5 - التاج والقيود: صراع الإرادات

في غرفة العرش، حيث الجدران تحكي قصص الماضي، وقف دافيد يتأمل الخريطة المعلقة أمامه. كانت الحدود تتغير، والتحالفات تتشكل وتنهار، وهو يشعر بأن وزن الإمبراطورية يثقل كاهله.

آفا دخلت الغرفة بهدوء، تحمل في يدها كأسًا من النبيذ الأحمر. "دافيد، لقد لاحظت أنك متوتر في الآونة الأخيرة. هل هناك شيء يمكنني فعله لمساعدتك؟"

دافيد التفت نحوها بعيون متقدة بالغضب. "كيف يمكنك مساعدتي؟ الإمبراطورية تتفكك، وأنا... أنا لا أعرف إذا كنت أستطيع حمايتك "

آفا وضعت الكأس على الطاولة واقتربت منه. "دافيد، أنا هنا لأدعمك، لا تنسى أننا في هذا معًا."

لكن دافيد، الذي كان يشعر بالعجز، دفعها بعيدًا. "لا! لا يمكنك فهم ما أمر به. أحتاج إلى التفكير وحدي."

وبدون تفكير، أمر الحراس بأخذ آفا إلى غرفتها وحبسها هناك. "لا تدعوها تخرج حتى أقول ذلك!" صاح بأمر لا يقبل الجدل.

آفا، التي كانت تشعر بالصدمة والخوف، وجدت نفسها وحيدة في غرفة مظلمة، مع قليل من الطعام والماء. كانت تعلم أن دافيد يحمل الكثير من الألم والضغط، لكنها لم تتوقع أن يتحول غضبه إليها بهذه الطريقة.

في زوايا الغرفة الضيقة التي حُبست فيها، كانت آفا تجلس وحيدة، تحتضن ركبتيها بين ذراعيها. الجدران الأربعة التي تحيط بها كانت تبدو كأنها تقترب منها أكثر فأكثر، تضيق عليها الفضاء وتزيد من توترها.

كل صوت خارجي، حتى خطوات الحراس خلف الباب، كان يجعل قلبها يخفق بقوة. كانت تشعر بالقلق ليس فقط على نفسها ولكن أيضًا على مصير الإمبراطورية أيضا.

"يجب أن أحافظ على هدوئي من أجله..." كانت تكرر هذه الكلمات لنفسها، تحاول أن تجد السكينة في عالمها الداخلي الذي كان يبدو الآن أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى.

وفي لحظات الوحدة تلك، كانت تتحول الكتابة كملاذ لها. كانت تكتب عن مشاعرها، عن خوفها وأملها، وعن الحب الذي كانت تحمله لدافيد على الرغم من كل شيء.

في الليل، حيث القصر يغط في سكون، كانت آفا تتجول في أروقته الطويلة، تحاول تهدئة أعصابها بكأس من الحليب. القمر كان معلقًا في السماء كلوحة فنية، يرسل ضوءه الفضي عبر النوافذ العالية لينسكب على الأرضيات الرخامية.

بينما كانت تسير نحو المطبخ الملكي، لم تكن تتوقع أن تجد دافيد هناك، وفي لحظة غير متوقعة، اصطدمت به. وقف دافيد صامتًا، متأملاً جمالها الذي كان يتلألأ تحت ضوء القمر، كأنه يرى آفا لأول مرة. "إلى ماذا تنظر؟" سألته آفا بصوت خافت، محاولة قراءة تعابير وجهه. دافيد، الذي كان قد فقد نفسه في التأمل، أجاب بصوت أجش، "أتأمل الجمال الذي أوقع جميع الأنام

بعد لحظات من التأمل الصامت، شعر دافيد بالحيرة تغزو قلبه. كانت آفا هناك، أمامه، تحت ضوء القمر، تبدو كملاك سقط من السماء. لكن الشكوك التي كانت تعتمل في صدره جعلته يتراجع.

"عليّ أن أذهب." قال دافيد بصوت مخنوق، وهو يبتعد عنها، تاركًا وراءه الضوء الفضي الذي كان يحيط بآفا.

آفا وقفت هناك، مصدومة ومرتبكة، تشاهد ظهر دافيد وهو يبتعد. كانت تشعر بالبرد يتسلل إلى عظامها، ليس من الليل، بل من الفجوة التي شعرت أنها تتسع بينهما.

بينما كان دافيد يبتعد في الأروقة المظلمة، كانت الأفكار تتصارع في رأسه. "لماذا أشعر بهذا الضعف؟" تساءل. "لماذا لا يمكنني أن أقاوم جمالها، حتى وإن كانت قد دمرت كل ما كنت أسعى إليه؟"

وفي تلك اللحظة، توقف عن المشي. الصمت حوله كان مطبقًا، لكن صدى خطواته كان يرن في أذنيه كتذكير بالمسافة التي وضعها بينه وبين آفا.

عاد إلى غرفته، وأغلق الباب خلفه بقوة. جلس على حافة السرير، وجهه بين يديه. "ماذا أفعل؟" همس لنفسه. "كيف يمكنني أن أكون إمبراطورا عادلاً إذا كان قلبي ممزقًا بهذه الطريقة؟"

وفي الغرفة المجاورة، كانت آفا تعود إلى سريرها، الحليب الذي كانت تبحث عنه نسيته بالكامل. كانت تشعر بالبرد يتسلل إلى قلبها، ولكنها كانت تعلم أنها يجب أن تكون قوية، ليس فقط من أجل نفسها، بل من أجل شعبها الذي تحمله.

"غدًا سيكون يومًا جديدًا." قالت لنفسها بصوت متفائل. "وسأجد طريقة لإصلاح ما تكسر."

في الصباح الباكر، قبل أن يستيقظ القصر بأكمله، كانت آفا تجلس على السرير، تفكر بعمق. كانت تعلم أن الغضب والاتهامات لن يجديا نفعًا، وأنها بحاجة إلى نهج أكثر دبلوماسية.

"أولاً، يجب أن أفهم الضغوط التي يواجهها دافيد." قالت لنفسها. "ثم يمكنني أن أظهر له أنني حليفة ولست عدوة."

كانت تخطط لطلب اجتماع مع المستشارين الملكيين لمناقشة الأوضاع الحالية وإيجاد حلول للمشاكل التي تواجه الإمبراطورية. كما كانت تنوي استخدام هذه الفرصة لإظهار دعمها لدافيد وتعزيز مكانتها كولية عهد.

"ثانيًا، يجب أن أجد طريقة للتواصل مع دافيد بشكل خاص." تابعت آفا. "ربما رسالة شخصية تصل إلى قلبه."

كانت تعتزم كتابة رسالة تعبر فيها عن مشاعرها الحقيقية، تشرح فيها كيف أنها تشاركه الألم والأمل، وتؤكد على رغبتها في العمل معه جنبًا إلى جنب لمستقبل أفضل لهما وللمملكة.

"وأخيرًا، يجب أن أكون مثالًا للقوة والصبر." قررت آفا. "سأظهر للجميع في القصر أنني لا أزال قوية وملتزمة بمملكتنا."

كانت تعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، لكنها كانت مستعدة للمواجهة. وبهذه الخطة، بدأت آفا يومها، مليئة بالأمل

وبينما كانت آفا ترسم خطتها بعناية، كان دافيد يعاني من صراعه الخاص. لم يكن يعلم أن آفا كانت تخطط للتقرب منه مرة أخرى، وكان يشعر بالوحدة والعزلة في غرفته الكبيرة.

في تلك الليلة، بينما كان يحدق في السقف المظلم، بدأ يفكر في كلمات آفا الأخيرة. "هل يمكن أن تكون صادقة؟ هل يمكن أن تكون مشاعرها نحوي حقيقية؟" تساءل.

وفي الصباح التالي، قرر دافيد أن يعطي آفا فرصة للتحدث. "ربما إذا استمعت إليها، يمكنني أن أفهم ما تشعر به حقًا." قال لنفسه.

وهكذا، بدأت الأحداث تتحرك في القصر. آفا، بصبرها وذكائها، ودافيد، بشكوكه ورغبته في الفهم، كانا على وشك أن يجتمعا مرة أخرى، وهذه المرة، لمناقشة مستقبلهما ومستقبل الإمبراطورية.

2024/07/02 · 30 مشاهدة · 863 كلمة
نادي الروايات - 2025