4 - الفصل الرابع: شيء غير متوقع، الإحباط، والرعب

في الخيمة

بعد سماع صوت ديفيد المليء بالحماسة، شعر كل من يعقوب وسوما بالترقب والأمل، متطلعين إلى اكتشاف قد يغير مجرى بحثهم. أسرعا إليه بفضول، متسائلين عن سبب انفعاله، خاصة أنه لم يُظهر أي حماس منذ ثلاثة أشهر.

كان ديفيد يجلس أمام جهاز الكمبيوتر، عينيه متسمّرتين على الشاشة التي تعرض المسح البيولوجي للهرم الأكبر من الداخل. بدا عليه الاستمتاع الكامل بما يراه، غير مكترث بأي شيء آخر.

عندما اقترب يعقوب وسوما، كانا يحملان آمالًا كبيرة، لكن سرعان ما تبددت عندما نظرا إلى الشاشة دون أن يفهما شيئًا. تبادلا نظرات الحيرة، ثم وجّها أنظارهما إلى ديفيد منتظرين تفسيره.

نظر إليهما ديفيد بابتسامة عريضة، وكأن العالم من حوله قد اختفى، ثم قال بحماس شديد وهو يشير إلى نقطة معينة على الشاشة:

"هل لا ترون ما أراه؟ انظروا بتمعن هنا!"

دقق سوما النظر في البيانات، ورغم قلقه، أدرك بسرعة أن ما يراه مألوف بطريقة ما، لكنه لم يكن متأكدًا. قبل أن يتمكن من التعبير عن استنتاجه، سبقه يعقوب قائلاً باندهاش:

"هل هذه... كهرباء؟!"

ارتفع حماس ديفيد أكثر، وقال بحماسة: "نعم! إنها كهرباء! هل تصدقون ذلك؟ كنت متأكدًا أن الشعور الذي راودني منذ طفولتي لم يكن مجرد وهم!"

حاول سوما مقاطعته، لكن ديفيد تابع حديثه بحماس جارف، وكأن شغفه أخذه إلى عالم آخر: "عندما كنت طفلًا، أحضرني والداي في رحلة إلى مصر، وعندما رأيت الهرم الأكبر لأول مرة، شعرت بانجذاب غريب، وكأن هذا المكان يناديني. كنت مقتنعًا أنني سأعود إليه يومًا ما. لهذا السبب كرست نفسي لهذا البحث!"

ثم أضاف، عينيه تتألقان بالحماس: "قرأت ذات مرة مقالًا يقول إن الهرم لم يُبنَ ليكون مجرد مقبرة، بل لشيء آخر تمامًا! لم أصدقه في البداية، لكن انظروا الآن! هذا هو الدليل! لقد اكتشفت شيئًا منذ ثلاثة أشهر، لكنني الآن متأكد! الهرم الأكبر لم يكن مجرد بناء عادي... لقد بُني لتوليد الكهرباء!"

كان يعقوب وسوما ينظران إليه في ذهول، لكن قبل أن يستوعبا كلامه بالكامل، انفجر سوما غاضبًا: "هل تمزح؟! هل نسيت لماذا نحن هنا؟! نحن نبحث عن السحر، والآن تخبرني بالكهرباء؟!"

ثم أضاف، صوته يحمل مزيجًا من الصدمة والرفض: "هل تتوقع مني أن أصدق أن حضارة عمرها أكثر من 7000 عام كانت تستخدم الكهرباء، بينما كانت الحضارات الأخرى لا تزال تعيش في الأكواخ وتعتمد على الأساطير والخرافات؟ هل تدرك حجم ما تقوله؟!"

لكن ديفيد لم يُظهر أي اهتمام بغضب سوما، بل استمر في حديثه بنبرة واثقة، وكأنه وجد غايته الحقيقية: "وليس هذا فقط... الطاقة هنا تكفي لتغطية استهلاك العالم لمدة 200 عام! بدون الحاجة لأي طاقة متجددة أو غير متجددة أو حتى نووية! هل تدرك ما يعنيه ذلك؟! سيصبح بإمكاننا إصلاح المناخ، وتحقيق طفرة تكنولوجية هائلة، وحل العديد من المشاكل العالمية!"

ساد الصمت للحظات، لكن بينما كان ديفيد غارقًا في أحلامه، كان سوما يمر بلحظة مختلفة تمامًا. بدأ يُعيد تحليل كل ما حدث منذ بداية الرحلة: والشعور الغريب الذي جعله يوافق على القدوم إلى هنا، وإحساس يعقوب الغريب الذي أخبره أن يذهبوا إلى مصر، وانجذاب ديفيد منذ طفولته إلى الهرم، والآن هذا الاكتشاف الذي يبدو أكبر من أن يكون مجرد مصادفة.

شعر سوما لأول مرة برعب حقيقي، إحساس غامض يخبره بأن هناك يدًا خفية تحرك كل شيء في الخلفية. أراد الهروب، لكن مجرد تفكيره بذلك جعله يشعر وكأن هناك شيئًا غير مرئي يراقبه، يقيده، يمنعه من الفرار.

أما يعقوب، فكان يفكر بطريقة مختلفة. لم يشغل نفسه بالتحليل العميق مثل سوما، بل كان تركيزه منصبًا على شيء واحد: "هل يجب أن نعلن عن هذا الاكتشاف أم لا؟"

نظر إلى ديفيد وسوما وقال بجدية: "علينا أن نقرر. هل سننشر هذا البحث؟"

أجاب ديفيد بحماس دون تفكير: "بالطبع! يجب أن يعرف العالم بهذا!"

أما سوما، فقد كان غارقًا في أفكاره، غير قادر على اتخاذ قرار وسط كل هذا التوتر.

أخذ يعقوب نفسًا عميقًا وقال: "حسنًا... سنخبر المجلس الأعلى للآثار غدًا. حتى لو كان هذا سرًا، لا يمكننا الاحتفاظ به لأنفسنا."

لم يكن يدرك أن الليلة القادمة ستكون الأصعب في حياتهم... وأن هذه لم تكن سوى البداية.

---

في المجلس الأعلى للآثار – غرفة الاجتماعات

جلس سبعة رجال حول طاولة ضخمة، الأجواء متوترة، والأنظار مصوبة نحو يعقوب، سوما، وديفيد.

قال أحد المسؤولين بنبرة صارمة وهو يحدق فيهم: "إذن، سيد يعقوب، سيد سوما، وسيد ديفيد... هل هذه المعلومات صحيحة؟"

أجاب ديفيد بحدة، وكأنه مستاء من مجرد السؤال: "هل تظنون أننا نمزح؟ هذا اكتشاف حقيقي، وقد قدمنا لكم جميع الأدلة اللازمة!"

حاول يعقوب تهدئته، مدركًا أن المسؤول أمامهم ليس شخصًا عاديًا. إلى جانبه، جلس رجل آخر بدا وكأنه يدرسهم بعناية، بينما بدا ضابط الأمن غير متأثر تمامًا بما يجري.

قال المسؤول ببطء، ناظراً إليهم بتمعن: "أنا أصدقكم، لكن... هل تدركون ما سيحدث إذا تم نشر هذا الاكتشاف؟ هل أنتم متأكدون من قراركم؟"

ديفيد، الذي بدا وكأنه لا يهتم سوى بإعلان الاكتشاف، قال بثقة: "بالطبع! ألا يفترض أن نحترم الاتفاقيات العلمية وقانون وساسية مصر؟ لدينا الحق في نشر هذا الاكتشاف، ولن نسمح لأحد بإخفائه!"

نظر الضابط إلى الرجل بجانبه، ثم تبادلا ابتسامة صغيرة قبل أن يقول المسؤول بصوت هادئ لكنه يحمل معنى مخيفًا:

"حسنًا اكيد سوف نحترم القانون والسياسة مصريه لا تقلق... بما أنكم متأكدون، سيتم عقد مؤتمر صحفي بعد أسبوع للإعلان عن الاكتشاف. حتى ذلك الحين، لا يُسمح لكم بالكشف عن أي تفاصيل. مفهوم؟"

أومأ يعقوب وسوما برأسهما، بينما ديفيد بدا سعيدًا بنجاحه في فرض رأيه.

---

في الممر خارج الاجتماع

تمتم المسؤول، وهو يسير بجانب مسؤول آخر: "هل تعتقد حقًا أن أجدادنا اكتشفوا الكهرباء؟ وهل تدرك حجم المشاكل التي سنواجهها إذا تم نشر هذا الاكتشاف؟"

أجابه المسؤول بتفكير عميق: "ولِمَ لا؟ أجدادنا فعلوا أشياء كثيرة لم نستوعبها بعد. أما المشاكل... فهذه مسألة وقت فقط."

لم يكن أي منهم يعلم أن ما ينتظرهم سيكون أكبر من مجرد "مشاكل"…

المحطة التالية: ضجة عالمية وطموحات وخطط خفية...

2025/04/16 · 18 مشاهدة · 893 كلمة
نادي الروايات - 2025