطلقات سحرية بعيدة المدى وعندما أراد الكنغر الرد ركض نحو روني وفعّل الفخ كان عبارة عن فقص حجري محاط حول النصف السفلي للكنغر منعه من الحركة في ذلك الوقت كنت قد جهزت لي تعويذة نار حول فأس أستخدمه دوما هاجمت الكنغر بكل ما أملك من قوة ولكن رقبته كانت صلبة جدا وعندما رأني روني على تلك الحال أسرع ودعمني بتعويذة تعزيز وقال لي: ابذلي جهدك فإن فشلنا هنا فإنه لا سبيل للرجعة.

حفزني كلامه وكانت تعويذته مفيدة جدا أحسست برقبته كما لو كانت كالزبدة انقطعت بسرعة وسقط ميتا. ركض روني نحوي بعدها وقال لي: لقد فعلتها.

قلت له: لم أستطع فعلها لولا خطتك وتعويذتك الختامية. أحس أحيانا بأني عديمة الفا.....

قاطعني روني بعناق فجأة وقال لي: إياك أن تكملي، لن أسمح لك.

أحسست بدفء وعاطفة كبيرة تجاهه حين قال لي ذلك، وأخبرته أن علينا العودة للبقية وقال لي: عديني ألا تذكري تلك الجملة مجددا.

"أعدك بذلك". قلت له وقال لي: دعينا هكذا قليلا فقد مر وقت لم أحضنك فيه.

لقد مضت عدة دقائق وأنا كنت في حضنه وقلت في سري: أتمنى أن ظل هكذا أطول ولكن.

"يجب أن نعود الآن". أخبرته بعد أن صعب علي فراق حضنه وذهبنا للحاق بالرفاق وكان ناثان مصابا بعدة جروح لكنها لم تكن خطيرة لينا مستعملة سحر علاجي جيدة اعتنت به بقية الليلة وخيمنا في مكاننا ذلك نظرا لحالة ناثان الصعبة.

2024/07/09 · 27 مشاهدة · 1801 كلمة
نادي الروايات - 2025