كانت كل الأنظار متجهة إلى مكان واحد.
التوتر والخوف كانا الشيء الوحيد الذي يسيطر على المجلس، حتى بدا وكأن الصمت هو الصوت الوحيد في القاعة.
العيون كلها كانت تحدق بجدية نحو كرسي حاكم منطقة الجليد.
وسؤال واحد يدور في عقول الجميع:
هل سنموت هنا؟
هل يملك ملك اليتي معجزة تمكّنه من قتال السلالات العالية؟
مرّت الدقائق ببطء قاتل، وقبل أن يتحدث ملك اليتي، قطع الصمت ملك التنانين مرة أخرى وقال:
"ليس هذا فقط، أيها السيد العملاق، وأنت أيضًا سيد مصاصي الدماء.
لقد علمنا أن ملك اليتي خائن للمناطق المتوسطة، ويتحالف مع البشر فعلًا!
يريد أن يحكم المناطق المتوسطة ويفعل ما يشاء ويقتل من يشاء.
إنه طاغية، وقح، شرير، يخون وطنه ويتحالف مع أعدائه.
لذلك أطلب من السلالات العالية قتله، وحمايتنا من شره."
هذه المرة لم تُصدم السلالات المتوسطة.
لقد اعتادوا على وقاحة ملك التنانين، بل كلما تحدث ازداد وقاحة أكثر.
قالوا في أنفسهم بسخرية مريرة:
"إذن هكذا هي الخطة... تم استدعاؤنا جميعًا لنعرف أن ملك اليتي خائن.
نقاتله جميعًا ونُهزم معه، ثم يُقتل، ويتبقى فقط ملك التنانين.
وعندما تعرف السلالات المتوسطة أن ملوكها وورثتها ماتوا،
سيثورون للانتقام من البشر، وتصبح الحرب حربًا مقدسة حقًا.
وهكذا تكون السلالات العالية قد قضت علينا، لكن لا يعرف أحد،
وتظهر أننا كأبطال المناطق المتوسطة ضحينا بأنفسنا لحماية مناطقنا،
ونكون شرارة الحرب مع البشر."
أدركوا الآن أن هذا المجلس، الذي بناه أسلافهم ليكون مقر حكمهم،
قد تحول إلى قبر جماعي لهم جميعًا.
تنهد البعض وقالوا في أنفسهم:
"لم نتخيل أن يكون هذا المكان، الذي صنعه أجدادنا لقيادة مناطقنا،
هو نفس المكان الذي يشهد نهايتنا ونهاية سلالاتنا."
ساد الحزن والاكتئاب واليأس وجوههم.
لقد قُتل أي أمل في النجاة.
تحدث العملاق بصوت جهوري موجّهًا كلامه لملك اليتي:
"أيها الخائن! أتخون جميع السلالات لأجل البشر؟
أنت تستحق الموت!"
مد يده ليحطمه، لكن أوقفه مصاص الدماء قائلًا:
"انتظر!"
نظر إليه العملاق ببرود وقال:
"ما معنى هذا يا مصاص الدماء؟ أريد تفسيرًا."
ابتسم مصاص الدماء بسخرية وهو يرد:
"ألا تلاحظ أن هناك شيئًا غريبًا بخصوص ملك اليتي؟
ماذا لو كان يملك حقًا ما يجعله قادرًا على قتالنا؟"
رد العملاق باستهزاء:
> "سلالة متوسطة تقاتل سلالة عالية؟
هل تظن أنه من البشر أو المصريين؟ إنه مجرد ملك يتي من سلالة متوسطة!"
قال مصاص الدماء بهدوء:
"لا يهمني. نحن هنا أيضًا لجمع المعلومات.
انتظر، فهو لن يستطيع الهرب على أي حال."
توقف العملاق منزعجًا لكنه لم يعترض.
ظل ينظر إلى ملك اليتي بعداوة.
بينما ينظر إليه مصاص الدماء و همس مصاصي الدماء في نفسه:
"غبي... عندما قمت بمهاجمته شعرت بخطر عظيم.
كأن دماء هذا اليتي تحمل سرًا ما."
ثم التفت إلى ملك التنانين وسأله:
"ما هي الآثار التي منع ملك اليتي استكشافها؟"
رد ملك التنانين بقلق:
"لا أعلم بالضبط، لكنه يمنع الجميع من استكشاف أثر حضارة واحدة فقط."
توقف مصاص الدماء، وتذكر الخطة.
هو يعرف أن كل ما يقوله ملك التنانين كذب، لكنه لم يهتم، فالغرض هو القضاء على الجميع.
ومع ذلك، راودته فكرة: لماذا يمنع ملك اليتي استكشاف هذا الأثر تحديدًا؟
هل يخفي شيئًا مهمًّا؟
ثم سأله:
"ومن أخبرك بذلك؟"
أشار ملك التنانين إلى وريث سابق لسلالة الأرانب الجليدية.
كان هذا الوريث يعلم أنه ارتكب خطأ فادحًا، وأن ما سيحدث الآن سيؤدي إلى إبادة الجميع.
اقترب مصاص الدماء منه بابتسامة باردة، مظهرًا جماله الساحر وبشرته اللامعة،
حتى بدا وكأنه ليس قاتلًا على وشك ذبحهم جميعًا.
قال مصاص الدماء بصوت منخفض وحاد:
"لماذا منع ملك اليتي استكشاف هذا الأثر؟ هل تعرف شيئًا؟"
ارتجف الوريث السابق بشدة، وفهم أن حياته وحياة سلالته على المحك لكنه لم يتكلم.
لاحظ مصاص الدماء ذلك فقال:
"لا تخف، سوف أحمي وأنقذ سلالتك بالكامل."
نظر إليه الوريث وأدرك متأخرًا الموقف.
علم أن ما يقوله ليس صحيحًا، وإنما في الحقيقة يهدده:
إذا لم يتكلم فسيُباد جميع أفراد سلالة الأرنب الجليدي.
ضغط على أسنانه وقال أخيرًا:
"هذا الأثر... هو أثر حضارة اليتي التي كانت على وشك أن تصبح سلالة عالية!"
ساد الصمت القاعة.
كانت هذه المعلومة صادمة للجميع، حتى ملك التنانين نفسه.
لأول مرة ظهر رد فعل حقيقي على وجوه السلالات المتوسطة،
وأضاء الطمع والإعجاب والحسد عيونهم.
"حضارة متوسطة كانت على بُعد خطوة واحدة من أن تصبح سلالة عالية؟
هل تدركون معنى هذا؟ هذه حضارة استوفت شروط عالم سيريس تقريبًا!"
آثار من هذا النوع نادرة جدًا، بل تعتبر كنوزًا في عالم سيريس.
ضحك البعض بمرارة وقالوا في أنفسهم:
"الآن نفهم لماذا منع ملك اليتي الجميع من الاقتراب.
لو كنا مكانه لفعلنا نفس الشيء، حتى لو كان الثمن فناء سلالتنا بالكامل!"
وليس هذا فحسب، فحضارة اليتي كانت على وشك أن تصبح سلالة عالية،
وملك اليتي من سلالة الأرض، أي أنه قد يصبح أقوى ويرتقي،
ويكون منافسًا حقيقيًّا وأحد أقوى الشخصيات في المناطق العالية.
ازدادت نظرات الإعجاب نحو ملك اليتي.
لم يكرهه أحد منهم على إخفاء السر، بل على العكس، شعروا أنهم لو كانوا في مكانه لفعلوا مثله.
وأعاد ذلك الأمل إلى قلوبهم:
إن نجا ملك اليتي، فإن مستقبله سيكون بلا حدود، وربما يغير مصير العالم.
لاحظ مصاص الدماء ذلك وشعر بالصدمة، وحتى العملاق بدت عليه الدهشة.
أعادوا تقييم ملك اليتي؛ ربما لديه فعلًا أوراق يستطيع أن يقاتلهم بها.
فهم يعرفون حقيقة قوة السلالات العالية ويعلمون مدى صعوبة الارتقاء إليها،
وهذا الأثر من أعظم آثار الحضارات في عالم سيريس، ينافس حتي آثار حضارات السلالات العالية نفسها.
وبينما الجميع مصدوم، أخذ مصاص الدماء نفسًا عميقًا،
ثم فجأة توقف وشم شيئًا غريبًا.
اتسعت عيناه بصدمة، وأخذ يلتفت حوله باحثًا عن مصدر الرائحة،
لكنها اختفت سريعًا وكأنها لم تكن موجودة.
ومع ذلك كان متأكدًا أنه شمها.
نظر إليه العملاق باستغراب وسأله:
"ما الأمر؟"
رد مصاص الدماء بصوت مسموع، ممتزج بالدهشة:
"أشم رائحة دماء بشرية!"
عمّ الذهول القاعة.
وجود البشر هنا مستحيل، فالحواجز تحميهم وتمنعهم من دخول المناطق المتوسطة!
بدأت الأفكار تتسارع:
هل يمكن أن يكون ملك اليتي خائنًا فعلًا ويتعاون مع البشر؟
حاول البعض إنكار ذلك، لكن ملامح السلالات العالية ظهر عليها القلق والرعب.
تذكروا قوة البشر وقوة المصريين، تبادلوا النظرات،
ثم نظروا إلى ملك اليتي وكأنهم قرروا قتله فورًا والعودة إلى مناطقهم العالية.
لكن قبل أن يتعمقوا في التفكير، قاطعهم صوت ضحكة عالية.
ضحكة ملك اليتي، الذي كان يبتسم بغطرسة ويضحك وكأنه يستهزئ بهم جميعًا.
توقفت كل الأفكار وحدّق الجميع فيه.
لقد أدركوا أن القتال على وشك أن يبدأ.
---
المحطة التالية: فشل أم نجاح؟
---
إذا أعجبكم الفصل، شاركوني آراءكم. أعلم أن الموضوع طويل جدًا وقد تشعرون بالملل، لكنه جزء مهم، لذا تابعوا القراءة. وأخبروني برأيكم في الفصل التالي!