الفصل الأول: أنفاس بعد الفناء
> "الضوء... لم يكن ضوءًا... بل كأنه عين ترمقني، لا من السماء، ولا من الأرض، بل من بين طيات العدم ذاته."
استيقظ.
لم يكن ذلك صوتًا، ولا نداءً... بل كان أمرًا.
أمرًا لا يحتمل التأخير، ولا يسمح بالرفض.
فتح عينيه، أو ظن أنه فعل. لا ضوء، لا ظلمة، لا حس، لا اتجاه. فراغٌ صافٍ، أشبه بنبضٍ ميت، معلّق في رحم العدم.
أراد أن يصرخ، لكن فمه لم يكن له. أراد أن ينهض، لكن جسده... لم يكن له.
> "لقد تم اختيارك."
"نقطة التوازن الأخيرة... يا حامل الخطيئة الكبرى."
تردد الصوت في عقله، لا في أذنيه. كان الصوت ناعمًا كنسيم، لكنه مثقل بثقل ألف موت.
وفي لحظة، كما لو سُحِب من حلمٍ خانق، سقط.
سقط فجأة، لا من الأعلى، بل من داخله.
وفتح عينيه حقًا هذه المرة.
السماء، إن جاز تسميتها كذلك، كانت مكسورة... متشققة كمرآة قديمة، يعبرها ضوءٌ أزرق بارد.
هواءٌ خانق، رائحة رماد وأجساد محروقة.
ركام مبانٍ تكنولوجية متهالكة، متداخلة بأسلاك متدلّية كعروق ميتة.
في البعيد، كان برجٌ معدنيٌّ مائل، ينبض بالضوء، كقلبٍ صناعي يحتضر.
جلس. يده ترتجف، جلده مغطى برموز سوداء باهتة تتحرك بخفة على سطحه.
حاول التذكر.
من أنا؟
فارغ.
ما اسمي؟
... "زايِن"...؟
كأن الصوت خرج من داخله، لا من ذاكرته.
> [تفعيل النظام الأساسي: "كود الخطيئة - ZN-000"]
مرحلة الإدماج: مكتملة بنسبة 14%
حالة الذاكرة: تالفة
عدد الحيوات المتبقية: ∞ / ∞
انتباه: كل موت سيكلّفك جزءًا من إنسانيتك.
نظر زايِن حوله ببطء، يده لا تزال ترتجف، قلبه ينبض كطبول الحرب.
كان العالم أمامه... خاوٍ، بارد، محطم.
لكن الشعور بدا مألوفًا.
"هل متُّ من قبل؟"
في تلك اللحظة، دوّى صوت انفجار من بعيد، تبعته موجة اهتزازية زلزلت الأرض.
سقط الحطام من الأعلى.
نهض بصعوبة، وهو يتلمس جسده، وكأنه يتحقق من كونه ما يزال حيًّا.
بدا كإنسان... لكن ظلال عينيه أعمق، جلده أفتح من الطبيعي، كأن الحياة أُفرغت منه جزئيًا.
اقتربت منه خُطى بطيئة.
نظر نحو مصدرها.
كان رجلًا بلا وجه، بلا ملامح، يحمل سيفًا طويلاً مغروسًا في الأرض.
حين توقف أمامه، صدح صوت في عقل زايِن:
> "مرحبًا بك في القطاع المتروك — مهد الفوضى الأولى."
"أنت الهدف. أنت السبب. وأنت الحل."
"لن تنجو."
رفع السيف دون مقدمات، وهاجم.
زايِن تجمّد. لم يتحرك. لم يقاوم.
لكن شيئًا غريبًا حدث.
في اللحظة التي لامس فيها السيف جسده، توقفت الصورة.
كل شيء تجمّد.
وظهر أمامه نافذة شفافة:
> [اختيار رد الفعل الأولي]
● صدّ الهجوم ← متطلب: تفعيل ذاكرة القتال (مغلق)
● امتصاص الضربة ← متطلب: طاقة الحياة (ضعيفة)
● إعادة تموضع ← يتطلب: خسارة ذاكرة "الطفولة"
● تجاهل ← النتيجة: الموت
حدّق طويلًا في الخيارات.
ضحك ضحكة باهتة، لا يشعر بها.
"هل أمتلك طفولة؟"
ثم ضغط على: إعادة التموضع.
تألّم رأسه كأن نيزكًا اخترق جمجمته.
صرخ بصوتٍ لم يسمعه أحد.
ثم فجأة... اختفى من مكانه.
ظهر خلف الخصم مباشرة، يده تتحرك وحدها.
أمسك بالسيف، وسحب قوةً منه كأنها سائل أسود اخترق جلده.
> [تم اكتساب المهارة: "تقاطع الظلال"]
[تمت التضحية بالذاكرة: "الطفولة"]
ترنّح العدو. صرخ بصوت غريب، وانفجر إلى غبارٍ أسود تلاشى في الفراغ.
جلس زايِن، يلهث.
لكن لا ألم. لا دماء.
فقط تعب داخلي... كأنه شيء داخله انكسر.
أغمض عينيه. وفي داخله، همس شيءٌ غريب:
> "أنت لست وحدك."
"أنت نحن. ونحن أنت."
"كل مرة تموت، نقترب."
---
بعد خمس دقائق...
كان يسير بين الأنقاض.
يمر بجثث متخشبة، أجساد ملوّثة بأسلاك، وعيون مفتوحة لا رمش فيها.
كلهم يشبهونه... بطريقةٍ ما.
> [تحذير: بقايا الذات القديمة قريبة.]
[احتمال الانفصام الذهني: مرتفع.]
سمع ضحكة مألوفة.
التفت.
ورأى "نفسه"...
لكن هذا الـ"نفسه" كان يضحك ب
طريقة مجنونة، يحمل خوذة مليئة بالعيون.
وراءه، كانت تفتح بوابة صغيرة... من عالمٍ آخر.
العوالم تتداخل.
الأنظمة تتضارب.
الواقع بدأ في الانهيار...