جلس الجميع حول جسد الفتاة المغمى عليها، التوتر يملأ المكان، والقلوب تخفق بقلق شديد. كان أخوها يصرخ بلا توقف، يهز كتفيها بيديه المرتجفتين:
"أختي! استيقظي! لا تتركيني وحدي!"
اقترب بايلي بخطوات ثابتة، وضع يده على كتف التوأم بهدوء وقال بصوت مطمئن:
"اهدأ… إنها لم تمت. قلبها مازال ينبض، ونَفَسها مستمر. فقط فقدت وعيها بعد أن أفرغت كل طاقتها."
رفع التوأم رأسه بسرعة، عيناه مغرورقتان بالدموع:
"حقاً…؟ هل تقول الحقيقة؟"
ابتسم بايلي ابتسامة صغيرة، وحاول أن يخفي ارتجاف صوته:
"أنا لا أمزح في مثل هذه الأمور… إنها قوية أكثر مما تتصور."
تنفس الفتى الصعداء، لكنه ظل ممسكاً بيدها وكأنها كنزه الوحيد.
في تلك اللحظة، تحرك كايروس ببطء. فتح عينيه بهدوء، جلس مستنداً على ساعده، وعيناه تتأملان الفتاة الملقاة.
قال بصوت منخفض لكنه حازم:
"السبب في نجاتي هو جسدها… إنها لا تحمل جسداً عادياً، بل جسداً أسطورياً يندر وجوده في هذا العالم. الجسد الذي يستطيع جذب طاقة السماء والأرض نفسها…"
لكن قبل أن يكمل، قاطعته فجأة ميرا وهي ترتمي على صدره، تبكي بحرقة:
"اخرس! هذا ليس وقت الشرح! كدت تموت أمام عيني، ألا تفكر بنا؟! ألا تفكر بنا نحن الذين… لا نستطيع تحمل فقدانك؟!"
لم تمهلها أليسيا فرصة، هي الأخرى ارتمت بجانبه، وأجهشت بالبكاء، رأسها على كتفه:
"أنت أحمق! لماذا… لماذا دائماً تعذبنا؟! لماذا تجعلنا نخاف هكذا؟!"
ظل كايروس صامتاً للحظة، عيناه تتسعان قليلاً وهو يشعر بحرارة دموعهما تخترق قلبه.
شعور غريب تسلل داخله، لم يعرفه من قبل… خليط من الحنان، الألم، والراحة.
ابتسم بخفة، ثم رفع يده ببطء، ووضع كفه على رأسيهما، يربت عليهما بحنان لم يعهده أحد منه من قبل.
"كفى بكاء… أنا هنا، ولن أرحل. أعدكما بذلك."
لكن دموع الفتاتين لم تتوقف. كانتا تبكيان وكأن دموعهما وحدها قادرة على مسح الألم الذي خلفه سقوطه قبل قليل.
قالت ميرا وهي تغطي وجهها بين يديه:
"أنت أقوى شخص عرفته، ومع ذلك كدت تفقد حياتك… نجاتك بحد ذاتها معجزة!"
وأضافت أليسيا بصوت مرتجف:
"إذا كررت فعلتك الحمقاء مرة أخرى… لن نسامحك أبداً."
ضحك كايروس بهدوء، رغم الألم في جسده، لكنه شعر بدفء حقيقي لأول مرة منذ زمن بعيد.
"إذن علي أن أكون أكثر حذراً… لأن غضبكما قد يكون أخطر من أي عدو واجهته."
في تلك اللحظة، تنفس الجميع بارتياح. عبيد شادو، عبيد بايلي، والستة الباقون من عبيد كايروس… جميعهم شعروا أن المعركة انتهت أخيراً، رغم خسائرهم الثقيلة.
وقف شادو على مقربة، عيناه تراقبان كايروس بصمت، لكن ملامحه هدأت قليلاً، وكأنه استعاد شيئاً من الطمأنينة.
أما بايلي، فابتسم لأول مرة منذ ساعات وقال:
"لقد نجونا… ولو بثمن غالٍ."
سقطت نظرات الجميع على العبيد الذين فقدوا حياتهم في القتال.
كان الصمت ثقيلًا للحظة، ثم تمتم أحد العبيد الناجين بصوت حزين:
"ضحوا بحياتهم من أجلنا… لن ننسى فضلهم أبداً."
رفع كايروس رأسه، عيناه مشتعلة بالتصميم، رغم الحنان الذي أحاطه قبل لحظات:
"دماؤهم لن تذهب سدى… هذه ليست النهاية، بل بداية طريق جديد."
اقترب أخو الفتاة من كايروس، مازال ممسكاً بيد أخته:
"سيدي… أشكرك… لولاك لما نجت هي أيضاً."
نظر إليه كايروس ببرود ممزوج بالعطف:
"احفظها جيداً… فهي ليست مجرد أختك، إنها مفتاح سيتغير به العالم."
ساد الصمت من جديد، لكن هذه المرة لم يكن صمت خوف أو حزن، بل صمت يحمل شعوراً بالرهبة واليقين أن ما ينتظرهم أعظم بكثير مما مضى.
ابتسم كايروس أخيراً، وهو يمسح دموع ميرا وأليسيا:
"يكفي بكاء… نحن أقوى مما تظنون. والرحلة الحقيقية تبدأ الآن."