بوووم—! بوووم—!
كان صوت انفجارين هائلين يتردد صداهما من طرفين متقابلين قد أفزع القائد وأخرجه من حالته، إذ ارتفع رأسه على الفور.
“ماذا حدث؟”
لقد غادر المكان لتفقد مناطق أخرى، ثم فجأة، وقعت انفجاران هائلان.
استطاع القائد أن يستنتج من مدى اهتزاز البيئة حوله أن تلك الانفجارات ليست بالأمر الهين، فتبدلت ملامحه إلى قلق بالغ.
[أيها القائد! أيها القائد! هناك حالة طارئة!]
وصل صوتٌ مذعورٌ إلى مسامعه. حاول القائد جاهدًا أن يبقى هادئًا، ثم تحدث.
“أبلغني بما يحدث.”
]وقع انفجاران. أحدهما في الحي السفلي، حيث يُحتجز السجناء الأدنى مرتبة، والآخر في الحي العلوي. وحدة النجمة الخامسة.]
“وحدة النجمة الخامسة…؟”
[دع الشياطين يتفقدون الغرفة.]
حين سمع المكان الدقيق لوقوع الانفجارات، ازداد عبوس القائد عمقًا، وفجأة تجمدت ملامحه.
“لا يمكن أن يكون…”
ضغط بأصابعه على ذقنه، وبدأت قدمه تنقر الأرض بلا وعي، ثم سارع بمحاولة التواصل مع الجنود المكلّفين بنقل السجينين.
“وحدة النجمة الخامسة – فرقة دلتا، هل من اتصال؟”
[…]
“وحدة النجمة الخامسة – فرقة دلتا، هل من اتصال؟ كلمة واحدة تكفي. أحتاج إلى تأكيد لحالتكم الحيوية.”
[…]
“وحدة النجمة الخامسة – فرقة دلتا، هل من اتصال؟…”
[…]
ولكن، ويا لخيبة أمله، لم يُجب أحد، فأدرك القائد أن هناك خطبًا ما.
“التواصل مع جميع الفرق المتاحة ضمن وحدة النجمة الخامسة… التواصل مع جميع الفرق المتاحة ضمن وحدة النجمة الخامسة… التواصل مع جميع الفرق المتاحة ضمن وحدة النجمة الخامسة…”
.
[وحدة النجمة الخامسة – فرقة ألفا تبلغ…]
.
[وحدة النجمة الخامسة – فرقة بيتا تبلغ…]
.
[وحدة النجمة الخامسة – فرقة غاما تبلغ…]
.
[وحدة النجمة الخامسة – فرقة دلتا تبلغ…]
.
وبعد تكرار الأمر ذاته ثلاث مرات، تلقى عدة ردود، فأصدر أمرًا سريعًا.
“الهدفان هما السجينان البشريان السابقان. الحقوا بهما. سأقوم بمساعدت—”
“لا حاجة إلى ذلك.”
فجأة، دوّى صوت رقيق في أذنيه، فتصلّب جسد القائد على الفور. وحين أدار رأسه، صُدم لرؤية شخص يعرفه تمام المعرفة، وسرعان ما ارتعد خوفًا.
“سـ… سموّك!”
دَفعة!
من دون أن يضيع لحظة واحدة، خرّ على الأرض وخفض رأسه. لم يجرؤ على النظر للأعلى، خوفًا من العواقب القادمة.
“هممم، انهض.”
أشار الأمير سولباكن بيده، وشعر القائد بقوة تغلف جسده، فرفعته عن الأرض. وطوال ذلك الوقت، لم يستطع القائد تحريك عضلة واحدة من جسده.
“قل لي…”
نظر الأمير سولباكن مباشرة في عينيه.
“…ما الذي يحدث بالضبط في هذه اللحظة؟”
***
"هيه… هيه… إلى أين نذهب؟ هذا الطريق خاطئ!"
"لا، ليس كذلك."
صرخ رايان، وهو يركض بكل ما أوتي من قوة.
‘الانفجارات قد وقعت للتو، ولا ينبغي أن يكون هناك الكثير ممن نجوا منها. وحتى إن وُجدوا، فهم على الأرجح مصابون أو مذهولون مما حدث… هذه فرصة جيدة.’
خطة رايان لم تقتصر فقط على تنفيذ انفجارين. لو كان الأمر كذلك فقط، لكانت خطة فاشلة بكل المقاييس.
صحيح أنه سيتمكن من صرف بعض الانتباه عنه لفترة قصيرة، لكن ما إن يهدأ الوضع، ستبدأ المطاردة، وكان متأكدًا أنه سيُقبض عليه في لمح البصر.
لقد كان يعلم هذا منذ البداية، ولذلك أدرك أن خطة بسيطة كهذه لا يمكن أن تنجح.
إن كان يريد الفرار مع ليوبولد، فعليه أن يفكر في خطة أخرى.
ولحسن الحظ، كان مستعدًا.
"هناك!"
عاد إلى الموقع الذي كان يُحتجز فيه ليوبولد من قبل، وركز رايان انتباهه على العديد من الأبواب المحيطة به. وكما توقع، لم يكن هناك شياطين تقريبًا، ومع وجود ليوبولد خلفه، لم يكن قلقًا على سلامته بعد.
كـ… كليك!
حين وصل إلى أحد الأبواب، وضع رايان الجهاز العنكبوتي الشكل فوق الباب وفعّله.
"ووووم!" ظهرت دائرة حمراء صغيرة على الباب، ومع نقرة خفيفة، انفتح فجوة في الباب يمكنه من خلالها إدخال يده وفتحه.
دخل الزنزانة، وبمجرد أن فعل، لمح جسدًا ممددًا على الأرض، فأسرع نحوه.
دون أن يضيع ثانية واحدة، عثر على السوار في معصم السجين ومزّقه. وبعدها مباشرة أخرج جرعة دواء ووضعها على الأرض.
"انتظر… لا تقل لي…"
حين استدار، وجد ليوبولد واقفًا خلفه بذهول واضح.
ابتسم رايان له.
"إنه تمامًا كما تفكر."
طمأنه رايان.
ثم حول نظره عن ليوبولد، وأسرع نحو الباب التالي بجواره.
وبالاستمرار على هذا المنوال، أعاد رايان نفس العملية، مما أدى إلى إطلاق سراح عدد متزايد من السجناء الذين كانوا محتجزين داخل نظام الكهوف، بشكل تدريجي وثابت.
***
"هممم…"
كل ما كانت تراه هو الظلام، وكان يكتسح كل جزء من مجال رؤيتها.
عندما حاولت تحريك جسدها، وجدته ثقيلًا للغاية. رمشت بعينيها عدة مرات، وحاولت النهوض لكنها لم تستطع.
مهما كان ما يُقيّد جسدها، فقد جعل من المستحيل عليها أن تتحرك.
دَفعة!
لم تلبث أن توقفت عن المقاومة، وسرعان ما اتكأت إلى الوراء على الأرض الصلبة.
كان ذهنها فوضى تامة. بدأت تمر بلقطات من الصور والذكريات، وكلما تذكّرت أكثر، ازداد اضطراب أفكارها.
"آه."
لسبب ما، لم تبدُ الذكريات التي غزت عقلها وكأنها تنتمي لها حقًا. كانت ترى أن تلك الذكريات والصور تخصّها، ولكن في الوقت ذاته… لا تخصها.
كان من الصعب تفسير ذلك، لكنها بدت لها وكأنها ترى ذكريات شخص آخر.
شخصٌ بدا أنه هي.
تُعيد معايشة لحظات وأحداث لا تتذكرها بوضوح. كان الأمر مزعجًا إلى حد ما، لكن مع الوقت، بدأت بعض الذكريات تندمج مع كيانها.
"ك..كيفن…"
تمكنت في نهاية المطاف من نطق اسمٍ واحد، لكن ما إن فعلت، حتى شعرت بألم لا يمكن تفسيره يخترق صدرها مباشرة، وامتلأت عيناها بالدموع.
‘من هو… ولماذا يستمر في الظهور في ذاكرتي… ولماذا… لماذا أفتقده إلى هذا الحد؟’
كانت إيما على وشك الانهيار. كلما فكرت فيه أكثر، كلما اشتدّ ضيق صدرها.
أرادت لذلك الشعور أن يتوقف، لكنها لم تستطع.
واحدة تلو الأخرى، بدأت الذكريات تتصاعد في عقلها، وكان صدرها ينقبض أكثر فأكثر.
لم تكن تحب ذلك الشعور إطلاقًا.
"اوه."
أطلقت أنينًا وهي تحرّك جسدها إلى الجانب، لكن ما إن فعلت ذلك، حتى شعرت فجأة برعشة في الأرض.
رمبُل—
كانت خفيفة بالكاد تُدرك، والسبب الوحيد الذي جعلها تشعر بها هو أنها ذات مرتبة عالية.
لو كان شخصٌ آخر في مكانها، لما كان شعر بها أبدًا.
عقلها، الذي كان فوضويًا قبل لحظات، بدأ يصفو قليلًا عندما وجدت شيئًا يشغل انتباهها.
مدّت يدها، ووضعتها على الأرض محاولة أن تتحسس أي اهتزاز آخر. ولم يطل بها الانتظار طويلًا.
رمبُل—
‘هناك شيء يحدث في الخارج.’
شعرت مجددًا برعشة خفيفة على الأرض، وأدركت إيما أن أمرًا ما يجري خارج المكان الذي كانت محتجزة فيه.
‘هل الشياطين يقاتلون التحالف؟’
كان ذلك هو التفسير الوحيد الذي استطاعت التوصل إليه. ورغم أن عقلها كان مشوشًا بسبب الذكريات التي ظلت تتدفّق إليه، إلا أنها لا تزال قادرة على التفكير بوضوح، وسرعان ما تذكّرت كيف انتهى بها المطاف إلى هذا المكان.
‘لقد… لقد كان مزيفًا…’
تذكّرت أيضًا ما حدث قبل لحظات من ظهورها هنا، وتغيّرت ملامحها مرة أخرى إلى تعبير معقّد.
‘كيفن…’
لسبب ما، بدا هذا الاسم وكأنه يحرّك شيئًا عميقًا بداخلها.
حتى قبل أن تُختطف، ظهر أمامها شخص يدّعي أنه يُدعى كيفن ويشبه ذلك الذي في ذاكرتها، وعبث بمشاعرها.
ومهما كان هذا الإحساس الذي لا يُطاق، فقد فهمت إيما شيئًا واحدًا.
وهو… أنه ما إن تفهم من يكون كيفن، سيتوقف كل شيء.
لماذا ظهر في تلك الذكريات؟ ولماذا يثير وجهه مثل هذه المشاعر بداخلها؟
ما إن تفهم ذلك، سيتّضح لها كل شيء مجددًا، وستعود إلى حالتها الطبيعية.
في البداية، أرادت أن تتجنّب معرفة الإجابة عن تلك الأسئلة. أرادت أن تهرب منها.
لكن مع مرور الوقت، فهمت أنها لا تستطيع الهرب. مهما فعلت، ستبقى تلك الأسئلة تطاردها من الخلف، تنهش ما تبقى من سلامها العقلي.
ومن أجل نفسها، كان عليها أن تجد الإجابة.
بوووم—!
"هم؟"
أيقظها صوت انفجارٍ مكتوم من بعيد من شرودها، وحين أدارت رأسها، لاحظت أن وتيرة الانفجارات بدأت تزداد، وتتقدّم بهدوء نحو موقعها.
بانغ—! لم تنتظر طويلًا حتى وصلت الانفجارات إلى منطقتها؛ وبعد لحظات فقط، دوّى انفجارٌ صاخب في المكان الذي كانت فيه، وبدأ الضوء يتسلّل على الفور إلى داخل الغرفة التي كانت فيها.
أجبرها ذلك الانفجار المفاجئ من الضوء على أن تغمض عينيها تألمًا، لكنها رغم الألم، استطاعت أن تلمح هيئـة شخصٍ ما، وفتحت عينيها قليلًا.
"أنت…"
نادته بصوتها، فتوقّف أمامها. رغم أنها لم تستطع رؤيته جيدًا، إلا أنها شعرت أن عينيهما قد التقتا، وعندها استطاعت إيما أن تتبيّن ملامح هذا الشخص بشكل أفضل.
ولدهشتها، بدا وكأنها رأته من قبل، وانفرجت شفتاها ببطء.
"…ألست أنت…؟"
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات