(القصة من منظور ناثان)
كانت خمسة أيام لعينة بحق من قد يسافر هذه المسافة على أقدامه؟ ولماذا لا يظهر على وجوه هؤلاء التعب؟ وكيف لماتياس أن يغادر بهذه الطريقة؟ لن أسامحه إن وجدته تاليا! ولكن أظن أن لديه أسبابه الخاصة ولكن هذا لا يعوض تركه لنا. أحس بالإهانة لمجرد معرفة أنني عائق في طريق هؤلاء الرفاق كان من المفترض أن يصلوا في وقت أقل من هذا بكثير ولكنهم تكرموا وانتظروني حتى نصل سويا، لن أنسى معروفهم هذا ما حييت.
وصلنا أخيرا لهذه البوابة الضخمة وأولئك الأشخاص الذين يحرسونها يبدون أقوياء فعلا، أنا بالكاد يمكنني السير وها هو ذا الحارس يريد أن يأخذنا للملك، دعنا نرتح أولا يا هذا! المملكة مميزة بحق وكأنهم يعيشون في عالم مختلف عنا والأجواء هنا هادئة ولطيفة للغاية، ندرة الأطفال هنا شيء عجيب حقا فلا أرى أي أطفال يلعبون في الساحات هنا كما لو أنهم ولدوا كبارا هكذا! هههه لا تهم هذه التفاصيل، وصلنا للقصر الملكي المهيب والباحة عملاقة مثل القصر جاء الملك وقال لنا بعض الكلمات ولكن من اندهاشي وإرهاقي لم أنتبه معه جيدا.
أخذنا الحارس الذي يدعى تيم للمسكن لقد كان كبيرا بحق، هل يبنون كل مساكنهم بشكل كبير هكذا هنا؟ لا يهم، المهم أننا وصلنا وحان وقت الراحة، أخبرني روني أننا لن نبدأ التدريبات حتى يصبح عددنا عشرون لقد كانت تلك الميزة تصب في صالحي لأنني متعب جدا، عموما أخذت الغرفة رقم خمسة وأخذت نوما عميقا لم أنم مثله لأسبوع، السرائر هنا مريحة أيضا، أتمنى ألا أغادر هذه المملكة أبدا. في الأيام التالية كنا نتجول في ساحات هذه المملكة الواسعة حتى صادفنا ماتياس ومارس، شعرت ببعض من الغضب عند رؤيته وكنت أرجو أن أبدأ بضربه ولكن سام هدأني بعدها، أنا أتفهم أنهما زمرد وياقوت ولكن ألا يعتمدان مفهوم الرفقة؟ إنهما غريبان حقا.
أصلح سام ما بيني وماتياس بكل عقلانية وسامحت ماتياس بعدها وطلبت منه ألا يعيدها مجددا وواصل كل منا في طريق وذهبنا لمختلف الأماكن ولكن أظن هذه المملكة لا نهاية لها، تستحق مسمى الغابة الواسعة بحق.
مضى أسبوع بعد وصولنا وأصبحنا عشرين بالضبط، كنت متحمسا للغاية لأذهب وأرى تدريبات هؤلاء الأركان الحربية أخيرا، أعلم أنها حلم حياتي منذ الصغر وأنه كان من المستحيل علي أن أكون هنا لولا ماتياس. ذهبنا لصالة التدريب تلك وكان تيم مرافقنا عرفنا بالشخص الذي سيشرف على تدريبنا ويدعى دان، لقد كان نظام التدريب عاديا فالبدء من المستوى الأسهل فالأصعب لهو شيء معتاد للغاية ولكن، ما هذا المستوى السهل بالتحديد؟! إسقاط روني بضربة واحدة فقط! روني الذي يعتبر أفضل ألماس مشارك هذه السنة كان لا يصدق فعلا! لا أعلم إذا كان يمكنني الصمود أمام ذلك السميث ولكنني هنا لكي أنجز مهمتي وهي النجاح بكل المأموريات.
حان دوري ووقفت أمام سميث وأنا من داخلي أتمنى ألا أموت اليوم وأعلن دان بداية المباراة و... ها أنا ذا ساقط على الأرض، أقسم أنني لم أفهم شيئا مما يحدث وتكرر هذا الموقف معنا نحن العشرين تباعا وانتهى اليوم ولم يستطع أحد منا الوقوف لثوان معدودات فقط، وبعد أن غادرنا ساحة التدريب رأينا قاعات تدير مواجهات غير رسمية في أحد أرجاء المدينة وذهبنا إليها لنطور أنفسنا قليلا علّنا نستفيد منهم شيئا ما، كان هناك مختلف أنواع فنون القتال الجديدة علينا وكنا نخسر في كل مباراة ندخلها حرفيا واستمر هذا الحال لأسبوع آخر ولكن روني استطاع الثبات أمام هجوم سميث! ولكن، لقد سقط بعد عدة ضربات أخرى تستحق وسام شرف يا روني.
تتابع الجميع في الثبات بعد روني في أحد الأيام خرجنا أنا وكارين للغابة للتدريب في بعض وحوشها لأن الوحوش في الأغلب تكون أقل رتبة من المغامر، أو هكذا كما كنت أظن. كان ذلك النسر يتصيد كارين بينما هي ملتفة نحو الجانب الآخر مباغتا إياها ولكن بدون وعي مني ركضت لأحمي ظهرها واستلمت هجومه عوضا عنها، لقد انغرزت مخالبه الضخمة عميقا في ظهري أحسست بألم لا أظن أنني سأشعر بمثله في تاريخي أبدا، بدأت الرؤية حولي تصبح ضبابية فجأة وأنا أسمع صوت كارين وهي تصرخ لي وكان صوتها يبعد شيئا فشيئا ويصبح أقل وضوحا وأظلمت الدنيا من حولي. هل هذه نهايتي؟ هل هكذا يكون الموت؟ لا لن أموت اليوم فأنا لم أحقق حلمي بعد، ولكن هذا مستحيل بالنسبة لي، من كنت أظن نفسي عندما تقربت من ماتياس لهذه الدرجة؟ يقال إن الاقتراب من النور الساطع كثيرا يحرق ولكنني لست نادما على ذلك، فهو صديقي المقرب بعد كل شيء، بعد التفكير في الأمر لن أسامح نفسي على معاتبته فهو قد أنذرني سابقا وقال لي أن علي تحمل مسؤوليتي بنفسي، أنا فاقد للوعي حاليا ولا أعلم ما يجري الآن، أظن أنهم سيعيدونني لمملكتنا فأنا لا أستحق التواجد هنا.
وبينما أنا مغشي علي رأيت خيالا مضيئا لشخص يشبه صورة والدي ولكن السطوع شديد وأنا في ظلمة مقفرة فبدأت أنادي: أبي! هل هذا أنت؟ إن كنت أنت فلتجبني رجاء.
مهلا ما الذي أتفوه به؟ فلقد مات والدي مذ كان عمري تسعة سنين ولم أحظ بفرصة حديث مطول معه فلقد كان (مستشارا حربيا) وقتها يعني أنه كان ثاني أهم شخص بعد الألوية، ولكن لم يؤكد لي أحد خبر وفاته حتى اللحظة فقط سمعت بعض الشائعات أنه علق في مجال سحري ما في مملكة الشياطين ومعه بعض الأشخاص المهمّين أيضا، كان ذلك المجال من إنشاء ملك الشياطين نفسه ولم يستطع أحد من الألوية حتى اللحظة تحديد المكان الذي يرمي فيه ذلك المجال أو الدخول فيه، أخبرني الجميع أن والدي قد مات ولكن، أنا موقن كل اليقين أنه لم يمت بعد وسأعرف ذلك المكان وأخرجه منه ولو كلفني حياتي.
رد علي ذلك الخيال وأدهشني فقال لي: ناثان، هذا ليس مكانا لتموت فيه فأنت بحاجة لرفاقك وهم بحاجتك في ما أنتم مقبلون عليه.
رددت له بدون أن أركز مع ما قاله: هل هذا أنت يا أبي؟ أين أنت الآن؟
فرد لي: أنا أيضا لا أعرف أين! ولا أعرف ما سبب دخولنا في أحلام متزامنة كهذه، أتتني رسالة من كيان عظيم ما فيها أن خلاص العالم سيكون على يد الجيل الفتي القادم.
فقلت له: وما هذا الكيان؟ ولم لم يحرركم مما أنتم فيه؟
فجاوبني: أظن أن لكل شيء سببا سنعرفه في المستقبل فلا تستعجل، الآن يجب عليك أن تعود فأنت ابني بعد كل شيء وأنا واثق من أنك ستبهرهم في الأيام التالية، والأهم من ذلك لا تنسى أن تساند أخاك.
لماذا يجب علي العودة؟ مهلا لحظة، من أخي؟ هل لدي أخ أصلا؟! لا تغادر رجاء أخبرني أكثر عما سيحدث تاليا ولكن، استيقظت من غيبوبتي تلك وأنا أصرخ وأول من رأيته في وجهي كان ماتياس. هدأت من روعي قليلا وقلت لماتياس: كم مضى علي في هذه الحال؟
ظهرت على وجه ماتياس تعابير فرح كما لو أنني غبت سنة كاملة وقال لي: أسبوع فقط ولكنك خلال ذلك الأسبوع لم تعط أي إشارة على أنك حي.
ماذا؟ كيف يمكن لتلك المحادثة أن تأخذ أسبوعا؟! ولكن، ليست مدة طويلة جدا، أخبرته أنه يجب علي العودة للتدريب ولكنه أخبرني أنه يجب علي أن أنتظر استقرار حالتي، بعد مضي عدة أيام كنت أشعر بنفسي كشخص جديد وأنني كما لو عدت أقوى من السابق ذهبت لساحة التدريب التي كان عدد الواصلين فيها خمسة وأربعين الآن وكان روني والرفاق يتواجهون مع المستوى الثاني للتدريب وهو شخص يدعى كيڤن، أخبرني دان أن علي هزيمة سميث أولا حتى أنتقل لكيڤن.
صعدت لساحة التدريب وأنا أشعر بثقة ثابتة أنني سأنتصر اليوم وأعلن دان بداية المباراة وشعرت بتلك الضربة الغريبة على رقبتي ولكن العجيب أنني شعرت بها كما لو كانت نسمة رياح عليها وكان جسدي خفيفا للغاية، فجأة بدأت المانا تفيضمني وغطتني بالكامل وكان جسدي يتحرك بكل سلاسة كما لو أنه لم يكن يطيعني سابقا وبدأت بمهاجمة سميث بكل سرعة وقوة حتى سقط بسهولة وقلت في نفسي: ماذا حدث في ذلك الأسبوع بالضبط؟
انتهت المباراة في زمن قياسي وواصل الجميع بعدي تدريبهم وبعد أن حان زمن الرحيل أخبرني دان بالبقاء.
خرج الجميع وبقينا أنا ودان فقط دار بيننا الحوار التالي.
دان: ناثان، كيف تشعر الآن؟
رددت له: أنا بألف خير. كما وأشعر بأنني أقوى بكثير.
دان: في فترة علاجك ماذا كنت تفعل لتشعر أنك أقوى هكذا؟
فرددت له: لقد كنت في غيبوبة لأسبوع كامل.
تعجب دان من ذلك وقال لي: وفي تلك الأثناء بم كنت تشعر؟
رددت له: في العالم حولي لم أشعر بشيء ولكن عندما استيقظت أحسست بتغير شاسع في قوتي لم أعلم سببه.
فكر دان في نفسه قليلا وقال لي: هل تعلم شيئا؟ المطلوب منك إنجازه هنا ويسمى الترنيم الصامت أنت أنجزته من دون وعي منك اليوم.
سألته متعجبا: ماذا؟ مهلا لحظة! ما هو الترنيم الصامت؟
قال لي: كل مملكة ستسافرون لها ستتعلمون فيها فيها شيئا مختلفا عن الأخرى وهنا مطلوب منك تعلم ما يسمى الترنيم الصامت وأنت أتقنته اليوم.
فقلت له: مهلا، أتعني أنه ليس أمامي شيء آخر.
قال لي: كل ما عليك هو تكراره كل يوم في تدريباتك الشخصية لتعتاد عليه فقط. أنصحك بالتدرب عند ماتياس فهو قد احترفه بالفعل الآن.
ماذاااا؟ ماتياس احترف الترنيم الصامت بالفعل!!! إنه زمرد بحق.
واصل دان كلامه: هناك شيء آخر أود منك فعله.
سألته: وما هو؟
قال لي: ما هي رتبتك؟
جاوبته: بلاتين.
سألني: كلا. بل بعد غيبوبتك تلك.
نظرت له بتعجب وقلت له: هل تتغير الرتبة مع كل غيبوبة؟
قال لي: كلا، أنت لم تكن في غيبوبة، بل كنت في ما يسمى (إعادة إيقاظ).
سألته بتعجب: ما إعادة الإيقاظ هذه؟
قال لي: حالة نادرة جدا يعاد فيها تصنيف رتبة مخلوق معين وأنت كنت تمر بهذه الحالة وعدت أقوى الآن ألم تلحظ ذلك؟
قلت له: بلى بالتأكيد، كنت أظن أنني أتخيل زيادة في قوتي.
قال لي: تعال معي لنعيد تصنيفك.
ذهبنا بعدها للقصر الملكي وكان الملك حاضرا هناك قام دان بإلقاء التحية للملك وقبل أن بيدأ كلامه قال له الملك بلغة غير مفهومة لي: هل هذا هو المنشود؟
رد له دان وهو راكع: أظنه على الأرجح، فهو قد مر بإعادة إيقاظ.
الملك: أعلم ذلك ولكن أرى فيه ضوءا جميلا صغيرا.
ثم تكلم الملك بعدها بلغة البشر: من هو والدك يا غلام؟
جاوبته: جونسون.
رد الملك بصوت هادئ: جونسون إذاً، ذلك الذي ضاع في إحدى مجالات ملك الشياطين.
سألته بتعجب: كيف تعلم بأمره هكذا؟
قال لي بكل ثقة: أنا أعلم كل شيء في هذا العالم.
سألته بدون تردد: هل والدي حي إذاً؟
قال لي: نعم، ولكن لن يستطيع الخروج من ذلك المجال من الداخل. مشكلة سحر ملك الشياطين أنه غير مفهوم للبشر أمثالكم، يجب أن يحطم المجال من الخارج لأنه من الداخل لا نهائي.
سألته مجددا: وكيف يمكن ذلك؟
قال لي: ستكتشف في أثناء رحلتك.
ثم أشار بيده نحو منتصف الساحة فخرجت منها بلورة قياس وقال لي دان: تعلم كيفية استخدامها صحيح؟
ذهبت نحوها ووضعت يدي عليها وبدأت بالتوهج وأعطت اللون الذي حيرني.