في أحد المنازل بحي الجيزة، كانت أمٌّ تبدو عليها علامات القلق، لأن طفلها لم يعد بعد من المدرسه. تساءلت بصوت خافت وهي تُخاطب نظامها الذكي:
ـ هل تأخر عبدالله، أم أنني أتوهم؟
ردّ النظام:
> [نعم، لقد تأخر، فموعد وصول الحافله مرّ عليه ربع ساعة.]
ـ هذا صحيح... كم مرة قلت له: إذا تأخرت، أرسل لي رسالة أو اتصل بي، حتى لا أقلق عليك!
ثم قالت للنظام:
ـ اتصل به، أريد أن أعرف أين هو وكم تأخّر.
ردّ النظام:
> [جارٍ تنفيذ الأمر... جاري الاتصال بعبدالله...]
> [فشل الاتصال. يبدو أن النظام الخاص بعبدالله خارج الخدمة.]
انصدمت الأم، وارتفعت نبرتها بقلق شديد:
ـ كيف يكون نظامه خارج الخدمة؟ هذا النظام مرتبط بجسده، وليس بهاتفه!
ـ الحالة الوحيدة التي ينقطع فيها... هو... لا، لا! مستحيل! هو بالتأكيد بخير!
ثم أمرت النظام بنبرة حادة:
ـ ابحث عن عبدالله، وحاول الاتصال به مجددًا!
ردّ النظام:
> [جارٍ تنفيذ الأمر... محاولة الاتصال والبحث عن عبدالله جارية...]
> [فشلت المحاولة.]
عندما قرأت الأم هذه الرسالة، أصبح تنفّسها ثقيلاً، وسقطت على الأريكة. بدا أن قدميها لم تعودا قادرتين على حملها. فقدت أعصابها تمامًا، وبدأت تتخيل أسوأ السيناريوهات التي قد تصيب ابنها.
وضعت يديها على رأسها، وهمست:
ـ إن شاء الله يكون بخير... ربما النظام تعطل فقط... أكيد النظام معطّل... لن يحدث له شيء، بإذن الله...
كانت الدموع تنساب من عينيها دون أن تشعر، وظلّت تردّد: "أكيد النظام معطّل، لن يصيبه مكروه، أكيد..."
لكن النظام أعادها للواقع فجأة:
> [يوجد محاولة اتصال. هل ترغبين في الرد؟]
نظرت الأم وقالت: ربما، بما أن نظام عبدالله لا يعمل، فهو يحاول التواصل عبر نظام أحد أصدقائه...
ابتسمت بخفة، تحاول تهدئة نفسها، ثم قالت:
ـ نعم، أريد الرد على الاتصال.
فُتح الاتصال وظهر صوت في عقلها. قالت بصوت مرتعش:
ـ السلام عليكم...
كانت تتمنى أن تسمع صوت ابنها، لكن فتاة ردّت عليها قائلة:
ـ وعليكم السلام... هل أنتِ والدة المواطن عبدالله؟
تساءلت الأم في نفسها: "مواطن؟!"، ثم ردّت بقلق:
ـ نعم، أنا والدة عبدالله. هل هناك مشكلة مع ابني يا ابنتي؟
ترددت الفتاة قليلاً، ثم قالت بنبرة مشفقة:
ـ نرجو منكِ التوجه فورًا إلى المستشفى في الموقع المُرسل إليك... ابنك في حالة حرجة، وقد يموت في أي لحظة.
تجمدت الكلمات على لسان الأم، وتمتمت:
ـ مستشفى؟... ابني؟... حالة حرجة؟... موت؟
وفي لحظة، فقدت السيطرة على أعصابها، وصرخت بصوت مرتجف:
ـ هل... هل هذه مزحة؟! أرجوكِ، قولي إنك تمزحين!!
لم تستطع حتى أن تُكمل جملها بشكل واضح.
ردّت الفتاة بهدوء:
ـ أتفهمكِ... لكن تمالكي نفسك. ابنك فعلًا في المستشفى، وقد لا ينجو. هل تريدين أن تندمي لأنك لم تريه آخر مرة؟
سمعت الأم هذه الكلمات، فعادت إلى وعيها بسرعة، وقالت بانهيار:
ـ أكيد، أنا جاية... جاية حالًا...
أغلقت الاتصال، ثم نظرت إلى الحائط لثوانٍ. فجأة، جاءها صوت ابنها الصغير:
ـ ماما، في إيه؟
نظرت إليه، ولم تستطع أن تخبره أن أخاه الذي يحبّه قد يكون في طريقه للموت.
لكنها تمالكت نفسها، وقالت له:
ـ إلبس بسرعة، رايحين المستشفى.
ذهبت لتُبدّل ملابسها، واتصلت بزوجها لتخبره، وأرسلت له الموقع.
خرجت من الشقة مع ابنها الصغير، وأغلقت الباب خلفها بسرعة. لم يكن هناك وقت لتضع أي مكياج، وظهر على وجهها القلق والحزن، وعيونها مليئة بالبكاء.
بدت غريزة الأمومة أقوى بكثير من أي غريزة أخرى في تلك اللحظة.
---
في المستشفى
بعد ربع ساعة، وصلت الأم وابنها الصغير إلى المستشفى، وأسرعت نحو أقرب ممرضة وسألتها عن مكان ابنها.
أشارت الممرضة إلى زميلتها التي تعرف مكان المريض، فذهبت الأم إليها سريعًا، وأخذتها الممرضة إلى غرفة ابنها.
عندما وصلت، سألت الأم بنبرة متوسلة:
ـ أرجوكِ، هل هو بخير؟ قولي لي إنه بخير...
نظرت إليها الممرضة وقالت:
ـ من الأفضل أن تسألي الطبيب المسؤول.
خرج أحد الأطباء المشرفين على الحالة، وقبل أن تودّع الممرضة، أسرعت الأم إلى الطبيب، وسألته:
ـ يا دكتور، ابني... ما حالته؟ هل هو بخير أم لا؟
رد الطبيب بهدوء:
ـ لا توجد مشكلة جسدية حاليًا.
قالت الأم بصدمة:
ـ لا توجد؟! أمال هو في المستشفى ليه؟ جاي يلعب مثلًا؟!
تفهّم الطبيب غضبها وقال:
ـ ابنك في "مرحلة النوم العميق"، وقد دخل المستوى الثاني، لكن بطريقة خطرة. يمكن أن يموت في أي لحظة.
صُدمت الأم، لأن مرحلة "النوم العميق" عادةً ما تكون آمنة.
نظرت إليه، وسألته:
ـ يعني ما فيش حاجة ممكن تعملها؟
ردّ الطبيب:
ـ للأسف، لا. أدعي الله يشفيه، فـ الله وحده القادر على إنقاذه.
سمعت الأم هذا الكلام، فهدأت قليلًا، وجلست على كرسي، تمسك القرآن، وبدأت تقرأ وتدعو، دون أي فكرة أخرى في عقلها.
أما الطفل الصغير، فكان يبكي بصمت، كي لا يزعج الطبيب أو والدته، وهو ينظر إلى الغرفة التي يرقد فيها شقيقه.
دخل الأب "آدم" بسرعة، لكنه حافظ على هدوئه. لم يُظهر أي ضعف حتى لا تنهار زوجته أكثر، أو يقلق ابنه الآخر.
سأل الطبيب عن حالة ابنه، فعرف أنه في مرحلة "النوم العميق".
صُدم آدم، وبدأ يتمتم لنفسه بصوت خافت:
ـ هل حان الوقت فعلًا...؟
ابتعد قليلًا، لكن بقي قريبًا من زوجته وابنه.
تمتم مرة أخرى:
ـ فعلت كل ما أستطيع... سهّلت العملية قدر الإمكان، فقط حتى لا تموت يا بني...
ثم تذكّر "إرث العائلة"، وتمتم:
ـ إذن، أنت الوريث حقًا... لكن احتمالية نجاتك هي 1%، واحتمال موتك 99%.
كان قد ضحّى بعمله ومستقبله لأجل أن يمنح ابنه فرصة للنجاة... لكن هل لا يزال هناك أمل؟
فجأة، سمع صوتًا مألوفًا يناديه من بعيد:
ـ يا قائد... أنت فعلًا هنا؟!
---
المحطة التالية: دعوات إلى الله من أجل الشفاء
---
"حسنًا، إذا أعجبك هذا الفصل، أخبرني بأفكارك!
(وآسف لأي أخطاء - سأصلحها!)
ماذا تعتقد في كلام آدم؟
إذا كنت تتابع منذ الفصل الأول، فسوف تلاحظ أن لا أحد يعرف حقًا ما يحدث...
إذن، هل عائلة عبدالله أو والده يعرفون شيئاً فعلاً؟
سأنتظر نظرياتك!