الفصل الثاني: لقد تجسدت داخل روايتي

انهمرت الأسئلة في رأسي وأنا أحدّق بذهول في الشاشة العائمة أمامي.

رين دوفر؟

من هذا؟

على حد علمي، كان اسمي هو… هه؟

ما كان اسمي؟

جلست على السرير، وظهرت نظرة فارغة على وجهي وأنا أحدّق ناحية النافذة إلى يساري.

شعر أسود حالك،

بشرة شاحبة،

وعينان زرقاوان كالمحيط…

ما انعكس على زجاج النافذة لم يكن وجهي، بل وجه غريب تمامًا.

كانت ملامحه جذّابة نوعًا ما، لكنها ليست من النوع الذي يجعلك تقول “يا إلهي، كم هو وسيم!”

باستثناء العينين، كان وجهًا عاديًا. من النوع الذي تنساه بعد يومين.

أما الجسد، فكان نحيفًا إلى حد ما. فيه بعض التحديد العضلي، لكنه كان يحتاج للمزيد من التمارين.

لكن ما كان مؤكدًا… أن هذا لم يكن جسدي.

كنت سمينًا.

ومع ذلك، وأنا أحدّق في انعكاسي في الزجاج، لم أستطع إنكار أن هذا الجسد يتحرك وفقًا لإرادتي.

كل مرة ألمس فيها وجهي، ينعكس الشاب في النافذة وهو يلمس وجهه أيضًا.

جلست على طرف السرير، ونظرت إلى ساقَي النحيفتين — اللتين لم أرهما بهذه النحافة منذ أيام الثانوية — ثم وقفت.

“آه…”

ترنّحت قليلًا، واجتاحت رأسي موجة ألم مفاجئة تبعتها دوخة حادة ومزعجة.

ألم… ألم شديد لم أشعر به من قبل، اجتاح جسدي بالكامل، واضطررت إلى الاستناد على الحائط كي لا أنهار.

“هاه… هاه…”

مرّت ثوانٍ كأنها ساعات، قبل أن يتراجع الألم تدريجيًا، ويتركني أتنفّس بصعوبة على الأرض، ألهث وأبتلع الهواء بشراهة.

احتجت إلى عشر دقائق لأتمكن من الوقوف مجددًا.

نظرت حولي فرأيت غرفة بسيطة التأثيث.

سرير أبيض نظيف، مكتب خشبي قديم لكنه واسع، خزانة طويلة، وحمام صغير.

على المكتب، لاحظت شيئًا يشبه الجهاز اللوحي.

وبما أنني كنت أتوق لأي تفسير، هرعت نحوه، آملًا أن أجد فيه شيئًا يساعدني على فهم ما يجري.

وأنا أسير، شعرت بشيء غريب في جسدي، كأن هناك فجوة بين تفكيري وحركاتي.

بدايةً، ظننت أن السبب هو أنني نحفت فجأة، لكن لا… لم يكن الأمر مجرد اختلاف في الشكل، بل كأنني لا أعرف كيف أتحكم بهذا الجسد الجديد.

كل حركة كانت تتأخر، وكأن هناك “تأخير” بين الأمر والتنفيذ.

لكن مع الاستمرار بالحركة، بدأ ذلك التباطؤ يزول تدريجيًا.

ربما السبب أن روحي لم تعتد بعد على هذا الجسد؟

على كل حال، كنت بحاجة لتأكيد شيء ما… وكان الجهاز على المكتب هو أفضل طريقة لذلك.

عندما وصلت، لمست الشاشة بخفة، وفجأة…

-ووش!

ظهرت أمامي معلومات هولوجرافية متتالية جعلتني أتراجع قليلًا.

أخذت نفسًا عميقًا وبدأت أقرأ ما كُتب:

======

معرّف المستخدم: رين دوفر

العمر: 16 سنة

الصورة: (صورة هولوجرافية لي)

البرنامج: برنامج الأبطال – السنة الأولى

الترتيب المدرسي: 1750 / 2055

الإمكانات: D

المهنة: مبارز

======

“همم… فهمت.”

نظرت إلى المعلومات بدهشة، ثم ضحكت بمرارة.

“يبدو أنني تجسّدت داخل روايتي… كشخصية عشوائية لا علاقة لها بالأحداث حتى.”

لست البطل. بل مجرد شخصية هامشية بالكامل.

أنا المؤلف. من المفترض أنني أعرف كل شخصية في الرواية… لكن من بحق الجحيم هو رين دوفر؟

لم أكتب عنه أبدًا.

لكن بالنظر إلى الوضع… ربما لا يجدر بي اعتبار هذا عالم رواية بعد الآن.

أنا أتنفس وأتحرك داخله. هذا حقيقي جدًا.

أما عن سبب هدوئي، فله تفسير بسيط:

كنت أكره حياتي السابقة.

في لحظاتي الأخيرة، أدركت أنني لم أكن أهتم إذا مت.

كل ما فكرت فيه حينها كان: “يا للأسف، مِتّ هكذا فقط.”

في وقت ما، كنت قد استسلمت تمامًا للحياة.

لكن بطريقة ما، حصلت على فرصة جديدة… داخل روايتي التي لم أنهِها حتى.

رغم أنني لست البطل، فهذا لا يهم.

في الحقيقة، من يريد أن يكون البطل أصلًا؟

أنا؟ ها؟ هل جننت؟

لِم أرغب بأن أكون ذاك الأحمق المهووس بالعدالة الذي ينجذب الخطر إليه من كل مكان؟

لقد حصلت على حياة جديدة، ولست غبيًا لأضيعها بهذه الطريقة.

صحيح… أنا أغار من حريمه المستقبلي. فقد جعلتهم جميلات جدًا.

لكني قضيت 32 سنة من عمري عازبًا، فليس من مشكلة لو بقيت كذلك فترة أطول.

وبعيدًا عن العذرية… هذا العالم فيه سحر ومهارات!

لا وقت لدي لملاحقة الفتيات. أريد أن أتعلم السحر!

أستطيع أن أتخيل نفسي الآن وأنا أقذف كرات نارية ضخمة… فقط الفكرة تجعلني أبتسم.

من كان يظن أنني، القادم من عالم بلا سحر، سأتمكن من تعلمه؟ بالتأكيد لن أفوّت الفرصة.

“لكن لحظة…”

نظرت إلى تصنيفي: D.

يعني هذا أن قدراتي تم تقييمها بأنها منخفضة أو متوسطة في أحسن الأحوال.

بهذا المستوى… لن أستطيع النجاة من الكارثة الثالثة.

وضعت يدي على ذقني وبدأت أخطط لمستقبلي فورًا.

“صحيح أن تصنيفي متدنٍ مقارنة بباقي طلاب الأكاديمية، لكن لو نظرنا للأمر من زاوية أخرى، فتصنيف D يعتبر مرغوبًا جدًا في أكاديميات أخرى. يعني يمكنني أن أعيش حياة جيدة بعد التخرج.”

“لكن… لو حصلت على [بذرة الحد]، فسيمكنني إزالة حدودي نهائيًا… لكن هذا سيؤثر على البطل.”

“مع ذلك، وبما أن قدراته تم تقييمها أصلًا بـSSS، فما المشكلة لو أخذتها؟”

همم… الآن فقط أدركت شيئًا.

أنا صنعت شخصية غش صريحه.

ناهيك عن [بذرة الحد]، أعطيته أعلى موهبة، وأفضل المعدات. أليس هذا ظلمًا لباقي الشخصيات؟

والآن بعد أن أصبحت داخل الرواية، بدأت أفهم شكاوى القراء عن كونه مبالغ فيه جدًا.

“نعم، أحتاج لإعادة توازن للبطل…”

وبالطبع، هذا ليس عذرًا لأني أريد أخذ بعض المعدات لنفسي… أبدًا!

ارتديت حذائي، وأخذت مفاتيح غرفتي من عند الباب، وخرجت.

“حتى لو لم يحصل البطل على [بذرة الحد]، فبوسعه تجاوز حدوده بفضل باقي الأدوات الغشّية التي وضعتها له. لذا، لا بأس إن أخذتها.”

منذ لحظة تجسدي، قررت أن أعيش كما أريد.

تبًا لـ “الجهد لا يضيع سُدى”.

أنا غشاش يعرف المستقبل، ويعرف مواقع أدوات القوة. أنا من سيصل للقمة!

عندما خرجت من مبنى الأكاديمية، شعرت بنسيم عليل يداعب وجهي.

“فوووه… ما أروع هذا الشعور!”

مددت ذراعيّ وانطلقت نحو محطة القطار.

تبقّى أسبوع على بدء الأكاديمية، ويجب أن أستغل هذا الأسبوع لأقصى حد حتى أرفع إحصاءاتي.

أعتقد أن البطل في هذه المرحلة كان في تصنيف E، وعلى وشك الترقية إلى D، بينما أنا ما زلت في G… يعني الفارق شاسع، ويجب أن أستغل الوقت للحاق به ولو قليلًا.

أولويتي الآن هي الحصول على [بذرة الحد].

فبمجرد إزالة الحد، يمكنني الوصول إلى آفاق أعلى، والتدرب بشكل أسرع.

لأن كلما اقتربت من حدودك، كلما أصبحت عملية التدريب أبطأ. ولهذا، كلما زادت إمكانياتك، زادت سرعة تطورك.

وللحصول على [بذرة الحد]، يجب أن أذهب إلى “تلال كلايتون” في أطراف مدينة أشتون، المدينة التي أعيش فيها حاليًا، والمعروفة أيضًا بـ”عاصمة البشرية”.

بعد الكارثة الأولى، تغيّر خريطة العالم كليًا.

في السابق، كانت الأرض مغطاة بالمياه ومحاطة بقارات متعددة: أفريقيا، أمريكا الشمالية والجنوبية، أوروبا، آسيا، وأوقيانوسيا.

لكن بعد الكارثة، اندمجت القارات جميعها، مكوّنة قارة واحدة ضخمة.

ثم وقعت الكارثة الثانية، وانكمشت أراضي البشر أكثر فأكثر، إلى أن استقر توازن القوى على النحو التالي:

الشياطين: 3/8

الفانتازيا (أعراق أخرى): 3/8

البشر: 2/8

البشر يقطنون الآن في شرق القارة الجديدة، تحديدًا في المنطقة التي كانت تُعرف بآسيا.

تم بناء مدن جديدة، لكن خمس مدن فقط برزت كأهم معاقل البشر:

مدينة القناعة

مدينة دروميدا

مدينة لوينغتون

مدينة بارك

مدينة أشتون

هذه المدن هي الحصون الأخيرة للبشرية، تحمي حدودها من غزو الشياطين والأعراق الأخرى.

مدينة القناعة تقع في أقصى الشمال، وتحرس الحدود من تهديد الأورك، العرق المحارب بطبيعته.

زعيمهم الحالي، بروتوس، يُلقب بـ”الجنرال الواحد”، لأنه يعادل جيشًا كاملًا بقوته في ساحة المعركة.

مدينة دروميدا تحمي الغرب، عند حدود الشياطين والإلف. لحسن الحظ، الإلف ليسوا من محبي الحروب، لذا التهديد الأكبر يأتي من الشياطين فقط. ومع هذا، دروميدا تعاني كثيرًا في مواجهتهم.

مدينة لوينغتون تقع جنوبًا، وتُعتبر في أسوأ وضع مقارنة بباقي المدن.

على عكس دروميدا، لا يوجد بالقرب منها أي أعراق أخرى تشتت تركيز الشياطين. لذلك، عندما يهاجم الشياطين، تتحمّل لوينغتون الضربة كاملة، مما يستنزف مواردها سنويًا.

مدينة بارك تقع شرقًا، وتختلف عن غيرها بميزة واحدة: أنها تطل مباشرة على البحر.

هذا يعني أنها لا تواجه الشياطين فقط، بل أيضًا وحوش البحر، التي تحوّلت بفعل الكارثة الثانية إلى كائنات ضخمة وشرسة.

مدينة أشتون، المدينة التي أقيم فيها، هي مركز البشرية، وآخر حصن ضد الأخطار الخارجية.

وهي أيضًا مقر الأكاديمية الأقوى على وجه الأرض: “القفل” (The Lock)، التي تأسست بهدف وحيد — إعداد الأبطال الذين سيعيدون السيطرة على الأرض.

القفل منشأة ضخمة تمتد على كيلومترات، وتضم أفضل المرافق التدريبية:

أكثر من 20,000 غرفة سكن، 800 منشأة تدريب، 1,000 فصل دراسي، و2,000 مدرّب ومعلم محترف.

كونك طالبًا في “القفل” يمنحك امتيازات كثيرة، منها التنقل المجاني في وسائل النقل العامة، كما أفعل الآن.

“هذه بطاقتي.”

قدّمت بطاقتي للطالبة في شباك التذاكر، وبدأت أتفحص خريطة المحطة.

“أوه؟ أنت طالب في القفل؟”

رفعت الفتاة رأسها فجأة ونظرت إليَّ باهتمام.

“نعم.”

“إلى أين؟”

“المحطة رقم 24، قرب تلال كلايتون من فضلك.”

نظرت إليّ مرة أخرى، ثم ابتسمت وأعادت لي البطاقة وتذكرة القطار.

“أتمنى لك رحلة آمنة!”

“شكرًا لك.”

هكذا، استقللت القطار الجوي المتجه إلى تلال كلايتون…

2025/04/21 · 15 مشاهدة · 1353 كلمة
Hestia 0
نادي الروايات - 2025