أفا وقفت في الشرفة العالية للقصر، تنظر إلى الأفق البعيد حيث تمتزج ألوان الغسق بالسماء. كانت تفكر في الأيام القادمة والتحديات التي ستواجهها. لقد كانت واثقة من قوتها وقدرتها على الحكم، لكنها كانت تعلم أيضًا أن القوة لا تأتي فقط من العرش، بل من الشعب الذي يدعمه.
“يجب أن أكون أكثر من مجرد إمبراطورة. يجب أن أكون قائدة، صديقة، وحليفة لكل من في القصر، من الأعلى إلى الأدنى.” همست لنفسها.
في اليوم التالي، بدأت أفا بتنفيذ خطتها. طلبت من الخدم الاجتماع بها واحدًا تلو الآخر، ليس لتعطي الأوامر، بل لتستمع. استمعت إلى قصصهم، تعرفت على أحلامهم وآمالهم، ووعدت بأن تكون صوتهم في الحكم
كانت أفا تقف في المطبخ الكبير للقصر، تحاول التواصل مع الطهاة والخدم. كانت تقدم اقتراحات لتحسين ظروف عملهم، ولكن الاستجابة كانت باردة ومتحفظة.
“نحن نقدر جهودك، مولاتي، لكن الأمور هنا لا تتغير بسهولة.” قال الطاهي الرئيسي، وهو ينظر إليها بعينين مليئتين بالشك.
أفا شعرت بخيبة أمل، لكنها لم تستسلم. “أنا هنا لأستمع إليكم وأعمل معكم. أريد أن يكون هذا القصر مكانًا تفتخرون به.”
لكن الجدران كانت عالية، والثقة كانت مفقودة. الخدم كانوا يخشون التغيير، وكانوا يتمسكون بالطرق القديمة. كانت أفا تدرك أنها بحاجة إلى شيء أكثر من مجرد كلمات لكسر الجليد
في الصباح الباكر، قبل أن يستيقظ القصر بأكمله، كانت أفا ترتدي ملابس بسيطة وتتجه إلى المطابخ. بيدها سلة مليئة بالخضروات الطازجة من حدائق القصر، انضمت إلى الطهاة في تحضير وجبة الإفطار.
“مولاتي، لا يجب أن تفعلي هذا.” قالت إحدى الطاهيات بدهشة.
“أريد أن أفهم حياتكم، وأريد أن أظهر لكم أنني أقدر كل ما تفعلونه من أجل القصر.” ردت أفا بابتسامة صادقة.
مع مرور الأيام، بدأت أفا تشارك في مهام مختلفة، من تنظيف الأرضيات إلى ترتيب الحدائق. كانت تستمع إلى القصص وتشارك الضحكات، وببطء، بدأت الحواجز تتهاوى.
لم يكن الأمر سهلاً، وكانت هناك لحظات من الشك والتردد، لكن إصرار أفا وتواضعها أثبتا أنها ملكة بقلب مفتوح وعقل متفهم. وبهذه الطريقة، لم تكسب فقط احترام الخدم، بل كسبت أيضًا حبهم وولاءهم.
----------
في غرفتها الخاصة، جلست أفا على الأريكة، تحتضن نفسها وهي تحاول استيعاب الألم الذي يعتصر قلبها. كانت الدموع تتساقط بصمت، كل قطرة تحمل معها حلمًا وأملاً كانت قد نسجته لمستقبل طفلها.
عندما دخل دافيد الغرفة، شعر بالبرودة التي ملأت الجو. كانت نظرات أفا غائمة، وكأنها تنظر إلى عالم آخر.
“أفا، ما الذي حدث؟” سأل دافيد بقلق، وهو يقترب منها.
أخذت أفا نفسًا عميقًا، وبصوت مرتجف، بدأت تشاركه الخبر الذي كانت تخشى قوله. “دافيد، لقد… لقد فقدت الطفل.”
كانت الكلمات تتردد في الغرفة، وكأنها صدى لألم لا يمكن وصفه. دافيد، الذي كان دائمًا الصخرة الصلبة، شعر بالأرض تهتز تحت قدميه.
وقف دافيد متجمدًا للحظة، وكأن الزمن توقف حوله. ثم، بحركة مفاجئة، دفع الكرسي بعيدًا وهو يقف بعنف.
“كيف حدث هذا؟ كيف سمحتِ لنفسكِ بالقيام بكل هذا العمل الشاق وأنتِ في هذه الحالة؟” صرخ دافيد، صوته يملأ الغرفة بالتوتر والغضب.
أفا نظرت إليه بعيون دامعة، “أردت فقط أن أكون إمبراطورة تستحق… لم أكن أعلم…”
“لم تكوني تعلمين؟” قاطعها دافيد بصوت مرتفع. “كان يجب أن تكوني أكثر حذرًا، كان يجب أن تفكري في العواقب!”
كان الألم يتخلل كلماته، وكان واضحًا أن غضبه كان غطاء للخوف الذي يشعر به. خوف من فقدان شيء لم يكن يعرف حتى أنه يريده حتى الآن.
أفا وقفت واقتربت منه، “دافيد، أنا آسفة، لم أكن أقصد… أنا بحاجة إليك الآن أكثر من أي وقت مضى.”
لكن دافيد تراجع، وهو يحاول السيطرة على مشاعره. “أحتاج وقتًا لأفكر في كل هذا.”
ومع هذه الكلمات، خرج من الغرفة، تاركًا أفا وحيدة مع حزنها وندمها.
كانت القاعات الفسيحة للقصر تصدح بصوت خطى دافيد المتسارعة وهو يبتعد عن غرفة أفا. كل خطوة كانت تعبر عن الغضب الذي يتأجج في صدره، وكل نفس كان يأخذه يحمل معه زفيرًا من الازدراء.
“لا أريد أن أراها مجددًا!” صرخ دافيد في وجه مستشاره أليكس الذي كان يحاول تهدئته. “لقد جلبت العار لي وللعرش, إنها لعنة خب!”
أفا، التي كانت تقف خلف باب غرفتها المغلق، كانت تستمع إلى كل كلمة. كان قلبها ينكمش مع كل إهانة يلقيها دافيد، وكانت تشعر بالوحدة تلتهمها كالظلام الذي يحيط بالقصر ليلاً.
“مولاي، أرجوكم، دعوني أشرح…” حاولت أفا النداء من وراء الباب، لكن صوتها كان يتلاشى أمام صراخ دافيد.
“لا تناديني بمولاي! لقد فقدتِ هذا الحق!” كانت كلمات دافيد قاسية كالصقيع، وكانت تعكس الجرح العميق الذي أحدثته الأحداث الأخيرة في قلبه.
وقفت أفا وحيدة في الحديقة الخلفية للقصر، حيث كانت الأزهار البرية تنمو بحرية، غير مبالية بالأحداث التي تدور حولها. كانت تشعر بالضياع، كما لو أن كل الجهود التي بذلتها قد ذهبت أدراج الرياح.
“لقد عدت إلى البداية، إلى نقطة الصفر.” همست لنفسها بصوت مكسور. “لكن هذه المرة، سأبني كل شيء بطريقة أفضل.”
كانت تعلم أن الطريق أمامها سيكون مليئًا بالتحديات، لكنها كانت مصممة على استخدام هذه الفرصة لتصحيح أخطائها وإعادة بناء مملكتها بقوة وحكمة أكبر.
بدأت بتجميع فريق من المستشارين الأوفياء، ووضعت خطة لتحسين الاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية. وأهم من ذلك، قررت أن تبني جسورًا من الثقة والمحبة مع شعبها، وأن تكون الحاكمة التي يستحقونها.