مع اقتراب موكب الملك الزائر من القصر، كانت الإمبراطورية تزدان بأبهى حللها. الأعلام ترفرف في السماء، والشعب يتجمع في الشوارع، والجميع يترقب بحماس الحدث الكبير.

مع اقتراب الزيارة الملكية، كانت القلعة تعج بالحياة والحركة، لكن آفا كانت تشعر بعالم مختلف ينمو داخلها. بدأت تلاحظ التغيرات الصغيرة، الغثيان الصباحي الذي لا يرحم، والرغبة الشديدة في الأطعمة التي لم تكن تفكر بها من قبل. كانت هذه الأعراض تثير الشكوك في قلبها، لكنها لم تكن مستعدة لمواجهة الحقيقة بعد.

في الحدائق، حيث الورود تتفتح بألوان الحياة، وجدت آفا نفسها تتأمل في مستقبلها. كانت تعلم أن الحمل سيجلب معه تحديات جديدة، ليس فقط لها بل لدافيد أيضًا. ومع كل نبضة من قلبها، كانت تشعر بالرابط الذي ينمو بينها وبين الحياة التي تحملها.

عندما جاء الوقت لمشاركة الخبر مع دافيد، كانت آفا تعلم أنها لا تكشف سرًا فحسب، بل تفتح بابًا لمستقبل لم يكن متوقعًا. “دافيد،” قالت بصوت يرتجف، “هناك شيء يجب أن تعرفه…”

وفي تلك اللحظة، مع انعكاس أشعة الشمس على وجهها، كانت آفا تبدو كما لو كانت تحمل كل أسرار العالم.

كانت نظراتهما تحمل كلمات لم تُقال. “أنا حامل،” همست آفا بصوت يكاد يُسمع. دافيد، الذي كان دائمًا الصخرة الصلبة، شعر بركبتيه تضعفان. لكن قبل أن يستطيع الرد، أعلنت الأبواق وصول الملك والملكة.

آفا، التي كانت تستعد للقاء، شعرت بمزيج من الإثارة والقلق. كانت تعلم أن هذه الزيارة قد تكون فرصتها لتعزيز مكانتها كأميرة، لكنها لم تتوقع الاهتمام الشخصي الذي أظهره الملك تجاهها.

خلال العشاء الرسمي، جلس الملك بجانب آفا، وكان واضحًا أنه مفتون بها. “أميرة آفا، لقد سمعت الكثير عن حكمتك وجمالك، ويجب أن أقول إن الحقيقة تفوق الشائعات.”

شعرت آفا بالإطراء، لكنها كانت حذرة. “شكرًا لك، جلالة الملك. نحن محظوظون بزيارتكم.”

دافيد، الذي كان يراقب من بعيد، شعر بشيء غريب يتحرك داخله. لم يكن غضبًا، ولكنه لم يكن سعيدًا بالاهتمام الذي كان الملك يظهره لآفا.

في الأيام التالية، واصل الملك محاولاته للتقرب من آفا، مما أثار غيرة دافيد بشكل متزايد. وفي لحظة خاصة، وجد دافيد نفسه يتحدث إلى آفا بصراحة أكثر من المعتاد.

“آفا، أنتِ تعلمين أن هذه الزيارة مجرد سياسة، أليس كذلك؟” قال دافيد، وهو يحاول إخفاء قلقه.

“بالطبع، سمو الأمير. وأنا ملتزمة بما هو أفضل للإمبراطورية،” ردت آفا، وهي تشعر بنظراته الحادة.

لكن في قلبها، كانت تشعر بشيء آخر يتحرك. لم تكن متأكدة مما كانت تشعر به تجاه دافيد، لكنها عرفت أن الأيام القادمة قد تكشف الكثير

بينما تتوالى الأيام، يزداد الوضع تعقيدًا. الملك الزائر يبدي إعجابه الشديد بآفا، ويقدم لها هدايا ثمينة ويطلب منها الانضمام إليه في جولات خاصة حول الإمبراطورية. آفا، وإن كانت مدركة للعبة السياسية، تشعر بالحرج من هذا الاهتمام غير المتوقع.

دافيد، من جانبه، يجد نفسه يراقب آفا بعيون جديدة. لم يكن الأمر مجرد غيرة على مكانته كولي للعهد، بل كان هناك شيء أعمق يتحرك داخله. كان يشعر بالانزعاج من فكرة أن آفا قد تجد السعادة مع شخص آخر، وهذا الشعور كان جديدًا عليه.

في إحدى الليالي، خلال حفل راقص، دعا الملك آفا للرقص، وأمام أعين الجميع، أخذها في دورة عبر القاعة. كانت آفا ترقص برشاقة، لكن عينيها كانتا تبحثان عن دافيد. وعندما التقت نظراتهما، كان هناك شرارة غير متوقعة، لحظة صمت في ضجيج الحفل.

بعد الرقص، اقترب دافيد من آفا، وبصوت خافت قال لها، “آفا، هل أنتِ سعيدة؟”

كان السؤال بسيطًا، لكنه كان محملاً بالمعاني. آفا، التي كانت تشعر بالارتباك من مشاعرها المتضاربة، أجابت بصدق، “أنا لست متأكدة، دافيد. هذه الزيارة أكثر تعقيدًا مما توقعت.”

“آفا، أنا… أنا لا أريد أن تشعري بأنك مجبرة على شيء لا تريدينه. حتى لو كان ذلك يعني…”

توقف دافيد، غير قادر على إكمال جملته. كانت هذه المرة الأولى التي يظهر فيها دافيد ضعفًا أمامها، وهذا الضعف فتح بابًا جديدًا بينهما.

كانت عيناه تعكسان صدق مشاعره والتزامه. “أريدك أن تعرفي أنني هنا من أجلك، ومن أجل طفلنا، بغض النظر عن القرارات التي قد تتخذينها. هذا الطفل… هو جزء منا، وأنا سأدعمك في كل خطوة.”

تنهدت آفا براحة، وهي تشعر بالدعم الذي لم تكن تعلم أنها بحاجة إليه. “دافيد، شكرًا لك. أنا… أنا خائفة، لكن معك، أشعر أننا يمكن أن نواجه أي شيء.”

مع مرور الأيام، بدأت آفا تشعر بثقل الحمل يزداد. كل صباح، كانت تستيقظ على وقع الغثيان، وكل ليلة، كانت تحاول النوم وسط موجات الألم التي تجتاح جسدها. القصر الذي كان يومًا ما ملاذها، بدأ يشعرها بالضيق والحصار.

دافيد، الذي كان يلاحظ تغيراتها، بدأ يشعر بالقلق. “آفا، أرجوكِ، دعيني أساعدكِ. لا يجب أن تتحملي هذا وحدكِ.”

آفا نظرت إليه بعيون متعبة لكن مليئة بالحب. “أعلم أنك تريد مساعدتي، لكن هذا شيء يجب أن أواجهه بنفسي. إنه جزء من رحلتي لأصبح أمًا.”

مع كل يوم يمر، كانت آفا تشعر بالقوة تنمو داخلها، ليس فقط بسبب الحياة التي تنمو في أحشائها، بل بسبب الإرادة الصلبة التي تشكلت في قلبها. كانت تعلم أن كل لحظة من الألم هي خطوة نحو مستقبل حيث ستحمل طفلها بين ذراعيها، طفل سيكون رمزًا للحب والأمل بينها وبين ديفيد.

مع تقدم الأشهر، بدأت آفا تشعر بالتغيرات تسري في جسدها وروحها. الحمل لم يكن مجرد تحول جسدي، بل كان رحلة عاطفية وروحية أيضًا. كل نبضة من قلب الطفل داخلها كانت تذكرها بالحياة التي تحملها والمستقبل الذي تحلم به.

في غرفة نومهما الواسعة، حيث الضوء الخافت ينساب عبر الستائر الثقيلة، جلس دافيد يتأمل آفا وهي نائمة. كانت تنام بهدوء، وجهها يعكس سلامًا عميقًا، لكن دافيد كان يحمل في قلبه عاصفة من المشاعر.

الفرح بقدوم طفلهما كان يتنازع مع الخوف من المستقبل. “كيف يمكنني أن أكون أبًا جيدًا؟” تساءل في صمت. “كيف يمكنني حماية عائلتي في عالم مليء بالمخاطر والتحديات؟”

ومع ذلك، كان هناك شعور آخر يتسلل إلى قلبه - الشك. هل كان يستحق حقًا حب آفا والطفل الذي لم يولد بعد؟ تذكر ديفيد ماضيه العنيف والقرارات التي اتخذها للوصول إلى العرش. “هل يمكن لرجل مثلي أن يغير مساره؟” همس لنفسه.

لكن عندما استيقظت آفا ونظرت إليه بعيون مليئة بالحب ، شعر ديفيد بالدفء يعود إلى قلبه

“ما الذي يبقيك مستيقظة، آفا؟” سأل بصوت خافت.

آفا استدارت نحوه، والقلق يبدو على وجهها. “أفكر فيك، في ماضيك. هناك الكثير الذي لا أعرفه عنك، وأشعر أنه يجب عليّ أن أفهمك بالكامل.”

دلفيد تنهد بعمق، والظلال تلعب على وجهه. “آفا، ماضيّ ليس شيئًا أفخر به. لكن إذا كانت هذه هي الطريقة التي تجدين بها الراحة، فسأشاركك كل شيء.”

وهكذا، بدأ دافيد يسرد قصصًا من ماضيه، عن الأيام التي كان فيها القوة والعرش هما كل ما يسعى إليه. عن اللحظات التي اضطر فيها لاتخاذ قرارات قاسية، وعن الأخ الذي فقده في طريقه للسلطة.

آفا استمعت بصمت، ''لا تقلق مولاي , ما دمت معك سأنسيك كل همومك"

ديفيد نظر إليها بامتنان، وفي تلك اللحظة، شعر بأن الأوزار التي حملها لسنوات بدأت تخف وزنها. “نعم، معكِ ومع طفلنا، أشعر أنني أستطيع أن أبدأ من جديد.”

وفي الصمت الذي أعقب حديثهما، وجدت آفا الراحة التي كانت تبحث عنها، وأخيرًا، استسلمت للنوم، بينما دافيد كان يحرس أحلامها.

2024/07/01 · 31 مشاهدة · 1080 كلمة
نادي الروايات - 2025