تبع كايروس الرجل المقنع، سار الاثنان بضع ثوانٍ في ممر مظلم لا يضيئه سوى شموع متآكلة، حتى توقفا أمام باب أسود ضخم محفور عليه شعار أسد أسود يزأر في صمت، وكأن عينيه تنبعث منهما حياة غامضة.

قال الرجل المقنع بصوت خافت:

"سيدي… لقد أتى شخص جديد."

ارتفع من الداخل صوت ثقيل، عميق كأنه يخرج من قاع بئر:

"أوه… لم أسمع عن زائر جديد منذ زمن بعيد. دعه يدخل."

فتح الباب ببطء، وانكشفت خلفه قاعة شاسعة غير متوقعة؛ جدرانها مزخرفة بأجمل الزينة، ومصابيح بلورية تبعث نورًا خافتًا ينعكس على الذهب المعلق في الأركان.

في صدر القاعة جلس رجل عجوز، شعره الأبيض الكثيف يتساقط كالشلال حتى لامس الأرض، ولحيته الطويلة تكاد تلتف حول كرسيه.

وجهه كان متغضنًا بالتجاعيد، لكن ابتسامته كانت هادئة… هادئة لدرجة مريبة.

قال العجوز بصوت رخيم متذبذب، لا تدري أهو صوت شيخ حكيم أم همس شيطان:

"شاب في مقتبل العمر… وأنت تدخل إلى هنا. أعتقد أني عرفت من تكون. تعال، يا فتى، لقد انتظرتك طويلاً."

تفاجأ كايروس، وارتسمت ابتسامة ماكرة على وجهه:

"ذكاؤك حاد… عرفتني من أول نظرة، بينما فشل الجميع. كيف تمكنت من ذلك؟"

أجاب العجوز وهو يمرر أصابعه النحيلة على الطاولة، فتزلزل الخشب لحظة وكأنه ارتجف من رهبة لم تُفهم:

"أنسيت أني أحفظ كل ما أسمعه؟ صحيح أني فقدت بصري، لكن خطواتك… تنفسك… وحتى نبضك لم يتغير. لا يمكن أن تخدعني."

تجمد كايروس لثانية، قبل أن يضحك ضحكة صاخبة:

"هاهاها… وكيف عرفت أني في جسد شاب في مقتبل العمر؟!"

ابتسم العجوز ابتسامة باهتة:

"لا داعي لتعرف… حتى لو شرحت فلن تفهم. المهم… كيف حالك، يا صديقي القديم كارين؟"

ارتفع حاجبا كايروس بدهشة، ثم أجاب باستخفاف:

"أنا بخير… لكن كيف لي أن أكون صديقًا لشخص يكبرني بعشرة آلاف عام؟!" ثم انفجر ضاحكًا.

بعد تبادل الكلمات، قدّم العجوز ملفًا سميكًا:

"كما طلبت… جميع مخططات منازل السبعة، وتحركات جواسيسي في كل مكان. هذا الملخص يكفيك لتفهم ما جرى في الخفاء عبر السنين."

بدأ كايروس يقلب الأوراق بهدوء… حتى توقف فجأة، عيناه اتسعتا، ويداه ارتجفتا بلا وعي، فيما اهتزت هالته حوله لدرجة جعلت الهواء يتشقق.

"لـ… لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا!!!"

قال العجوز ببرود، كأنه يسكب ماءً باردًا على النار:

"بل صحيح يا فتى. إن رايزل يخطط للسيطرة على العالم أجمع بعد تجاوزه حدود الامبراطور السماوي. لقد أصبح لا يُقهر… وقد وضع أول أهدافه السيطرة على باقي القارات. فكما تعلم، قارتنا هذه تُعرف بـ قارة العالم المزدوج، وتضم إمبراطوريتين فقط. أما القارتان الأخريان، قارة التنين و قارة فيريكا، فكل واحدة منهما أكبر من قارتنا بخمس مرات، وتحتوي كل منهما على عشر إمبراطوريات."

تابع العجوز:

"وعلى مرّ السنين كان الاستقرار سائدًا بين القارات الثلاث. لكن هذا الأحمق رايزل يحاول الآن إشعال حرب عظمى للسيطرة على العالم كله… وعلى ما يبدو، فإن نيرفاليس تدعمه أيضًا."

تنهد كايروس وقال:

"اعتقدت دائمًا أن ذلك الاختبار المشترك لم يكن إلا ستارًا لاجتماعهم السري… اللعنة! يريدون تدميرنا فعلًا. قارة صغيرة بإمبراطوريتين فقط… تفكر في محاربة قارتين كاملتين؟! لقد كنت دائمًا أخاف من رايزل… فإذا امتلك مثل هذه القوة فلن يُفكر في العواقب أبدًا."

سأله العجوز:

"حسنًا يا فتى… كيف ستتعامل مع الأمر؟"

أجاب كايروس بعزم:

"أعتقد أن عليّ أن أوقف خطوتي القادمة وأركز على التدريب لفترة… هل أرسلت جواسيس للقارتين؟"

ابتسم العجوز بثقة:

"بالطبع… جواسيسي موجودون في كل بقاع هذا العالم. لا تقلق… سأخبرك فورًا إذا حدث أي أمر طارئ، عبر هذا اليشم."

أخذ كايروس قطعة اليشم وقال:

"حسنًا أيها العجوز… عليّ الذهاب الآن، وبعدها سأقرر إن كان عليّ الاستمرار في خطتي أم لا. وداعًا."

قال العجوز بصوت مملوء بالنصيحة:

"رافقتك السلامة يا فتى… ولا تتسرع في اتخاذ قرارك. فأنت ما زلت ضعيفًا جدًا لمجابهة رايزل."

أومأ كايروس برأسه، ثم فتح بوابة أرجوانية عبر عينه… وغادر.

2025/09/05 · 5 مشاهدة · 580 كلمة
نادي الروايات - 2025