في صحراء قاسية، تحت شمس حارقة وعاصفة رملية تلوح في الأفق، كان الهواء مشبعًا بحرارة خانقة تجعل التنفس صعبًا. كان العرق يتصبب من جبين العمال، حتى مع المظلات القليلة التي بالكاد توفر ظلًا. بعضهم تباطأت حركته، والبعض الآخر مسح جبينه بكم قميصه، لكنه واصل العمل بصمت.
وسط هذا المشهد، وقف ضابط الشرطة المصري أمام خيمة بعثة التنقيب، يتحدث مع عالم الآثار يعقوب بنبرة واضحة من الانزعاج: الضابط: "حسنًا، سيد يعقوب، انتهينا. تستطيعون استئناف التنقيب، لكن عليكم التأكد من تأمين الموقع جيدًا."
هزّ يعقوب رأسه شاكرًا بينما غادر الضابط، ثم رفع زجاجة الماء شبه الفارغة إلى شفتيه، متأملًا المشهد أمامه. العمال منشغلون بالحفر، المصوّرون يوثّقون الاكتشافات، والرسامون يسجلون التفاصيل الدقيقة. الخيام والسياج يحيطان بالموقع، بينما توفر بعض المظلات القليلة حماية محدودة من الشمس اللاهبة.
داخل الخيمة الرئيسية
وسط كومة من المعدات الأثرية، وأجهزة الكمبيوتر المخصصة لتحليل الأشعة والمسح الجيولوجي، كان ديفيد جالسًا بتركيز غريب، وكأنه طفل وجد لعبة مسلية، بينما انهمك سوما في دراسة البرديات القديمة، محاولًا فك شيفرة الهيروغليفية، وعيناه تلمعان بالحماس.
عندما دخل يعقوب، رفع سوما رأسه وسأل دون أن يرفع يديه عن المخطوطة:
"ماذا حصل؟"
تنهد يعقوب، وأجاب:
"الضابط كان منزعجًا لأننا أسرعنا في التنقيب دون تأمين الموقع، لكن انتهى الأمر الآن، لا تهتم."
لم يُبدِ سوما أي اكتراث وعاد للتركيز على عمله، بينما التفت يعقوب إلى ديفيد، الذي لم يكن قد رفع عينيه عن الكمبيوتر:
"هل أنت متأكد أنك لا تريد الذهاب إلى وادي الملوك؟ أنت تعلم أن المجلس الأعلى للآثار سمح لنا بسنة واحدة فقط للتنقيب، هناك الكثير من المقابر التي لم تُكتشف بعد."
أجاب ديفيد بلا مبالاة، وعيناه لا تزالان مثبتتين على الشاشة:
"وادي الملوك مليء بالمقابر، صحيح، لكنه لا يثير اهتمامي. كل شيء فيه معروف تقريبًا. هنا... هنا حيث أشعر أن هناك شيئًا مختلفًا."
ضحك سوما قائلاً: "دعه وشأنه، أنت تعرف أنه غريب الأطوار. عائلته أعطته أحدث المعدات، وهو مهووس بالأهرامات، لا شيء آخر يثير اهتمامه."
نظر يعقوب إلى ديفيد بتمعن، ثم زفر بهدوء. ديفيد لم يكن مجرد عالم آثار متحمس، بل كان الممول الأساسي لهذا البحث وكل بحوث السابقه، بفضل ثروة عائلته الثرية في أوروبا وآسيا. لذلك، لم يعلّق يعقوب أكثر، بل توجه لملء زجاجة الماء الخاصة به، قبل أن ينشغل مجددًا بفحص القطع الأثرية وتحليل أعمارها.
وقت الراحة... ومفاجأة
مرّ الوقت بسرعة، ولم يقطع تركيزهم سوى صوت المشرف المصري حمزة، وهو ينادي من خارج الخيمة: "سيد يعقوب، سيد سوما، سيد ديفيد... انتهينا لهذا اليوم، سنكمل غدًا."
لكن رغم أن كلماته بدت عادية، إلا أن نبرته حملت شيئًا غير معتاد. لاحظ يعقوب ذلك، فتوجه نحوه قائلًا:
"حمزة، صحيح؟ تبدو وكأنك تريد قول شيء آخر، فما هو؟"
نظر حمزة إليه بثبات، ثم قال بهدوء:
"بعد خمسة أيام، سيتوقف العمل ليومين. الجميع سيحصل على إجازة للعودة إلى منازلهم والاحتفال مع عائلاتهم، بمناسبة عيد الفطر."
ظهر الاستياء على وجه يعقوب وسأل بفضول: "عيد الفطر؟"
أومأ حمزة: "نعم، نحن الآن في شهر رمضان، نصوم من الفجر حتى المغرب، ولا نأكل أو نشرب خلال هذه الفترة. وبعد انتهاء الشهر، نحتفل بالعيد."
اتسعت عينا يعقوب بدهشة، وهو ينظر إلى العمال في الموقع، متسائلًا بصوت مرتفع: "كنتم صائمين طوال اليوم؟ في هذا الحر؟!"
هزّ حمزة رأسه ببساطة:
"نعم، وسنصوم غدًا أيضًا." ثم استأذن وانصرف.
ظل يعقوب واقفًا، يفكر فيما سمعه، قبل أن يخبر ديفيد وسوما بالأمر.
ضحك ديفيد، مستمتعًا بالفكرة:
"هذا جنون! أنا بالكاد أتحمل العطش وأشرب الماء طوال اليوم، وهؤلاء لم يشربوا قطرة واحدة؟ مثير للإعجاب!"
أما سوما، فاكتفى بهزة رأس خفيفة، مفكرًا، لكنه لم يعلق. فبالنسبة له، لم يكن هذا الموضوع ذا أهمية كبيرة مقارنةً بهدفهم الحقيقي... البحث عن السحر.
بعد شهرين...
كان سوما مستلقيًا في غرفته، يحدق في السقف، وقلبه ينبض بقوة بين الخوف والإثارة، لكنه شعر بالإحباط الشديد. لم يجدوا شيئًا حقيقيًا، رغم اكتشافاتهم المهمة حول اللعنات المصرية القديمة.
أغمض عينيه مسترجعًا الأشهر الماضية، ثم فتحهما متنهّدًا، قبل أن يقول ليعقوب: "ما رأيك؟ هل ضاع وقتنا؟"
نظر إليه يعقوب مفكرًا، ثم قال: "لا أعلم، لكن الأمر محير... سألت حمزة عن السحر، لكنه قال إنه موجود، لكن ليس كما نظن. ليس كما في القصص والأفلام، بل هو شيء محرم للمسلمين، يستخدم للإيذاء فقط، مثل جعلهم مرضى أو التفريق بين الأحباء. لذلك لم يهتم ولم يخبرني بشيء آخر."
تدخّل ديفيد بابتسامة واسعة:
"إذن، لماذا لا نبحث بطريقة مختلفة؟ بدلًا من التركيز على السحر، فلنبحث في العلم!"
نظر إليه سوما بغضب، قائلًا: "هل تمزح؟ هل نسيت لماذا نحن هنا؟"
لكن يعقوب، على عكسه، بدا وكأنه يفكر بجدية في الذكرى التي كانت تأتيه دائمًا، ثم قال بهدوء:
"في الحقيقة، قد يكون محقًا... المصريون القدماء كانوا علماء أكثر من كونهم سحرة."
عبس سوما، لكنه لم يجد ردًا. وفي النهاية، زفر باستسلام:
"حسنًا، فلتفعلوا ما تريدون."
بعد تسعة أشهر...
رغم كل الاكتشافات المثيرة، لم يظهر شيء مختلف عن باقي الحملات الأثرية.
في إحدى الليالي داخل الخيمة، جلس سوما صامتًا، بينما كان يعقوب يراقبه. أخيرًا، قال سوما بصوت مرتجف: "هل حقًا لا يوجد شيء؟ هل أضعنا كل هذا الوقت؟"
أجابه يعقوب بثقة مصطنعة: "لا تيأس، سنجد شيئًا، أنا متأكد."
ضحك سوما بسخرية:
"لقد مر 11 شهرًا، ولم يبقَ سوى شهر واحد. قبل انتهاء المدة... هل تعتقد أن معجزة ستحدث فجأة؟"
لكن قبل أن يكمل سخريته، قاطعه صوت ديفيد، الذي انطلق بحماس من خلف شاشة الكمبيوتر:
"يا إلهي... ما هذا؟!"
رفع يعقوب وسوما رأسيهما فورًا، والتوتر يملأ الغرفة...
المحطة التالية: اكتشاف غير متوقع!