في غرفة فندق بالقاهرة، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر. جلس أحدهم يتصفح جهاز اللابتوب، بينما الآخر ينظر إلى صديقه الذي كان السبب في مجيئهم إلى مصر. منذ وصولهم، لم يتوقف الشعور الغريب الذي يغمره—إحساس يجمع بين الحماس والخوف، وكأن شيئًا ينتظره هنا، شيء لا يستطيع تفسيره.

أما صديقهم الآخر، فكان يبدو مستمتعًا وهو يقرأ عن مصر، وهو نفس الشخص الذي كان يهدئ الجميع قبل أيام. لكنه الآن توقف عن القراءة ببطء، ثم نظر إلى صديقه الذي بدا عليه التوتر. وضع إصبعه على الطاولة وبدأ يطرق عليها بإيقاع خفيف، مستمتعًا بلحظة الصمت التي سادت بينهما، قبل أن يسأل أخيرًا:

"هل تم الأمر؟"

رفع الشخص الثالث رأسه بهدوء، وكأنه كان يتأمل شيئًا ما، ثم قال بنبرة ثابتة:

"نعم، غدًا سنحصل على تصريح التنقيب."

كانت هذه الجملة كافية لتجعل وجوههم تضيء بالحماس. أخيرًا، هم على وشك البدء. كان لكل منهم سبب مختلف لهذه الرحلة، لكن الهدف واحد: البحث في أعماق مصر، أملًا في إيجاد شيء لم يجده أحد من قبل.

كان عليهم الانتظار أسبوعًا كاملًا حتى يتم تجهيز التصاريح، وخلال هذه الأيام لم يتوقف الشعور الذي يلاحقهم—حالة من الترقب الغريب، وكأن شيئًا ما يناديهم من تحت الرمال.

---

اليوم التالي – المجلس الأعلى للآثار المصرية

كانت القاعة مليئة بأصوات المكاتب وصوت الأوراق المتطايرة بين الموظفين، مع صفوف من الأشخاص المنتظرين دورهم. وقف أحدهم في الطابور وقال بصوت منخفض، يكاد يكون همسًا:

"هل تعتقد أنهم سيوافقون على المواقع التي اخترناها؟"

أجابه صديقه بثقة:

"ولماذا لا يوافقون؟ في الحقيقة، لا يهمني سوى الموقع الذي بجوار الهرم الأكبر، أما البقية، فلا تهمني على الإطلاق."

نظر إليه الآخر بصمت، ولاحظ أنه لا يزال يرتعش قليلًا. لم يكن ذلك مجرد توتر عادي، بل كان شعورًا مختلفًا، إحساسًا لا يستطيع تحديده تمامًا. تنهد قليلًا، ثم عاد ينظر إلى الأمام، منتظرًا دورهم بصبر.

نظر إليه الصديق الثالث وسأله بهدوء:"لماذا كنت مصرًا على هذا الموقع تحديدًا؟ لقد تم اكتشافه من قبل، ولم يُعثر فيه على شيء جديد."

توقف الآخر قليلًا، ثم قال بابتسامة غامضة:

"لا أعرف، لكنه يبدو ممتعًا… وأيضًا… شكل الهرم جميل."

تبادل الصديقان النظرات، لكنهما لم يعلقا. كان هذا التصرف متوقعًا منه.

أما الرجل الهادئ بينهم، فكان غارقًا في أفكاره. تلك الذكرى التي كانت تأتيه دائمًا وتلاحقه، بدأت تقل منذ وصوله، لكنها لم تختفِ تمامًا. كان واثقًا أن هناك سببًا لكل هذا، خاصة أنه مؤمن بوجود السحر. لم يكن مجرد فضول أكاديمي، بل كان لديه يقين داخلي أن ما يشعر به ليس طبيعيًا. حتى صديقاه، رغم اختلاف شخصياتهما، بدا عليهما شيء مشابه، وإن كان بطرق

مختلفة.قطع أفكاره صوت أحد الموظفين ينادي بأسمائهم. وقفوا على الفور، وساروا نحو المكتب، قلوبهم تنبض بالحماس لما هو قادم.

---

داخل المكتب الحكومي

كان الموظف الحكومي يتفحص الأوراق أمامه، يراجعها بتمعن قبل أن يرفع رأسه إلى الرجال الثلاثة الواقفين أمامه. كان من الواضح أنهم علماء آثار، لكن ما لفت انتباهه أنهم ليسوا من نفس الجامعة، ولا حتى من نفس البلد. رغم ذلك، لم يُظهر أي تعبير على وجهه، واكتفى بالنظر إليهم واحدًا تلو الآخر.

ألقى نظرة سريعة على الأول، بدا شابًا يابانيًا، متوسط الطول، ليس مميزًا كثيرًا، لكن التوتر كان واضحًا عليه. عكس صديقه الذي كان يحمل ملامح أوروبية واضحة، وبدا أكثر هدوءًا. أما الثالث، فكان مختلفًا قليلًا… ملامحه كانت أوروبية أيضًا، لكن هناك شيء في أوراقه جعله يحدق فيه لثوانٍ إضافية، قبل أن يعود إلى الأوراق مجددًا.

وأخيرًا، قال الموظف بنبرة رسمية:"سيد يعقوب، سيد سوما، سيد ديفيد… تم الموافقة على موقعين فقط من الثلاثة التي طلبتموها. الأول بجوار الهرم الأكبر، والثاني في وادي الملوك. أما الثالث، فلم يتم اعتماده."

تبادل الثلاثة النظرات. كان يعقوب أول من تحدث:"لماذا لم تتم الموافقة؟"

أما سوما، فاكتفى بالنظر مستغربًا، بينما لم يبدُ على ديفيد أي اهتمام، طالما أن موقع الهرم قد تم اعتماده.

أجاب الموظف بإيجاز:

"لأن هناك بعثة أخرى تعمل بالفعل في ذلك الموقع."

لم يقل أكثر من ذلك، بل اكتفى بتقديم الأوراق إليهم قائلاً بنبرة رسمية:"مرحبًا بكم في مصر. أتمنى لكم رحلة موفقة واكتشافات مثمرة."

كان من الواضح أن الاجتماع انتهى، لذا وقفوا وغادروا المكتب.

---

في طريقهم إلى الموقع

بينما كانوا يسيرون في ممرات المبنى، كان كل واحد منهم غارقًا في أفكاره. مشاعر مختلطة بين الترقب والإثارة، وبين القلق والشعور بأنهم على أعتاب شيء أكبر مما كانوا يتخيلون.

نظر يعقوب إلى التصريح في يده، ثم رفع رأسه إلى صديقيه، مبتسمًا:"هيا بنا… لنبدأ."في عيونهم جميعًا، كان هناك نفس الشعور—توقع شيء لم يره أحد من قبل.

المحطه التالية: الموقع الأثري.

2025/04/16 · 22 مشاهدة · 693 كلمة
نادي الروايات - 2025