قال الرجل العجوز:
"استمع جيدا يا ابني."
ركّز عبد الله، ونظر إلى الرجل العجوز باهتمام. لم يفهم حقًا لماذا أراد الرجل أن يُشاركه قصة، لكن بما أنه لا يزال هناك بعض الوقت قبل النزول من الحافلة، فكّر: لمَ لا؟
فجأة، بدأ يسمع دقات قلبه. كان ينبض بشكل طبيعي، لكنه لم يدر لماذا أدركه فجأة. مع ذلك، تجاهله وركز على الرجل العجوز.
عندما بدأ الرجل بالكلام، تسارعت دقات قلب عبد الله - بثبات، ولكن بطريقة جعلت الوقت يبدو أبطأ. كأن العالم كله قد انحصر في صوت الرجل العجوز ونبض قلبه.
لكن عبدالله أصر على التركيز والاستماع بعناية.
لم يكن الرجل العجوز يعلم ما يحدث للشاب الذي بجانبه. واصل قصته:
عندما كنت صغيرًا، كان العالم يتغير بسرعة. أصبح الإنترنت جزءًا من حياتنا، وكانت الهواتف المحمولة في كل مكان، وكانت العلامات التجارية العالمية والاتجاهات ومقاطع الفيديو القصيرة تنتشر كالنار في الهشيم.
لم أكن أهتم بالدراسة. كنت أقضي ساعات ألعب الألعاب مع أصدقائي أو أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الفيديوهات القصيرة.
لم يستطع والداي، اللذان نشأا في جيل أكبر سنًا، فهمي أو مواكبة التغيير. مع مرور الوقت، ابتعدتُ عنهما - مع أن كل ما أراداه هو أن أقضي وقتًا معهما. لم أكن أُقدّر ذلك، فقد كنتُ منشغلًا جدًا بالاستمتاع بعالمي الخاص.
لقد أحبوني بعمق واستمروا في المحاولة.
كان الندم واضحًا على وجه الرجل، وارتجف صوته من شدة الانفعال وهو يواصل حديثه:
كبرت، لكنني لم أدرس جيدًا، ولم أستغل الإنترنت لتطوير نفسي. شعرت بالغيرة من المؤثرين - أولئك الذين ينشرون صورًا ويكسبون متابعين. أردت أن أكون مثلهم... لكنني فشلت فشلاً ذريعًا.
ابتسم - وكأن هذا الفشل كان نعمة وليس نقمة - وقال:
لم أحصل على درجات عالية. لم ألتحق بجامعة جيدة. أضعتُ طفولتي ومراهقتي في مطاردة أشياء لم تُعِدني شيئًا. عندما بلغتُ العشرين، لم أكن قد تحسّنت. كنتُ لا أزال عالقًا في مرحلة المراهقة، كما لو أن عقلي يرفض النضوج.
ثم جاءت لحظة - لحظة شعرت فيها بملل شديد من كل شيء. نظرت حولي فرأيت أمي وأبي يتقدمان في السن. فقررت أن أجلس معهما قليلًا كل يوم، رغم أن ذلك كان مملًا بالنسبة لي.
لكن عندما رأيت سعادتهم، لمجرد جلوسي معهم... لم أفهم. لماذا كانوا سعداء، وأنا لم أفعل شيئًا يُشعرهم بالفخر؟ لم ألتحق بجامعة مرموقة. كنتُ فاشلًا في نظري.
مع ذلك...لقد أحبوني.
بدأتُ أذهب للصلاة مع والدي خمس مرات يوميًا، حتى صلاة الفجر. كان يوقظني، فنسير معًا في هدوء الليل بينما ينام العالم. نمزح، نصلي، ثم نعود.
لقد اقتربت من الله.
وفي تلك اللحظة... بدأ عقلي ينضج. بدأت أفهم. ثم ندمت... ثم تقبلت.
لم أعد أقضي وقتًا طويلًا على مواقع التواصل الاجتماعي - ربما ساعة يوميًا. أما بقية وقتي، فقد كنت أعمل في مطعم.
لاحظتُ شيئًا آخر - المؤثرون الذين كنتُ أحسدهم يومًا ما بدأوا يُصابون بالاكتئاب. لكنني لم أعد أُبالي. كان لديّ الله، وعائلتي.
ثم أدركت شيئا غريبا...
هذا الجيل وكل هذه التكنولوجيا؟ لم تُصنع للرجال. وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي - كل ذلك بدا أسهل للنساء. لأنه لم يتطلب جهدًا كبيرًا، بل كان يناسبهن أكثر. أما نحن الرجال، فقد أصبح السهل والبسيط أصعب.
لكنني تقبلت الأمر. كبرت. تخرجت. تركت وظيفتي في المطعم. بحثت عن عمل ولم أجد.
ثم أصبح والدي - الرجل نفسه الذي اعتاد ضربي في صغري - صديقي. اتصل بصديق قديم ووجد لي وظيفة حارس أمن في متحف.
لاحقًا، أخبرتني أمي أنها وجدت لي زوجة. كنت فقيرًا وقليل المال، لكن والديّ وإخوتي ساعدوني. تزوجتُ امرأةً صالحة، والحمد لله.
لم تكن جميلة كالفتيات اللواتي حلمت بهن ذات يوم... لكن الحب غريب.
لقد دخلت إلى قلبي وبنت مملكة هناك - مملكة لا يمكن لأحد أن يحكمها إلا هي.
عشنا معًا أوقاتًا صعبة وجميلة. وقد أشرق قلبي بحضورها.
ثم أصبحتُ أبًا. وعندما رأيتُ طفلي، فهمتُ أخيرًا لماذا أراد والداي قضاء الوقت معي فقط.
لقد كنت كنزهم.
كبر أطفالي، وأصبح العمل - وليس الهواتف - هو ما يسرق وقتي. ومرت السنوات.
وفي يوم من الأيام، نظرت حولي مرة أخرى، واكتشفت أن والدي قد رحلوا.
لقد تركوني... ولكنهم تركوا خلفهم حبهم، زوجتي، وأطفالي، وإخوتي.
كبرت زوجتي، وأنا أيضًا. لكن هذا لم يُضعف حبي لها.
ثم في يوم من الأيام سألتني:
'هل تحبني؟'
تفاجأتُ. تذكرتُ أننا لم نتزوج عن حب، بل كان زواجًا تقليديًا. كانت جارتي، وتزوجنا سريعًا.
لم أخبرها أبدًا أنني أحبها - على الرغم من أن قلبي كان ملكًا لها دائمًا.
ثم أخبرتني أنها أحبتني منذ صغرنا. كانت تدعو الله أن يجعلني زوجًا لها. بكت عندما علمت أنني كنت أحلم بفتيات مثل اللواتي على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكنها لم تيأس. وظلت تدعو... فاستجاب الله لدعائها.
قالت لي أنها أصبحت أسعد فتاة في العالم.
عندما سمعت ذلك... شعرت وكأنني شاب مرة أخرى، أعيش قصة حب خفيفة ونقية.
منذ ذلك اليوم... كلما نظرت في عينيها، يتلاشى كل تعبي.
ومرت السنوات…
ذات يوم، أثناء عملي في المتحف، رأيتُ ضوءًا غريبًا. منذ انفجار الهرم، تغير العالم. ظننتُ أنه شبح.
ركضتُ. لم أكن خائفًا من الشبح نفسه، بل كنتُ خائفًا من أن يلاحق زوجتي، وأطفالي، وأحفادي، وإخوتي، وأبناءهم.
فكرت: إذا ظهر لي... فقد يظهر لهم.
لذلك قررت... أن أضحي بنفسي لحمايتهم.
لم أعد إلى العمل. بقيت في المنزل لأطمئن على زوجتي.
مرّت الأيام، ثمّ جاءت إدارة المتحف لتسألني عن سبب عدم حضوري.
وقعت سرقات في المتحف - فساد - واشتبهوا بي. لكن سمعتي كانت نظيفة.
أخبرتهم بما رأيته - شبحًا.
ظنوا أنني أصبحت خرفًا.
لكن مدير المتحف صدقني، وأبلغه بذلك.
لا أعرف ماذا وجدوا... لكنهم استدعوني. التقيتُ بأهم الشخصيات في مصر. كرموني. لم أكن أعرف حتى السبب.
أعطوني مكافأة. لكنني أخبرتهم أنني لا أريد مالًا. أردتُ شيئًا واحدًا فقط:
أخذ زوجتي للحج والعمرة.
وافقوا. وأعطوني المال أيضًا.
والآن... ها أنا ذا أمامكم. عمري ٦٦ عامًا.
لقد أخبرتك بحياتي كلها، ستة وستون عامًا، لحظة بلحظة.
لكن بالنسبة لك... إنها مجرد كلمات. مجرد فصل.
حياتي كلها… أصبحت فصلاً في قصتك.
أليس هذا هو العالم؟
نحن لا نعرف أبدًا ما إذا كنا فصلًا، أو مئة فصل... أو مجرد سطر.
كل شخص لديه دور.
وكل دور له من يختاره الله للقيام به.
…
فجأةً، أمسك عبد الله بيد الرجل العجوز بإلحاحٍ غريب. نظر الرجل العجوز في عينيه فرأى...
كان عبدالله يتألم. وجهه أحمر. عيناه متعبتان. تنفسه ثقيل.
وقال بصوت خافت:
"اتصل بالإسعاف…"
وبيده الأخرى... كان يمسك قلبه الذي يرتجف من الألم.
---
المحطة التالية: صحوة البطل
----
"آه، أتمنى حقًا أن يكون الفصل قد نال إعجابك!
ما رأيكم في قصة الرجل العجوز؟ هل تتذكرون من هو؟
وأتركوا توقعاتكم - ماذا سيحدث في الفصل القادم؟ أريد سماع نظرياتكم!