في القاعة الصامتة، المليئة بالهالة الملكية الخانقة، وقف الرسول الذي أتى بهذا الخبر أمام الملك. ملامح الغضب بادية على وجه الملك، وعيناه الباردتان تحدّقان بالرسول بلا ذرة رحمة.
تلاشت الهالة ونظرات الغضب تدريجيًا، ثم تكلّم الملك بصوت هادئ يحمل نبرة جليدية حادة لا تعرف التردد:
"ماذا قلت؟"
ارتبك الرسول، وحاول السيطرة على توتره وهو يقول:
"الأمير من أنبل السلالات، سلالة الأرض… لقد مات. ويُعتبر هذا الأمير أخاك من ناحية سلالة الأرض، يا مولاي."
أغمض الملك عينيه وأطلق تنهيدة طويلة، وصوته يحمل حزنًا عميقًا:
"لا، هو ليس مجرد أخٍ من ناحية السلالة… بل هو أخي بحق."
رفع بصره إلى سقف القاعة وكأنه يستحضر الذكريات، ثم قال:
"لقد فرّقتنا الأيام والصعوبات، وفي النهاية… لم نلتقِ يا أخي. لا أعلم إن كنتُ سأموت أنا أيضًا على يد العرق الذي قتلك… أم أن مصيري سيكون مختلفًا."
ثم نظر بهدوء إلى الرسول وسأله:
"كيف هي تطورات المناطق الدنيا حتى الآن؟"
أجاب الرسول بحزن وحزم:
"الوضع يزداد صعوبة على السلالات والأعراق الدنيا، يا مولاي. منذ عودة الاتصال بين عالم سيريس والأرض، وتواصل البشر مع بعضهم… تغيّرت موازين القوى.
كانت السلالات الدنيا هي من تقمع البشر، لكن الآن – مع تحالف بشر سيريس مع بشر الأرض وظهور تكنولوجيا جديدة تبدو من ابتكار البشر – أصبحوا أقوى، وشنّوا هجومًا مضادًا. والآن هم يقمعون السلالات الدنيا، وقريبًا سيسيطرون على مناطقهم، ثم ينتقلون إلى المناطق المتوسطة."
تنهد الملك اليتي وهو يسمع ذلك:
"إذن… حان الوقت. الأمور ستصبح أصعب من الآن فصاعدًا."
قال الرسول – الذي اتضح أنه مساعد الملك – بنبرة جادة:
"نعم يا مولاي. هذا هو العصر الجديد، عصر الارتقاء، حيث تتقاتل السلالات والأعراق فيما بينها لتصبح سلالة واحيدة وهي الأقوى، الأكثر تطورًا، والمميزة التي تنفرد بالسيادة على الكون.
ومن يصل إلى أعمق نقطة و المركز في عالم سيريس، إلى المركز المليء بالأسرار، سيصبح موحّد السلالات، ويقودها لمواجهة إمبراطوريات العوالم الأخرى التي تطمع في عالمنا."
ابتسم الملك اليتي ابتسامة باهتة وقال:
"لا أعلم إن كان يجب أن أشكر المصريين لأنهم حموا هذا العالم في الماضي ومنحونا فرصة لحماية أنفسنا… أم أكرههم لأنهم هم من وضعوا الحواجز التي منعتنا من قتل البشر والعودة إلى موطننا الأرض."
ثم ظهر الحنين في عينيه وهو يضيف:
"والآن قُتل أخي على يد البشر… سيكون الانتقام مثيرًا للاهتمام."
ثم التفت إلى مساعده وقال:
"الآن وقد بدأ عصر الارتقاء والتطور… فسوف تكن جميع السلالات في حالة تأهب واستعداد للقتال."
سأل الملك مساعده:
"كيف حال الأعراق الأخرى؟ وما هي خططهم تجاه المناطق الدنيا؟"
أجاب المساعد بتفصيل شديد:
"السلالات المتوسطة لم تعد تهتم بالمناطق الدنيا، بل بدأت تجهيزاتها لمواجهة البشر عندما يصلون إلى أراضيهم.
ولهذا أرسلت السلالات الدنيا استغاثة إلى السلالات العليا، فغضبت السلالات العليا وأرسلت إلينا أوامر بمساعدتهم."
ضحك الملك اليتي بسخرية:
"تظن السلالات العليا أننا حمقى؟ يريدون أن نقاتل مع السلالات الدنيا وننزف قوتنا في قتال البشر، بينما هم يرتاحون ويستعدون لقتال السلالات الفائقة.
السلالات الفائقة نفسها تتقاتل فيما بينها، لأن خطوه و احده تفصلهم علي ارتقاء وكل منها يريد أن يصبح السلالة المميزة والمنفردة في الكون.
السلالات العليا تحاول استغلال انشغالنا لنشنّ الحروب ونضعف أنفسنا… بينما هم يوجهون ضربة خاطفة السلالات للفائقة لتحقيق حلمهم بالارتقاء.
لكننا لسنا أغبياء. لن نسمح لهم بسهولة بجرّنا إلى هذه الفوضى."
قال المساعد:
"ربما… لكن إغراء أن تكون السلالة المميزة والمنفردة كافٍ ليحرك قلوب الكثير من السلالات. الأمر لا يعني فقط القيادة على جميع السلالات – دنيا أو متوسطة أو عليا – بل أيضًا امتلاك قوة وحظ عالم سيريس نفسه."
أجاب الملك اليتي بثقة:
"أعلم ذلك جيدًا. عالم سيريس يحدد قواعد الارتقاء السلالات و ايضا ما هي سلاله المميزة وفق قواعده الخاصة، ليس بالقوة وحدها أو الذكاء، بل بأسباب أخرى تحدد من يستحق التطور والارتقاء."
ثم سأل المساعد:
"إذن، ماذا نفعل بشأن رسائل السلالات العليا؟ نتجاهلها؟"
رد الملك اليتي:
"مستحيل تجاهلها. نحن أضعف بكثير من السلالات العليا، والفرق بيننا كالفرق بين السماء والأرض. كما أن الحواجز التي تفصل مناطقنا ليست قوية مثل الحاجز الذي وضعه المصريون لحماية البشر في مناطق الادني.
لذلك سنساعد السلالات الدنيا بالموارد والتكنولوجيا فقط."
قال المساعد:
"أمرك، يا مولاي."
ابتسم الملك وأومأ:
"نفّذ ذلك. والآن… ما الخبر الآخر الذي تحمل؟"
قال المساعد:
"يا مولاي، هناك خبر ثانٍ. لقد نظّمت السلالات المتوسطة مجلسًا ودعتنا للحضور، تحت قيادة سلالة التنانين."
تأمل الملك قليلًا ثم قال:
"إذن المجلس عُقد أخيرًا… آخر مرة كان قبل مئة عام. ما خطط التنانين هذه المرة؟"
أجاب المساعد:
"لا أظن الأمر يقتصر على رسائل السلالات العليا أو بداية عصر الارتقاء. يبدو أن سلالة جليدية أخرى قريبة منا تحاول استهدافنا وسرقة الأثر الذي اكتشفناه."
ابتسم الملك اليتي، وامتلأت عيناه بالغطرسة:
"حقًا؟ يبدو أن التنانين نسيت من نحن… نحن سلالة اليتي. أريد أن أرى كيف سيتعاملون معنا."
نهض الملك اليتي ببطء، وقال لمساعده:
"هيّا بنا إلى هذه الحفلة المثيرة."
وكانت عيناه تلمعان بعطش للقتال وجنون دفين.
انحنى المساعد باحترام، وانطلق ليحضّر موكب الملك متجهين نحو المجلس.
---
في قاعة فخمة مهيبة، حضر جميع زعماء وملوك السلالات المتوسطة لهذا الحدث الذي لم يُعقد منذ قرن كامل. جاءوا من شتى أنحاء المناطق المتوسطة، وكلهم يترقبون القرار الذي سيحدد مستقبل هذه المناطق…
من سيرتقي، ومن سيخسر مكانته ويهبط إلى مستوى السلالات الدنيا.
المحطة التالية: مجلس السلالات المتوسطة والنزاعات.
----
إذا أعجبكم الفصل، فأرجو إخباري، ولا تنسوا دعم الرواية لأنني أعمل عليها بجد.
هل تتذكرون عندما أخبرتكم أنني أُحضّر روايات أخرى لإصدارها قريبًا؟ حسنًا، في البداية، كانت لديّ خمس روايات في ذهني، لكل منها أفكار وأغراض مختلفة. كنتُ أخطط لإصدار إحداها قريبًا، لكن الخطط تغيرت، والآن الرواية رقم خمسة لديها أعلى فرصة للإصدار.
استُلهمت فكرة هذه الرواية من حدثٍ مهمٍّ وقع في مصر. استلهمت فكرتها الأساسية من ذلك الحدث، وصقلتها، وبدأتُ البحث والتخطيط لها، مع أنها لم تكن الرواية التي كنتُ أنوي إصدارها أولًا.
لكن ظهرت أخبارٌ تتحدث عن فكرة قريبه من هذه الرواية، وأنت تعرف هذا الخبر لأن الخبر أصبح مشهور الآن. بدأتُ أشعر أن هذه الرواية مُقدّرةٌ لها أن تكون - وهو ما قد يبدو غريبًا! لذا، ستكون هذه الرواية فكرةً جديدةً تمامًا تعكس المستقبل الذي قد نعيش فيه.
الآن، أريد أن أسمع رأيك:
هل أنشر هذه الرواية، أم أركز فقط على الرواية الحالية؟
أخبرني - سأتبع نصيحتك!