مجرد ضحكة واحدة كانت كفيلة بتغيير أجواء المجلس بالكامل.
تحوّل الصمت القاتل إلى صدى ضحكة عالية مزّقت رهبة المكان، وكأنها كسرت القيود التي شلّت القاعة منذ البداية.
توقفت كل العيون عن الحركة، وظل الجميع صامتين.
لم يجرؤ أحد على مقاطعة صاحب الضحكة، وكأنهم ينتظرون ما سيقوله.
نظرات الترقب، الإعجاب، وحتى الشوق، ظهرت في عيون السلالات المتوسطة وهي تراقب ملك اليتي.
أما ملك التنانين فقد بدأ يشعر بالخوف، لم يعد متأكدًا من قوته أمام هذا الملك الذي لم يتزحزح من مكانه.
على وجوه السلالات العالية ظهرت علامات الحذر والجدية، وهو أمر لم يصدقه أحد لو انتشر خبرُه في عالم سيريس.
فكيف يمكن أن تخشى سلالتان عاليتان شخصًا واحدًا من السلالات المتوسطة؟
لو سمع الناس بهذا لاعتبروه نكتة أو سخرية... لكنه الآن حقيقة أمام أعينهم.
كل ذلك بسبب شخص واحد.
شخص صمت منذ بداية المجلس، اتُّهم بالخيانة، وحُكم عليه بالموت،
لكنه ظلّ ينظر للعالم وللأشخاص الذين يريدونه ميتًا بغطرسة لا حدود لها.
وعندما قرر أخيرًا أن يتحدث ويضحك، عمّ الصمت القاعة من جديد،
وكأنهم جميعًا كانوا مجرد بيادق على رقعة شطرنج يحرّكها هو منذ البداية.
إنه ملك اليتي.
ابتسم ابتسامة باردة، توقفت ضحكته، وأخذ ينظر إليهم وكأنه يشاهد عرضًا ممتعًا لا يخصه،
وكأنه مجرد متفرج وليس الرجل الذي ينتظر حكم إعدامه.
كان من المفترض أن يصبح مجرد شخصية تموت لتبدأ فوضى جديدة،
لكن بقوته قلب الطاولة وأصبح هو من يكتب القصة،
وأجبر الجميع أن يتحولوا إلى شخصيات جانبية تنتظر كلماته لتتبعها.
بدأ يتحدث ببطء، بلا أي استعجال، وكأنه يملك كل الوقت في العالم:
"حقًا كما قال سيد تحوت؟"
ساد الصمت المطبق، وانصدم الجميع من كلماته.
السلالات المتوسطة تبادلت النظرات بدهشة: من هو "سيد تحوت"؟
هل كان يعرف منذ البداية خطة المجلس؟
بدأت الشكوك تتسلل إليهم، ثم قال أحدهم بصوت مرتجف:
"هل يقصد الإله المصري القديم تحوت الذي مات منذ آلاف السنين؟"
سرعان ما أنكرت السلالات ذلك:
"مستحيل! لقد ماتت الآلهة المصرية في الحرب الكونية الأولى.
كيف يمكن أن يكون حيًا حتى الآن؟ أو ربما يتحدث عن وريث تحوت؟
لا، مستحيل! لم تترك الآلهة المصرية أي إرث عند موتها واختفائها."
لكن السؤال ظل يطارد عقولهم:
كيف يعرف ملك اليتي، الذي لم يتجاوز عمره 200 عام، شيئًا عن تحوت الذي عاش قبل آلاف السنين؟
أما السلالات العالية، فقد ظهرت عليها علامات الرعب.
اختفت هيبتهم فجأة، وكأن خوفًا خفيًا اجتاحهم جميعًا.
العملاق شعر برعب حقيقي؛ إحساس غامض أخبره أن هناك يدًا خفية تحرك كل شيء في الخفاء.
فكّر بالهرب، لكن بمجرد أن خطرت الفكرة بباله، شعر بشيء غير مرئي يراقبه ويقيده، يمنعه من الفرار.
وكأن العالم كله توقف.
وأدرك أن هناك شخصًا آخر غيره شعر بهذا الإحساس، لكنه لم يعرف من هو.
لم يعرف ماذا يفعل سوى أن يواصل النظر إلى ملك اليتي.
مصاص الدماء كان غارقًا في أفكار أخرى:
هل يمكن أن تكون الآلهة المصرية القديمة قد خططت لكل هذا منذ آلاف السنين؟
هل يعني ذلك أننا مهما فعلنا لن نقدر على الهرب من مصيرنا أو من خطتهم؟
هل حُكم علينا أن نشهد عودة البشر إلى السيطرة على عالم سيريس، وأن يصبح المصريون أقوى من الجميع؟
يعني منذ بدايه لم تمنحنا مصريين فرصه الارتقاء بمستوى اعلي
تذكر والده، ملك مصاصي الدماء، الذي كان يرفض دخول سلالتهم إلى هذه الخطة،
وكيف كان حزينًا عندما رفض الشيوخ سماعه وأصروا على منع البشر من العودة بأي ثمن.
تذكر كلماته الأخيرة قبل رحيله:
"لا أحد يستطيع الهرب من لعنة الفراعنة. كل ما تفعلونه مجرد هراء."
بدأ مصاص الدماء يدرك الحقيقة:
"هل هذا ما قصدته يا أبي؟ هل كان المصريون القدماء يعرفون كل شيء منذ البداية؟
هل هذه هي لعنة الفراعنة؟"
فقد القدرة على القتال، ولم يعرف ماذا يفعل.
"هل أهرب؟ لا... ماذا لو كانت خطتهم أن أهرب ثم أموت؟
أبقى هنا؟ ماذا لو كانت هذه الخطة أيضًا؟"
مجرد التفكير جعله يشعر بشيء غير مرئي يراقبه ويقيده.
نفس الإحساس الذي شعر به العملاق، نفس القيود الخفية.
لكن مصاص الدماء فهم الأمر أخيرًا:
إنها لعنة الفراعنة، ليست مجرد لعنة على السلالات،
بل على العالم والكون بأسره.
كل شيء يسير وفق خطتهم منذ البداية،
وعلى الجميع أن يتبع المسار الذي رسموه.
أصبح كل شيء واضحًا: ما شعر به سوما في بداية القصة،
وما شعر به العملاق ومصاص الدماء الآن... كلها كانت لعنة الفراعنة.
نحن ما زلنا في البداية فقط، ولا أحد يعرف إلى أين ستقودنا هذه الخطة.
ملك اليتي ظل يراقبهم ببرود، غير مهتم بمشاعرهم أو أفكارهم التي كانت واضحة على وجوههم.
ثم التفت إلى ملك التنانين وقال بسخرية:
"تظنون أنكم سلالة مقدسة لأنكم تنانين؟ و تحتقرون الجميع ،ولكنكم مجرد سحالي.
ترون أنفسكم أفضل السلالات، وأنكم عرق مميز ، تتعاملون مع الجميع كأعداء يردون موتكم و قلوبكم.
لكن في النهاية أنتم مجرد هجناء طُردتم من مناطق التنانين العالية ولا احد يردكم وغير مرحب بكم في أي مكان في مناطق العاليه،
وثم نزلتم على العيش في المناطق المتوسطة كأداة تمنعنا من الاتحاد.
قتلتم سكان منطقة الجبال بوحشية، استوليتم على أرضهم وادّعيتم أنها ملككم منذ البداية.
والآن تريدون قتلنا جميعًا والسيطرة على المناطق المتوسطة بالتحالف مع السلالات العالية؟
وتقولون عني أنا الخائن؟ هذا مضحك حقًا!
خُدع الجميع وتم جعلكم أساطير، لكن في النهاية أنتم مجرد سحالي وخنازير."
ساد الصمت القاعة، وتوقف الجميع عن التفكير ليستمعوا لكلماته.
ولأول مرة شعروا أنه على حق:
لو أنهم حموا سكان منطقة الجبال الأصليين منذ البداية، لما وصلت الأمور إلى هذه اللحظة ولم يتم تدنيس مكان الذي بناه الأسلاف.
ثم نظر ملك اليتي إلى السلالات العالية وقال بابتسامة متغطرسة:
"أنا ملك اليتي... والخائن الذي تتحدثون عنه.
ماذا كنتم تريدون أن تقولوا عني؟"
وقف ملك اليتي بكل ثقة وأضاف:
"وُلدت على الأرض، وتحديدا في جبال الهيمالايا... لكنني صُنعت في مصر."
وفي تلك اللحظة تغيّر شكله بالكامل،
أصبحت قوته مرعبة، ووقف كأنه وحش أسطوري على وشك إطلاق العنان لغضبه.
---
المحطة التالية: صنع في مصر
----
إذا أعجبكم الفصل، فأخبروني. أنتم تعرفون من أقصد في هذا الفصل. أعلم أن هذا الجزء طويل ولكنه مهم، ولن أدع البطل يستكشف العالم فحسب، بل سأجعل الجميع يستكشفون هذه الأجزاء. وأنتم، أيها القراء، ستكشفون الحقيقة كاملةً من خلال هذه الأجزاء.
هل لديك أي أسئلة؟ لا تنسَ الانضمام إلى خادم ديسكورد! إذا كانت لديك فكرة جديدة وتريد مساعدة أو نصيحة، فسأرشدك. استمتع بوقتك!