فصل استراحة "فصل جانبي "
المراهق الطائش
في الوقت الذي من المفترض فيه ان يتواجد تلاميذ المدرسة الإعدادية في الدوام المدرسي تجمع اربعة مراهقون يافعون في غرفة العاب الفيديو ويتنافسون مع رجال اخرين كان الأربعة قد احتلوا الصالة الألعاب هذه وكأنها وكر لهم او قاعدة لهم ومن ترأس الامر هو زعيم هذه العصابة الصغيرة وهو طفل عمره ثلاثة عشرة سنه واطول من اقرانه بشعر اسود طويل قليلا واقراط في اذانه وملابس عصيريه وملونة واساور في يديه وساعة باهظة الثمن من احدى الشركات الراقية وقلادة من الذهب في عنقه ومجموعة من الخواتم الجميلة.
مظهره جميل وفي نفس الوقت خطير؛ من الواضح انه ينتمى لعائلة كبيرة ولم يكن رفاقه مختلفين عنه وكان أكثرهم بروزا هو الطفل الروسي الأشقر الجميل بالعيون الزرقاء بعمر أربعة عشرة سنه ويملك شكلا لطيفاً وجميلاً مثل الدمية وقصير قليلا مقارنة بقائد المجموعة والطفل الأوسط بينهم الذي يمتلك جراحا واضحة في وجهه مما يعطي له طابعا مخيفا بعيدا كل البعد عن اللطافة ومع ذلك امتلك ملامح لطيفة بشعر ابيض وعيون سوداء والطفل الصغير معهم الخجول البالغ من العمر 10 سنوات بشعر طويل يصل الى اكتافه لونه اسود وعيون بنيه، لطيف الملامح وخجول.
كان مزيجهم غريبا ولكنه جميل والتناقض الذي بينهم في البنية والشكل كان ملفتا للنظر ومع ذلك ارتدو نفس نوع الملابس العصرية والحديثة والجميلة التي تميزت بألوانها الملفتة للنظر وكونها واسعة ومن اجود الخامات تلك السترات الواسعة والفظاظة المليئة بالرسومات والقمصان الحريرية الواسعة والسراويل الجينز بطابع الواسع والمريح واحذية رياضية مثل احذية لاعبي كرة السلة ومن علامات تجارية معروفة وباهظة الثمن.
لقد كان هذا الثلاثي ملفت للنظر بشكل عجيب ومن المعتاد وجودهم هنا فقد احتلوا صالة الألعاب لمدة شهر حتى الان، لدى أصبح تواجدهم هنا بدل المدرسة امرا طبيعيا بالنسبة للناس.
في الصالة، كانت الأجواء مشحونة بالحماس والتوتر، الأربعة المراهقون اليافعون يسيطرون على المكان، ضحكاتهم العالية وتعليقاتهم اللاذعة تملأ الجو. لم يكن المراهق اليافع الذي سيطر على المكان كقائد له سوى هوشي، ذو الثلاثة عشر عامًا، وجلس بفخر على كرسيه، عيونه تلمع بتحدٍ فيما يتنافس في لعبة قتالية شهيرة. بجانبه، مارك الروسي الجميل، عينيه الزرقاوين تركزان على الشاشة بحدة، بينما هاتوري ذو الجروح المخيفة على وجهه فيجلس بجانبهم بهدوء، ملامحه الجادة لا تعكس أي تفاعل مع الصخب من حوله. جين الخجول يتابع بصمت، مستمتع بالأجواء لكنه يظل بعيدًا عن الأضواء.
وسط التفاعل والحماس وصخب اللعب في الصالة فجأة دخلت مجموعة من شباب المدرسة الثانوية إلى الصالة، وجوههم تعكس التحدي. كان عددهم يفوق عدد الأطفال، ونظراتهم مليئة بالاحتقار. أحدهم، ضخم البنية وذو شعر بني قصير، نظر لهوشي باحتقار فقد كان هوشي من طرده من ارضه في المرة السابقة قبل شهر تنافس وحده مع هوشي وخسر لدى قرر هذا المراهق ذو الشعر البني الانتقام لخسارته السابقة، وهكذا احضر رفاقه وبعد تدرب لفتره طويله تقدم نحو هوشي، قائلاً بتحدٍ: "هل تظن أنكم تستطيعون الفوز علينا هذه المرة والاستمرار بالسيطرة على ارضنا؟"
ابتسم هوشي بسخرية وأجاب: "هل ترغب في تحدينا؟ " كان واضح من نظرات هوشي انه يسخر منه ولا يعتبر فيه خصم له كان هوشي واثقا من نفسه ومن قوة رفاقه سواء في ألعاب الفيديو او في القتال الفعلي وكان يعلم انه لن يخسر ابدا.
بدأت المباراة بحماس كبير، التنافس بين المجموعتين كان شرسًا. أيديهم تتحرك بسرعة على أذرع التحكم، وأصوات الأزرار المضغوطة تتناغم مع صوت اللعبة المرتفع. تجمعت حشود من الشباب حولهم، يهتفون ويشجعون. البعض كان يراهن على هوشي وفرقته، والبعض الآخر يراهن على شباب الثانوية.
الجمهور يهتف ويصيح، كلما استطاع أحد اللاعبين توجيه ضربة قاضية أو تحقيق نقطة حاسمة. "لقد فاز! لقد فاز!"، "لا أصدق! كيف فعل ذلك؟" كانت التعليقات تتطاير من كل اتجاه. البعض كان يراهن بالمال، وآخرون يراهنون بالعتاد الخاص بهم في الألعاب.
استمر التحدي لفترة، وكلما طالت المباراة، زاد الحماس والتوتر. وكان هوشي يقاتل بضراوة، وجهه يعكس التركيز الشديد، وجين كان يستعرض مهاراته بحركات دقيقة وسريعة، بينما مارك كان يتصرف بهدوء وجدية، يراقب بعناية كل حركة للخصوم ويعطي النصائح لهوشي، اما هاتوري فكان واقف يراقب جين بتعبير جاد على وجهه.
وبدأت المباراة الأولى بحماس منقطع النظير. هوشي اختار شخصية مقاتل شرس ذو قدرات هجومية قوية، بينما خصمه من الثانوية اختار شخصية دفاعية بمهارات خاصة. بدأ التحدي، وبدأت الجماهير تهتف وتشجع. "هيا أيها القائد الصغير! أظهر لهم مهارتك!"، "أنت تستطيع الفوز عليهم!" الناس التي كانت تشجع هوشي جميعهم كانوا معجبين بمهاراته في اللعب واعتادوا على فوزه مع رفاقه لدى كانوا واثقون بفوزه وراهنوا عليه.
كانت الجولة متكافئة، تبادل الفريقان الضربات والهجمات، والجمهور كان يترقب كل حركة بتركيز.
مارك، الجالس بجانب هوشي، كان يقدم له بعض النصائح، "استخدم الهجوم الجوي الآن، سيخفق في الدفاع عنه."
في البداية لم يكن الفارق بينهم كبير ولكن مع بداية الجولة الثانية، تغيرت الأمور. هوشي بدأ يستغل نقاط ضعف خصمه، وبدأ في توجيه هجمات قوية ومتتالية. الجماهير ازدادت حماسة، وبدأت المراهنات تتصاعد. "أراهن على القائد الصغير بمئة دولار!"، "لا، لا، فريق الثانوية سيفوز، انظر إلى تلك الضربة!" صاح الجماهير مراهنين على اللاعبين.
كان جين يلعب بمهارة عالية، ايديه الصغيرة تتحرك بخفه يهاجم خصمه من زوايا غير متوقعة، ويحقق النقاط. وفي تلك الاثناء كان هاتوري يراقب بصمت، ملامحه الجادة توحي بأنه يخطط لشيء تم قال "جين، يجب أن تهاجم الآن، لقد استهلك خصمك معظم طاقته"، مع نهاية الجولة الثانية، فازت عصابة هوشي فوزا ساحقا، وبدأ التوتر يتصاعد.
واستمر اللعب لمدة من الوقت واكتر من جولة ولكن لم يحالف الحظ فريق الثانوية حيث استمروا بالخسارة وراء خسارة وكل خسارة كانت اكتر مرارتا من التي قبلها ومع زيادة عدد المباريات ومرور الساعات أصبح من الواضح للجميع تفوق وقوة فريق القائد الصغير هوشي فازداد غضب واحباط طلاب الثانوية وقال أحدهم بصوت عالٍ وصارخ. "هذا ليس عدلاً، أنتم تغشون!، لقطاء لعينون". هوشي لم يتحمل الإهانة، وخاصتا نعته باللقيط فهو لم يكن لقيطا ولا رفاقه ورد قائلا " أيها الوغد اللعين! هذا كلام لا يقولوه الا الجبناء الخاسرون" نظر لهم هوشي بنظرة مستفزه وسخر منهم مما أثار غضب طلاب الثانوية وقام قائدهم برمي لوحة التحكم على هوشي معلنا بها بداية القتال، تفاد هوشي لوح التحكم الطائر نحوه وقفز عائداً ليوجه ضربة للفتى الضخم. تبادلوا النظرات المليئة بالغضب، ثم بدأ العراك بينهم بجدية.
الجمهور كان في حالة من الفوضى، البعض كان يحاول الهرب، بينما آخرون كانوا يصيحون ويشجعون القتال. "انظر، سيحصل عراك حقيقي الآن!"، "هل تراهن على من سيفوز؟" بدأ القتال الجسدي بشكل عنيف واتار الرعب في نفوس بعض الزبائن والمشاهدين مما دفعهم للهروب بينما كان القتال شيء مسلي لبعض الاخر من الجمهور المتواجدين في صالة الألعاب، كان رؤية الأطفال الشباب وهم يتشاجرون يعطيهم نوعا من السعادة والاثارة ويروي عطش نفوسهم المريضة، ووجدوه امرا جديدا واكتر متعه للرهان عليه.
وسط الفوضى التي تعم المكان، كانت الأصوات ترتفع تدريجياً، صرخات وتشجيعات وتوجيهات تتطاير في الأجواء. بعض الشباب كانوا يتراجعون ببطء، يحاولون الهرب من الموقف المتصاعد، لكن الغالبية كانوا متحمسين للقتال بشكل مقرف.
كان هوشي في قلب المعركة، يتحرك بخفة، يتجنب الضربات ويوجه لكمات دقيقة نحو الفتى الضخم. حاول الضخم إمساك هوشي، لكن الأخير كان سريعاً، ينحرف بسرعة ويهاجم من زوايا غير متوقعة. كل لكمة يوجهها هوشي كانت تضيف مزيداً من الغضب في عيون خصمه، الذي بدأ يفقد توازنه تدريجياً.
استعرض مارك مهاراته في القتال، كل حركة كانت محسوبة بدقة. تجنب ضربة قوية من خصمه الطويل، ثم قفز في الهواء موجهاً ركلة جانبية إلى صدره، مما أسقطه أرضاً. "هل تعتقدون أنكم تستطيعون هزيمتنا؟" قال مارك ببرود، وهو يستعد للضربة التالية.
في مكان آخر من صالة الالعاب، كان هاتوري يواجه خصمين في آن واحد. كل حركة كانت مدروسة، ضرباته كانت سريعة وقوية. استطاع إسقاط أحدهم بضربة قوية في وجهه، بينما تجنب ضربة الآخر بانحناء خفيف، ثم رد عليه بلكمة قوية في بطنه. هاتوري لم يكن يتحدث، لكن نظراته كانت تعبر عن تصميمه وشجاعته.
أما جين، فقد كان يراقب الوضع بعينين متسعتين، محاولاً البقاء بعيداً عن الخطر. وعندما حاول أحد شباب الثانوية مهاجمته، تدخل هاتوري بسرعة، وجه لكمة قوية للمهاجم وأسقطه أرضاً. "هل أنت بخير، جين؟" سأل هاتوري بصوت هادئ. "نعم، شكراً لك، هاتوري" رد جين بصوت مرتجف لكنه مليء بالامتنان.
لم يكن حين يجيد القتال حقا، كان فقط يجيد التخطيط ولديه بعض المهارات الأخرى ولكنها بعيدة كل البعد عن القتال لدى اعتاد هاتوري على حمايته في كل مرة وكل من هوشي ومارك وهاتوري كانوا قد اعتادوا على القتال والشجار الدائم وخاصة في السنوات الأخيرة حيث كانت متعهم وتسليهم الوحيدة هي القتال، ربما لكي يثبتون أنفسهم او للفت الانتباه، السبب الحقيقي لتصرفهم الطائش وحبهم للقتال لم يكن معروفا حقا ولكن المهم انهم كانوا يجيدون القتال ولن يهزموا بسهولة ضد أي خصم ومهما كان عددهم او عمرهم، لقد كانوا واثقين من أنفسهم ولديهم كبرياء وغرور لم يسمح لهم بالهرب او الهزيمة في أي معركة.
بدأت حشود من المتفرجين في الصالة تشجع بقوة، البعض يهتف لهوشي والبعض الآخر لمارك وهاتوري. "هيا أيها القائد الصغير! أظهر لهم قوتك!"، "أيها الروسي، لا تستسلم!"، "هاتوري، أنت البطل!" كانت التعليقات تتطاير من كل اتجاه.
الفوضى بدأت تتصاعد، وكلما استمر القتال، زاد العنف والشراسة. هوشي كان يشعر بأن الوضع قد خرج عن السيطرة، لكنه لم يكن مستعداً للتراجع. وجه لكمة قوية نحو الفتى الضخم، الذي سقط أرضاً متألماً. وفي هذه اللحظة شعر هوشي بيد قوية تمسك بكتفه. التفت بسرعة ليرى أحد شباب الثانوية الآخر يحاول مهاجمته، لكنه تراجع بسرعة وضرب المهاجم بلكمة قوية في فكه، أسقطته أرضاً بلا حراك وتناثرت دمائه في كل مكان، امتلئ وجه هوشي بالدماء المتناثر من شباب الثانوية، ما تستطيع ان تراه امامك هو وجه مخيف لطفل في عمر الثلاثة عشرة عاما ملطخ بالدماء حيت غطت الدماء وزينت بشرته القمحية بلونها الأحمر وعيونه الحادة السوداء جعلت من المنظر اكتر رعبا والغريب في الامر انه على غرار خصومة لم يصب باي خدش، لم يكن هوشي وحده المرعب ولكن أيضا كل من مارك وهاتوري لم يختلفوا عنه.
وفي الوقت الذي وقف فيه هوشي ليمسح الدماء عن وجهه كان مارك يواجه خصماً آخر، الصراع بينهما كان محتدماً. كل ضربة تلقاها مارك رد عليها بضربة أقوى. في اللحظة الحاسمة، تمكن مارك من توجيه ركلة قوية إلى وجه خصمه، مما أسقطه أرضاً وأفقده الوعي.
هاتوري، برغم هدوئه المعتاد، كان يتحرك بسرعة ورشاقة بين خصميه، يتجنب الضربات ويرد عليهم بلكمات قوية ودقيقة. أحد خصميه حاول الهجوم من الخلف، لكن هاتوري استدار بسرعة وضربه بكوعه في وجهه، مما أسقطه أرضاً. الخصم الآخر تردد للحظة، مما أعطى هاتوري فرصة لتوجيه ضربة قوية إلى بطنه، جعلته ينحني متألماً.
بينما كان القتال مستمراً، كانت الأنظار تتجه نحو جين، الذي كان يحاول الدفاع عن نفسه ضد مهاجم آخر. كانت حركاته خجولة وغير متقنة، لكن عينيه كانتا تعكسان الشجاعة والإصرار. تدخل هاتوري مرة أخرى، وأسقط المهاجم بضربة قوية على ركبته.
الأثاث كان يتطاير في كل مكان، والكراسي والطاولات تتحطم تحت وطأة القتال العنيف. الصوت المرتفع لأذرع التحكم المتحطمة والموسيقى الصاخبة لألعاب الفيديو تضيف إلى الفوضى سنفونية حماسية ومرعبة مع صوت الضحك والصراخ. الشباب المتفرجون كانوا يصرخون ويشجعون، بعضهم كان يحاول تصوير المشهد بهواتفهم، والآخرون كانوا يصرخون بتعليقات مليئة بالإثارة.
"هذا لا يصدق! انظر إلى تلك الحركة!"، "يا إلهي، لم أرَ قتالاً مثل هذا من قبل!"، "هل تراهن أن هوشي سيفوز؟" كان الجميع مستمتعاً بالمشهد، حتى أولئك الذين كانوا يشعرون بالخوف لم يستطيعوا منع أنفسهم من مشاهدة القتال وتصويره، هناك من استغل الفرصة لبت القتال على قناته او فتح عرض مباشر في حسابه او نشر القتال على أحد منصات التواصل الاجتماعي، لأنك لن تجد قتالا حماسيا ومثيرا للاهتمام متل هذا كل يوم، حيت يتغلب أطفال الإعدادية على مراهقي الثانوية.
استمر القتال وزادت حدته مع مرور الوقت ولكن عدد الواقفين من طلاب الثانوية نقص بشكل ملحوظ كان من الواضح ان الجميع فقد قواهم ولم يعد لديهم القدرة على القتال وفي اللحظة الحاسمة، تمكن هوشي من إسقاط آخر خصم له بضربة قوية إلى صدره، مما جعله يتراجع متألماً. وقف هوشي متنهداً، ينظر إلى خصومه الملقون على الأرض. تم ابتسم ابتسامه مخيفه وشخر قائلا "لقد انتهينا هنا،" كان صوته حازما ومخيفا ولم تكن تعابير وجهه او ملامحه المصبوغة بالدماء اقل اخافه، لكن نظراته كانت تعكس شيئاً اخر لقد كانت تعكس شعوراً عميقا شعوراً بالانتصار والارتياح والسعادة.
لكن في تلك اللحظة، وقبل أن يستطيع أحد التحرك، وقبل حتى ان يستمتعوا بنشوه الانتصار سمع الجميع صوت صفارات الشرطة، حيث انتشر صوتها في كل ارجاء المكان ولم يعد من الممكن السماع جيدا. كان صوت الصفارات عاليا ومخيفا جعل من الجميع يتوتر وبدأ رجال الشرطة بالدخول إلى الصالة بسرعة، محاولين السيطرة على الوضع. أصوات الصراخ والأثاث المتحطم تراجعت تدريجياً، وحلت محلها أوامر الشرطة القوية والمليئة بالتحذير ممزوجة بصوت القوي لصفارات سيارات الشرطة.
"قفوا مكانكم! لا أحد يتحرك!"، "ارفعوا أيديكم في الهواء!"، "ابتعدوا عن بعضكم البعض!" كانت الأوامر تتطاير في كل اتجاه، والشرطة بدأت في اعتقال الجميع دون استثناء.
بينما كان يتم اقتيادهم إلى سيارات الشرطة، كان الجو مليئًا بالتوتر. أنوار الشرطة تومض في كل مكان، وأصوات الصراخ والأوامر تعم الأجواء. حاول هوشي التملص، لكن قبضة الشرطي كانت قوية وثابتة. شعر بوخز الأصفاد حول معصميه، وأحس ببرودة الحديد تخترق جلده. بجانبه، كان مارك يحاول تهدئة نفسه، لكن نظراته كانت مليئة بالغضب والإصرار، لم تكن اول مرة يمرون بهذا الموقف، لقد كان لديهم ايمان عميق انهم سيخرجون منها مثل كل مرة بسهولة ودون عقاب.
تم اقتياد هوشي ورفاقه لسيارة اعتقال أخرى تابعة لرجال الشرطة غير التي تم اعتقال الاخرين فيها، السبب الأساسي ان رجال الشرطة تعرفوا على هوشي وكونه ينتمي لعائلة يامازاكي وأيضا لأنه ليس من الأمان وضع هذه الوحوش الصغير مع الاخرين الذين كانوا مصابين ، ولقد كان رجال الشرطة قلقين على سلامة الشباب الاخرين الذين نجو من الإصابة بإصابات خطيرة، عندما دخل رجال الشرطة لصالة الألعاب ورأوا هوشي وجماعته عرفوا انه بدل ان يتم نقل الجميع لسيارات الاعتقال فسيتم نقلهم لسيارة الإسعاف بسبب الإصابات التي تعرضوا لها، وهذا هو الذي حدت، اكتر من نصف شباب الثانوية أصيبوا بإصابات خطيرة او انهم فاقدي الوعي.
داخل سيارة الاعتقال كان الجو مشحونًا بالتوتر حيث كان الرباعي جالس مع اثنين من رجال الشرطة جلست المجموعة بصمت تام لم يتكلم أي منهم انما تبادلوا النظرات فيما بنهم فقط، ضل هوشي ينظر في الفراغ ويفكر بعمق لا أحد يعرف بما يفكر، وصلوا إلى مركز الشرطة، وتم اقتيادهم إلى الداخل. كان المبنى كبيرًا ومضيئًا بشكل ساطع، لقد كان مكانا معروفا ومألوفا لهم.
داخل المركز، كانت الأجواء أكثر هدوءًا، لكن التوتر كان واضحًا في الهواء. تم وضعهم في غرفة انتظار صغيرة، وأمروا بالجلوس.
مرت لحظات من الصمت، ثم دخل ضابط شرطة طويل القامة إلى الغرفة. كان يبدو صارمًا وجادًا، وكانت عيناه تلمعان بحدة. "ما الذي كنتم تفعلونه هناك؟ أليس من المفترض ان تكونوا في المدرسة الان؟" سأل بنبرة حادة.
قبل أن يبدأ هوشي بالحديث، قاطعه الضابط قائلاً: "لا داعي لأن أسمع القصة من جديد، هوشي. هذه ليست المرة الأولى التي تدخل فيها الى هنا خلال هذا الشهر." تنهد الضابط تم أكمل قائلا "هل تعتقدون أنكم في مأمن بسبب أسمائكم وعائلاتكم؟" في تلك اللحظة، دخل رئيس مكتب الشرطة، السيد كوباياشي، إلى الغرفة.
كان وجهه متجهمًا وعيناه مليئتان بالإحباط. "ما الذي فعلته هذه المرة، هوشي؟" سأل بنبرة مشوهة بالغضب والاستياء. "لقد حاولت التستر عليك في المرات السابقة، لكن الأمور تخرج عن السيطرة الآن." هوشي حاول الدفاع عن نفسه، "سيد كوباياشي، نحن لم نبدأ الشجار، هم من بذءوا أولا، لقد سبوا شرفنا، ولم يكن لدينا خيار سوى الدفاع عن أنفسنا وعن شرفنا."
السيد كوباياشي تنهد بعمق، ثم قال: "لقد سمعت هذا العذر من قبل. لكن هذا لا يغير من حقيقة أنك تتورط في المشاكل بشكل مستمر. لا يمكنني التستر عليك هذه المرة، خاصة مع تزايد العنف."
التفت السيد كوباياشي إلى الضابط وقال: "خذهم إلى الى الزنزانة المؤقتة، وانقل هوشي الى المحقق توقاي." ثم أضاف بنبرة حازمة: "هذه المرة، سنجعلهم يدركون عواقب أفعالهم." تم نقل الجميع باستثناء هوشي الى الزنزانة واما بالنسبة لهوشي فتم نقله لغرفة التحقيق حيث أراد السيد كوباياشي ان يخيف هوشي ويجعله يشعر ان الامر جدي وانه سيعاقب على افعاله.
داخل غرفة التحقيق، جلس هوشي على كرسي بارد، محاطًا بأضواء ساطعة الغرفة لم تكن نظيفة جدا ولم تكن مريحة ولا يوجد بها نوافذ ومساحتها صغيرة، جل ما احتوته كان عبارة عن كرسين معدنين فقط، الكرسين كان متقابلين، كان هوشي جالس على احداها وحده وبعد بضع ثواني دخل المحقق توقاي، يحمل ملفًا سميكًا، وجلس أمامه. "أنت هوشي، أليس كذلك؟" سأل المحقق بنبرة هادئة لكنها حادة. "ما الذي كنت تفعله في تلك الصالة؟"
هوشي لم يتفوه بكلمة، واكتفى بالنظر إلى المحقق بعيون يملؤها التحدي والعناد، كانت نظراته باردة كالجليد، تخترق المحقق كأنها سهم حاد. عيناه السوداويتين لم تعكسا أي مشاعر، بل كانتا مثل حجاب كثيف يخفي وراءه الكثير من الأسرار والتمرد. صمته كان أكثر تعبيرًا من أي كلمات.
المحقق لاحظ تلك النظرات، وشعر بالبرودة تسري في أوصاله. قال بنبرة أكثر حدة: "نعرف من تكون ومن تكون عائلتك، ولكن هذا لا يمنحك الحق في إثارة الفوضى. هذه المرة، لن تكون الأمور بهذه السهولة."
هوشي حافظ على صمته، وعيناه لم تفارقا عيني المحقق. أخيرًا، تمتم بكلمتين فقط: "لا تعليق."
تعمق المحقق في دراسة هوشي، محاولاً قراءة ما وراء ذلك الحجاب العميق. لكنه شعر بأن كل محاولاته كانت تذهب سدى، فقرر التوجه مباشرة إلى جوهر الموضوع.
"أتعلم، يا هوشي، هذه ليست المرة الأولى التي نجدك فيها هنا، وهذا يجعل الأمور أصعب بالنسبة لك! لذى لن تمر الأمور بخير ان لم تتكلم وتظهر نذمك على افعالك! هل تحسب عملنا مزحة!"
طوال الوقت الذي مر فيه التحقيق، كان هوشي يدرك أن صمته وتحديه سيجعل الأمور أكثر تعقيدًا، لكنه كان مصممًا على عدم الاعتراف بشيء وعلى عدم اظهار الندم او الضعف.
المحقق تنهد بعمق، ووضع الملف على الطاولة أمامه. "حسنًا، إذا كنت تفضل الصمت، سنرى ما يمكننا فعله." قال بنبرة مليئة بالتحدي. "سنعيدك إلى زنزانتك الآن، وربما عندما تقضي بعض الوقت في التفكير، ستغير رأيك."
وثم اخدوه إلى زنزانة صغيرة وباردة، حيث كان ينتظره باقي أفراد مجموعته. كانت الغرفة مليئة بالصمت والقلق، وكل واحد منهم كان غارقًا في أفكاره. جين كان يجلس في زاوية الزنزانة، يحدق في الجدار بعيون مليئة بالقلق والخوف. اما هاتوري كان يمشي ذهابًا وإيابًا، لا يستطيع البقاء في مكان واحد لفترة طويلة. ومارك كان جالسًا بهدوء، لكن وجهه كان مليئًا بالغضب والتحدي.
دخل هوشي إلى الزنزانة، وجلس بهدوء بجانب مارك. لم يكن هناك حاجة للكلمات، فقد كانت النظرات كافية لتبادل الشعور بالتضامن والقوة بينهم. لكنهم كانوا يعرفون أن الأمور ليست بهذه السهولة، وأنهم في مأزق حقيقي.
بعد مرور بعض الوقت، جاء ضابط آخر ليأخذ مارك إلى غرفة التحقيق. تبادل مارك نظرة سريعة مع هوشي، وقال بصوت منخفض: "ابقَ قوياً، سنجتاز هذا معًا."
جلس هوشي في زنزانته، يفكر في الخطوة التالية. كان يعلم أن هناك من يتربص به، وأن عليه أن يكون حذرًا. لكنه كان مصممًا على البقاء صامدًا مهما كانت الظروف.
بعد فترة، عاد مارك إلى الزنزانة، وكان يبدو عليه الإرهاق والغضب. "حاولوا إخافتي، لكنني لم أقل شيئًا. علينا أن نكون متماسكين."
أومأ هوشي برأسه، وعيناه تلمعان بتصميم جديد. "سنظل صامدين. لن نسمح لهم بكسرنا."
بعد انتهاء التحقيق، كانوا جميعًا يشعرون بالقلق، لكنهم كانوا يعرفون أن الصمت هو أفضل استراتيجية في هذا الموقف لدى قرروا البقاء على حالهم.
بينما كان هوشي وأصدقاؤه ينتظرون بقلق في غرفة الانتظار الباردة، كانت الأنفاس ثقيلة والتوتر يتزايد مع كل لحظة واستمروا في البقاء داخل تلك الزنزانة الباردة لساعات وساعات حتى اختفى النور من السماء وحل محله الظلام ليعلن نهاية اليوم، بقائهم لهذا الوقت الطويل داخل الزنزانة لم يكن امرا مألوفا لهم فعادتا لا يبقون في غرفة الاعتقال حتى ساعة واحدة. وفجأة وعندما بدأ الجميع بتوتر، سمع هوشي صوت خطوات تقترب ببطء وثبات. رفع رأسه ليرى من القادم.
عندما فتح الباب، دخلت امرأة ذات جمال أخاذ. شعرها الأسود الطويل ينساب كأمواج الليل الحالكة، وعيونها الحمراء اللامعة تشع بحدة وثقة. بشرتها البيضاء الناعمة كانت تتألق كالعاج المصقول، وشفاهها الحمراء كانت كزهرة قرمزية في حقل ثلجي. جسدها الرشيق والنحيف أضفى عليها مظهرًا أشبه بملاك نزل من السماء، أو كائن أسطوري يسرد عنه الشعراء في أساطيرهم. كانت طويلة ورشيقة كعارضة أزياء، لكن هناك شيءٌ في نظرتها الثاقبة وحضورها القوي يجعل من الصعب التصديق أنها تنتمي لعالم الياكوزا، أو أنها تستطيع قتل أو ضرب أي شخص يتجرأ على تحديها بدم بارد.
بجانبها، دخل رجل طويل ذو ملامح مهيبة ووجه يشع باللطف والحنان. عيناه البنيتان العسليتان كانتا تعكسان دفئًا وثقة، وشعره الأسود المرتب بعناية تخللته خصلات بيضاء أضافت إليه هالة من الوقار والحكمة. كان يرتدي ملابس رسمية أنيقة، وأصابعه كانت مزينة بمجموعة من الخواتم اللامعة التي كانت تضفي على مظهره لمسة من الفخامة. بنيته القوية كانت واضحة، ولحيته الخفيفة التي ظهرت بسبب عدم الحلاقة أضافت لمسة من الرجولة الخشنة إلى مظهره المتكامل.
شعر هوشي بمزيج من التحدي والاحترام وهو ينظر إليهما. هذان الشخصان هما من توليا تربيته وتربية أصدقائه الثلاثة. كانوا هم الحصن الذي يحميهم والعقاب الذي ينتظرهم عند الخطأ. كانوا هم من يحلون المشاكل، وخاصة مشاكله هو، لأن والده كان دائم السفر والانشغال.
عندما التقت نظرات هوشي بنظرات المرأة، شعر ببرودة تجتاح قلبه، لكنها كانت برودة مألوفة، كأنها تحمل معه شعورًا بالأمان والتوجيه. أما الرجل، فكان حضوره يبعث في نفسه شيئًا من الطمأنينة الممزوجة بالخوف من المواجهة القادمة.
اقتربت المرأة ببطء، وثبتت عينيها عليه، وقالت بنبرة هادئة لكنها صارمة: "هوشي، لقد تجاوزت الحدود كم مرة هذا الشهر أوقعت نفسك في المشاكل؟".
وقفت ناتسومي أمام المجموعة، عاقدة ذراعيها على صدرها، وبدت كأنها تجسد التوبيخ ذاته. كانت ترتدي بنطال جلد ضيق، وحذاء جلدي طويل، وجاكيت جلدية مفتوحة تكشف عن قميص قصير يظهر جزءًا من بطنها المشدود. تزينت بخاتم خطوبة فضي، مصنوع يدويًا، كان يلمع بأناقة على إصبعها. الخاتم كان مميزًا، من الفضة النقية، صنعه خطيبها بنفسه، ونُقش عليه اسمه بخط أنيق.
نظرت ناتسومي إلى هوشي بعينين حادتين، ثم حولت نظرتها إلى مارك، قائلة بنبرة أكثر حدة: "مارك، أنت الأكبر بينهم، كان يجب أن تكون الأكثر مسؤولية. لقد خيبت ظني." كانت كلماتها كالسياط، تضرب بقوة على أعماقهم.
مارك حاول الرد، لكن نظرة ناتسومي الحادة أخرسته. كانت نظراتها مزيجًا من الغضب والإحباط، كأنها ترى أمامها أحلامًا تحطمت.
هوشي، بدوره، نظر إلى الأرض، محاولًا تجنب نظراتها القاسية. كان يشعر بالذنب والحزن، لكنه أبى أن يعترف بذلك. عينيه العميقتين كانتا تعكسان تمردًا داخليًا، وكأنه يرفض قبول خطأه، رغم أنه يعلم أنه لا مفر من العواقب.
استمرت ناتسومي في معاتبتهم والصياح تم اقتربت من هوشي امسكت بأذنه بقوة وباليد الاخرى اخذت اذن مارك، السبب الذي جعلها تعاقب هوشي ومارك وحدهم لأنهم هم من كانوا يتخذون القرار وقرار هوشي مطلق لا يمكن نقاشه بالنسبة لهم، قرصت اذانهم حتى تحولت للون الأحمر تحمل هوشي ومارك الألم في صمت لم يرغبوا في اظهار ضعفهم.
في تلك اللحظة، تدخل فوكوجيما، الذي كان يقف بجانبها، مرتديًا بذلة رسمية أنيقة تتناسب مع هيئته القوية. كان وجهه يعكس مزيجًا من الهدوء والحزم. كانت أصابعه تزينها خواتم فضية، أحدها خاتم خطوبة مشابه لخاتم ناتسومي، نقش عليه اسمها، صنعه بيده في عيد ميلادها التاسع والعشرين.
قال فوكوجيما بنبرة هادئة لكن حازمة: "يكفي، ناتسومي. هم يعلمون أنهم أخطأوا، دعينا نعطيهم فرصة لتصحيح الأمور." كانت كلماته تحمل ثقل المسؤولية والمسامحة في آن واحد.
ناتسومي تنهدت بعمق وتركت اذانهم، وتراجعت خطوة إلى الخلف، لكن نظراتها لم تفارقهم. "أتمنى أن تدركوا أن هذه الفرصة قد تكون الأخيرة لكم." قالت بصوت مليء بالإصرار.
كان هوشي يشعر بأن ناتسومي وفوكوجيما هما من يديران حياته فعلاً، لكن في قلبه، كان يتمنى لو كان والده هو الذي يقف هنا. كان يرغب في لفت انتباه والده، وإجباره على البقاء بجانبه بدلاً من الهروب الدائم إلى العمل والسفر.
عندما نظرت ناتسومي إلى هوشي، شعرت بشيء من الحزن خلف حدة نظراته. كانت تدرك أن مشاعر هوشي معقدة، وأنه يبحث عن شيء مفقود في حياته، ربما هو اهتمام والده الذي طالما غاب عن مشهده. لكنها كانت تعلم أن عليه أن يتعلم من أخطائه، حتى لو كانت الطريقة صعبة.
قالت بصوت أهدأ، "هوشي، أعلم أن الأمور ليست سهلة عليك، لكن هذا لا يعفيك من تحمل مسؤولية أفعالك. يجب أن تكون أقوى وأكثر حكمة، انت الوريث القادم للعائلة والرئيس الصغير." ثم نظرت إلى مارك وجين وهاتوري، وأكملت، "وهذا ينطبق على الجميع هنا. نحن عائلة، وعلينا أن نحمي بعضنا البعض، لكننا لن نتسامح مع التصرفات غير المسؤولة."
مارك، رغم أنه كان يشعر بالذنب، لم يكن يستطيع إلا أن يحترم ناتسومي وفوكوجيما. كان يعلم أن ما يفعلونه هو لمصلحتهم. جين وهاتوري أيضًا شعرا بنفس الشيء، وكانا مترددين في التعبير عن شعورهما بالندم.
عندما انتهت ناتسومي وفوكوجيما من حديثهما، شعرت ناتسومي بثقل المسؤولية على كتفيها. كانت عيونها الحمراء اللامعة تتلألأ بوميض غامض، يحمل مزيجًا من الغضب والحب غير المشروط. تقدمت بخطوات هادئة نحو الأربعة، وكان الجو في الغرفة مشحونًا، نظراتها كانت حادة كالسيف، تقيّم كل واحد منهم بتمعن.
بيد حازمة، رفعت ناتسومي يدها فجأة، وضربت كل واحد منهم ضربة خفيفة على رأسه. لم تكن الضربات مؤلمة، بل كانت أقرب إلى لمسة تحذير، لكن وقعها النفسي كان أكبر بكثير. كل ضربة كانت تذكرهم بأنهم تجاوزوا الحدود، وأنهم خيبوا آمال من يثق بهم. شعور بالذنب اجتاح قلوبهم، وكأن هذه الضربات كانت بمثابة صفعات على أرواحهم.
"هذا تذكير بأن أفعالكم لها عواقب،" قالت ناتسومي بنبرة مشددة، وكأنها توجه كلامها إلى داخلهم وليس فقط إلى أسماعهم. "ليس فقط بالنسبة لكم، بل لكل من حولكم. هذه المرة سنتجاوز الأمر، ولكن لا أريد أن يتكرر ذلك مرة أخرى." كانت كلماتها تحمل وزنًا ثقيلًا، وكأنها تحفر في أعماقهم وتترك أثرًا لا يُمحى.
ثم استدارت ناتسومي نحو رجال الشرطة، وفي حركة مفاجئة لم تكن متوقعة، انحنت قليلاً كعلامة على الاعتذار. كانت هذه اللحظة تجمع بين الكبرياء والتواضع، وبين القوة والضعف. "نعتذر عن الإزعاج الذي تسببنا به. سنأخذهم معنا الآن وسنتأكد من عدم تكرار هذا الأمر." قالت ذلك بنبرة مليئة بالإخلاص والاحترام. كانت تعرف أن هذه ليست مجرد كلمات فارغة، بل وعد بالمسؤولية والتغيير.
رد ضابط الشرطة الرئيسي بابتسامة هادئة، وكأنه يفهم الضغط الذي كانت تحته. "لا تقلقي، يا سيدة ناتسومي. نحن نثق بأنك ستتعاملين مع الأمر بشكل مناسب." كانت كلماته تعبيرًا عن الاحترام المتبادل، وكأن هناك تفاهمًا غير معلن بينهما.
عندما غادروا مركز الشرطة، كان الهواء البارد يتسلل إلى أجسادهم، لكنه لم يكن كافيًا لإطفاء الشعور بالخجل والندم الذي كانوا يشعرون به. كانت الرحلة إلى المنزل مليئة بالصمت، وصدى الكلمات والإجراءات التي شهدوها للتو يتردد في أذهانهم. كانت ناتسومي وفوكوجيما يتقدمان المسيرة، وكأنهما يحملان عبء العالم على أكتافهما، في حين كان الأربعة يسيرون خلفهم، منكسي الرؤوس، محاولين استيعاب ما حدث.
عند الوصول إلى المنزل، وقفت ناتسومي وفوكوجيما أمامهم، وكأنهما يشكلان حاجزًا بين الماضي والمستقبل. قالت ناتسومي بصوت هادئ لكنه مشحون بالعاطفة: "هذه هي فرصتكما الأخيرة. تذكروا أن العائلة هنا لدعمكم، لكن عليكم أن تكونوا مسؤولين عن أفعالكم." كانت كلماتها تحمل مزيجًا من الحزم والعطف، وكأنها تحاول أن توجههم نحو الطريق الصحيح.
ثم فتحت ناتسومي الباب ودعتهم للدخول. كان المنزل يبدو وكأنه ملاذ آمن، لكنهم كانوا يعرفون أن هذه الليلة ستكون بداية جديدة، وأن عليهم أن يثبتوا أنهم يستحقون الثقة والفرص التي منحت لهم. كان كل واحد منهم يحمل في قلبه مزيجًا من الخوف والأمل، مدركًا أن الخطوة التالية ستكون حاسمة في تحديد مصيرهم. كان عليهم أن يتعلموا من هذه التجربة، وأن يثبتوا أنهم قادرون على التغيير، وأنهم ليسوا مجرد عالة على من يحبونهم.
بعد دخولهم المنزل، استقبلتهم أجواء دافئة ومألوفة. كان هناك شيء مريح في ضوء المصابيح الخافتة ورائحة العطر الخفيف الذي ملأ المكان. وقف الأربعة أمام ناتسومي وفوكوجيما، وكأنهم ينتظرون الحكم النهائي. كان التوتر لا يزال يخيم على الأجواء، لكن ناتسومي قررت أن الوقت قد حان لتخفيف هذا الضغط.
"اجلسوا،" قالت بصوت ناعم، مشيرة إلى الأرائك في الصالة الواسعة. جلس الجميع بصمت، ومن ثم بدأ فوكوجيما بالحديث، بنبرة أقل صرامة مما كانوا يتوقعون.
"أعلم أنكم شباب وتريدون استكشاف الحياة،" قال وهو ينظر إلى كل واحد منهم بعينيه الدافئتين. "لكن هناك طرق آمنة وطرق خطيرة لذلك. نحن هنا لنرشدكم، وليس لنحبطكم. ولكن يجب أن نفهم أن الأفعال لها عواقب، ونحن لن نكون قادرين دائمًا على حمايتكم."
ناتسومي أضافت، وهي تجلس بجانب فوكوجيما: "لقد فعلتم شيئًا خطيرًا اليوم. وقد يكون هناك من يدفع الثمن بطرق لم تتوقعوها. نحن لا نريد أن نفقد أيًا منكم بسبب قرارات طائشة."
كان لهوشي إحساس كبير بالندم، لكنه لم يكن قادرًا على التعبير عنه بالكلمات. اكتفى بالنظر إلى الأرض، بينما كانت يديه تتشابكان بإحكام في حضنه. مارك، الذي عادة ما يكون الأكثر صلابة، شعر بأنه مضطر للتحدث. "نحن... نعتذر،" قال بصوت متهدج. "لن نكرر هذا مرة أخرى."
هزّت ناتسومي رأسها بتفهم. "نحن نعلم أنكم تعلمون أننا نهتم بكم. هذا ليس مجرد توبيخ؛ هذا درس. ونحن نأمل أنكم ستتعلمون منه."
ثم حدث شيء غير متوقع. قامت ناتسومي من مكانها وجلست على الطاولة أمامهم. "تعالوا هنا،" قالت وهي تشير بيدها إلى حضنها. وقف هوشي والأصدقاء الأربعة على حافة الأريكة، مترددين قليلاً. "لا تقلقوا، لن أضربكم مرة أخرى،" أضافت بابتسامة خفيفة.
واحدًا تلو الآخر، اقتربوا منها وجلسوا بجانبها. شعرت ناتسومي بدفء الحب والحنان يغمرها وهي تحتضنهم. كانت هذه اللحظة مليئة بالتناقضات؛ قوة عاطفية تعصف بداخلها بينما كانت تحاول الحفاظ على مظهرها الصارم. "أنتم مهمون لي ولـ فوكوجيما وللعائلة بأكملها،" قالت بصوت هادئ، لكنه مليء بالعاطفة. "نحن نريد فقط الأفضل لكم، لكن هذا يعني أيضًا أن علينا أن نكون صارمين أحيانًا."
ابتسم فوكوجيما وهو يرى هذه اللحظة العاطفية. "نحن هنا لعائلاتنا، ولأصدقائنا، ولأنفسنا. لذلك دعونا نعمل معًا لنكون أفضل. هذه العائلة ليست مجرد مجموعة من الأفراد؛ نحن فريق ومؤسسة ضخمة، وعلينا أن نعمل معًا لنتحسن."
بعد ذلك، قضوا المساء في الحديث والمناقشة، وتبادلوا الضحكات والدموع. كان هناك شعور بالتحرر بعد أن عبروا عن مشاعرهم الصادقة. كانت تلك الليلة بمثابة بداية جديدة، مليئة بالأمل والعزم على تصحيح المسار.
قبل أن يغادروا إلى غرفهم، التفتت ناتسومي إلى هوشي وقالت: "وأنت يا هوشي، لقد كان لديك الكثير لتثبته. أتمنى أن تكون هذه التجربة قد علمتك درسًا."
هز هوشي رأسه بالإيجاب، قائلاً بصوت مملوء بالندم: "نعم، لن أكرر ذلك."
ابتسمت ناتسومي، وفي عينيها بريق من الأمل. "أعلم أنك لن تفعل. أنت أقوى مما تعتقد."
بعد تلك الليلة العاطفية والتوترات التي شهدتها العائلة، عاد هوشي إلى غرفته محملًا بالعديد من الأفكار والمشاعر المتضاربة. جلس على سريره وأخذ ينظر إلى الصورة الوحيدة التي يملكها لوالده، الرجل الذي يحاول دائمًا لفت انتباهه، لكن دون جدوى. كان والده دائم الانشغال، سواءً في العمل أو في السفر، وكأنه هارب من مسؤولياته العائلية نحو ابنه الوحيد ولا يهتم الا بالعائلة ككل. كان هوشي يتوق إلى لحظة يقضيها مع والده، لكنه دائمًا ما يُقابل بالرفض أو التجاهل، لم يكن والده دائما هكذا فقد كان يتذكر هوشي اوقاتا كان والده معه وكانوا سعداء معا.
ناتسومي وفوكوجيما كانا يقومان بدور الوالدين في حياته. كانوا يعتنون به، يوفرون له النصيحة والإرشاد، ولكنهم لم يكونوا والديه الحقيقيين. ناتسومي، بصلابتها وعاطفتها، كانت تشبه الأم القوية التي تحمي أبناءها، وفوكوجيما، برز بخطواته الهادئة وكلماته الحكيمة، كان الأب الذي يعوض غياب والده. لكنه، على الرغم من ذلك، كان يشعر دائمًا بفراغ في قلبه، فراغ لا يمكن لأي شخص آخر أن يملأه.
في صباح اليوم التالي، عاد والد هوشي إلى المنزل بعد فترة طويلة من الغياب. كان هوشي يتطلع دائمًا إلى هذه اللحظات، رغم أنها كانت تحدث نادرًا. وصول والده إلى المنزل كان دائمًا يحمل مزيجًا من الفرحة والتوتر، فهو الرجل الذي يدير عائلة يامازاكي الكبيرة والمشهورة.
عندما كان والده يعود، كان المنزل يعيش لحظات من الحيوية المؤقتة. كان هوشي يرى والده كرجل مشغول دائمًا، يحمل على عاتقه مسؤوليات كبيرة تتعلق بإدارة أعمال العائلة المعقدة. لم يكن والده يقضي الكثير من الوقت في المنزل، وحتى عندما كان حاضرًا، كان يبدو دائمًا مشغولًا بأمور أخرى. كان يقضي ساعات طويلة في مكتبه، يتحدث عبر الهاتف أو يعمل على الأوراق. هذه الاجتماعات المهمة والمحادثات الجادة كانت تأخذ كل وقته، تاركة القليل من الوقت للتواصل العائلي.
كان هوشي يحاول دائمًا جذب انتباه والده، سواء عبر سؤاله عن يومه أو مشاركته أفكاره. لكنه كان يشعر بالإحباط عندما يرى والده مشغولًا، غير قادر على تقديم الاهتمام الكامل له. كانت تلك اللحظات تجعل هوشي يشعر بأنه جزء صغير في حياة والده الكبيرة والمليئة بالمسؤوليات.
رغم ذلك، كان هوشي يعلم أن والده لم يكن مشغولًا فقط بأعمال العائلة. كانت والدته، التي تقبع في غيبوبة طويلة في المستشفى، تأخذ جزءًا كبيرًا من تفكيره ووقته. كان والده يزور المستشفى بانتظام للاطمئنان عليها، يقضي ساعات بجانب سريرها، يتحدث معها رغم أنها لم تكن تستجيب. كانت تلك الزيارات تعكس الجانب الحساس من شخصيته، الجانب الذي لم يكن يظهره لهوشي كثيرًا.
بالنسبة لهوشي، كان هذا الوضع معقدًا ومؤلمًا. فقد كان يريد علاقة أقرب بوالده، يريد أن يشعر بأنه ليس فقط مسؤولية أخرى على كاهل والده، بل ابن يحتاج إلى الحب والاهتمام. لكنه كان يجد نفسه دائمًا محاطًا بجدران العمل والمسؤوليات التي لم تترك مجالًا كبيرًا للعلاقة العائلية.
كان هوشي يبحث دائمًا عن شيء أكثر، عن علاقة أعمق تجمعه بوالده، لكنه شعره بأن هذه الأمنية بعيدة المنال.
في الواقع، هوشي لم يزر والدته قط، ولم يرها منذ ولادته. والدته كانت تتواجد في غرفة العناية المركزة، حيث يمنع الدخول إليها تمامًا. كانت هذه الحقيقة تؤلمه كثيرًا، إذ لم يكن يعرف حتى شكل والدته الحقيقية. كل ما كان لديه هو الصور القديمة التي رأها في غرفة والده وبعض الذكريات الغامضة التي كان يسمعها من والده عندما كانا معًا.، وكانت الأسئلة تتزاحم في عقله: كيف تبدو؟ هل كانت ستفخر به؟ هل كانت ستفهمه؟ كانت هذه الأسئلة تدور في ذهنه باستمرار، لكن لم يكن هناك إجابات.
كان يتمنى لو يستطيع زيارة والدته، حتى لو كان ذلك من خلف الزجاج، لكنه علم أن هذا مستحيل. لم يكن هناك وسيلة لرؤيتها أو الحديث معها، مما زاد من شعوره بالعزلة. هذا الأمر جعله يشعر بمزيد من الوحدة، حيث علم أن والدته تعيش حالة من الغيبوبة ولا تستطيع أن تكون هناك من أجله، كما أنه لم يكن لديه الفرصة ليعرفها أو يتحدث معها.
في بعض الأحيان، كان هوشي يقف أمام غرفة العناية المركزة، ينظر نحو الباب السميك ويحاول تخيل شكل والدته النائمة في الداخل. كان يشعر بالحرمان والغضب من هذا الوضع، حيث لم يكن يعرف كيف يتعامل مع هذا الفراغ العاطفي في حياته. يشعر أن العالم ضده، وأنه مضطر لتحمل كل هذه الضغوط بمفرده.
هذا الوضع جعله يشعر بألم شديد، خاصة عندما كان يرى أصدقاءه يتحدثون عن أمهاتهم وأسرهم. كان يتمنى لو كان لديه نفس التجارب، ولكن عليه أن يواجه الواقع القاسي الذي فرض عليه أن يعيش دون أم ودون تواصل حقيقي مع والده. هذه التجارب الصعبة كانت تشكل جزءاً كبيراً من حياته، وكانت تساعد في تشكيل شخصيته القوية والمستقلة.
ومع كل يوم يمر، كان هوشي يشعر بالثقل المتزايد على كاهله. رغم محاولاته الدائمة لجذب انتباه والده وإشعاره بوجوده، إلا أن والده كان ينشغل دائماً بإدارة شؤون عائلة يامازاكي الكبيرة والمعقدة. كان والده يعود إلى المنزل من حين لآخر، لكنه لم يكن يبقى طويلاً، حيث كانت لديه الكثير من المهام والمسؤوليات التي تتطلب تواجده المستمر خارج المنزل. كان هذا الأمر يثير في هوشي شعوراً بالضياع والتجاهل، حيث لم يكن يحصل على الاهتمام والرعاية التي يحتاجها من والده.
في هذه الظروف، كان هوشي ينضج بسرعة أكبر من أقرانه. كان يتعلم كيف يكون مستقلاً وكيف يعتمد على نفسه في مواجهة المصاعب. كانت هذه التجارب الصعبة تشكل جزءاً كبيراً من شخصيته القوية والمتماسكة، لكنها كانت أيضاً تترك جروحاً عميقة في نفسه. كان يشعر بالوحدة والانفصال، لكنه كان يعلم أنه لا خيار أمامه سوى المضي قدماً. علم أن الحياة لا تنتظر أحداً، وأن عليه أن يكون قوياً لمواجهة المستقبل، مهما كان هذا المستقبل غامضاً وقاسياً.
نهاية المجلد الاول