داخل غرفة ضيقة، تعج بالأوراق المتناثرة والخرائط المعلقة، كان الهواء مشحونًا بالتوتر. صوت خافت للمصابيح المعلقة يضيف لمسة من القلق إلى المشهد، بينما كان ثلاثة رجال يتناقشون.
وقف أحدهم في منتصف الغرفة، عيناه مشتعلة بالغضب، يتنفس بصعوبة وكأنه يقاتل أفكاره. الآخر كان مستندًا على الحائط، ذراعيه متشابكتان، بينما جلس الثالث على كرسي مائل، يتأرجح به بهدوء، محاولًا تهدئة الأجواء.
"هل تمزح معي؟!" صرخ الغاضب، يوجه نظراته الحادة إلى زميليه. "كيف يمكن ألا يكون هناك سحر؟! كل حضارات العالم تحدثت عنه، كل الأساطير، كل النصوص القديمة! ست سنوات من البحث، وفي النهاية... لا شيء؟!"
اقترب الجالس منه قليلًا، وقال بصوت هادئ: "اهدأ، لم ننتهِ بعد، هناك أماكن لم نبحث فيها."
لكن الغاضب ضرب المكتب بعنف، متناثرةً بعض الأوراق على الأرض. "أماكن؟! لقد ذهبنا لكل حضارة ممكنة! ولم نجد دليلًا واحدًا حقيقيًا! أليس من المفترض أن يكون السحر جزءًا من تاريخ البشر؟!"
عندها، تنهد الرجل المستند على الحائط وأغمض عينيه للحظة. هذه الذكرى... كانت تراوده دائمًا.
قبل سنوات...
في أولى سنواته بكلية الآثار، كان جالسًا بجانب صديقه في أحد الممرات الحجرية العتيقة، حيث تنبعث رائحة الكتب القديمة والغبار الممزوج بعطر التاريخ.
سأله صديقه: "أي حضارة ستتخصص فيها؟"
ابتسم وأجاب بثقة: "الجميع."
رفع صديقه حاجبه باستغراب: "الجميع؟!"
"أجل، أريد أن أفهم الحقيقة كاملة."
لكن الحقيقة لم تكن السبب الوحيد... كان هناك شيء آخر لم يخبره به، شيء ظل مدفونًا في أعماقه، لم يجرؤ على النطق به.
ابتسم صديقه قائلًا: "أنا سأركز على علم المصريات."
"لماذا؟" سأله بفضول.
أجابه صديقه بنبرة واثقة: "لأن هذه الحضارة مليئة بالأسرار التي لم تُكتشف بعد. رغم كل التطور العلمي، لم نتمكن من فك ألغازها بالكامل. إنها حضارة لم تؤمن بالخلود، ومع ذلك اهتمت بالموت أكثر من أي شيء آخر. درست الطب، والفلك، والهندسة، لكنها ظلت محاطة بالغموض. أشعر أنها الأقرب إلى المنطق."ا
لعودة إلى الحاضر...
فتح عينيه ونظر إلى أصدقائه... الغاضب، المحبط، والخريطة المعلقة أمامهم، المليئة بالعلامات التي تحدد كل الأماكن التي زاروها.
عينيه توقفت عند نقطة واحدة... مصر.
خطا خطوة للأمام، ثم التفت إلى أصدقائه وقال بحزم: "سوف نذهب إلى مصر."
عبس الغاضب وقال بسخرية: "وماذا بعد؟ هل تريد أن نضيع وقتنا هناك أيضًا؟!"
ابتسم بثقة: "أليست مصر مليئة بالأسرار؟ حتى لو لم نجد السحر، ألا يستحق الأمر المحاولة؟"
نظر إليهما الشخص الثالث، ثم قال بكسل وهو يتمطى: "أنا لا أهتم، فقط أريد الاستمتاع، لذا أوافق بنما يوجد بريق من لاهتمام القليل في عينه بشكل غريب."
كان الغاضب على وشك الرفض، لكنه توقف فجأة... لسبب ما، شعر بشيء غريب. إحساس غامض يخبره أنه سيجد ما يبحث عنه... وأن هذه قد تكون رحلته الأخيرة.
نظر إلى أصدقائه، ثم زفر طويلًا قبل أن يقول: "حسنًا... لنذهب إلى مصر."
في اليوم التالي...
كانت الطائرة تحلق فوق السحب، وداخلها جلس الثلاثة في صمت، كل واحد غارق في أفكاره.
الغاضب تأمل السماء من النافذة وهو يتمتم: "هل سنجد حقًا ما نبحث عنه؟"
جاءه الرد من صديقه الجالس بجانبه، بابتسامة غامضة: "لا أعلم... لكني أشعر أن هناك شيئًا ما ينتظرنا."
الغاضب لم يرد، لكنه شعر بنفس الإحساس... إحساس لم يستطع تفسيره.
المحطة تالية: مصر وبدأ اللعبه