**مدينة بلاند.**
كانت أصوات الأقدام تتردد في مكان عميق ومظلم تحت الأرض. هؤلاء كانوا أعضاء مجلس التنانين، المعروفين أيضًا باسم **التسعة رؤوس**.
قال الرأس التاسع بينما كان ينظر حوله:
"لقد مشينا طويلاً... إلى أي عمق يمتد هذا المكان؟"
أجاب الرأس الثالث بهدوء:
"بالنظر إلى الوقت والمسافة، فنحن على عمق ألف متر تحت سطح الأرض."
ألقى الحاكم راي، الرأس الأول، نظرة جانبية عليهم ثم سأل:
"كم منكم يعرف تاريخ **سهول هال**؟"
رد الرأس الخامس وهو يربت على ذقنه:
"تاريخ سهول هال شبه معدوم. وفقًا للسجلات، كان هناك بلد قوي وُجد هنا في الماضي."
حاول الرأس الرابع تذكر ما قرأه في السجلات وقال:
"ذلك البلد كان يُسمى **قاعة القوة**. بخلاف ذلك، لا أعلم شيئًا آخر."
سأل الرأس الثامن:
"إذن هل قام أحد بمحو التاريخ؟ هل هي العائلة الإمبراطورية في المنطقة الوسطى؟"
واصل الحاكم راي النزول على الدرج بينما كان يستمع لكلماتهم. وبعد فترة، فتح فمه وقال:
"نعم، كان هناك بلد كبير في سهول هال منذ زمن طويل. لقد كان القوة المركزية في هذه المنطقة، وكان يُطلق عليه **قاعة القوة**. اختفت قاعة القوة بعد حرب مدمرة وقعت قبل وقت طويل.
"في الوقت الحالي، معظم الفصائل الكبرى في سهول هال كانت في الأصل جزءًا من قاعة القوة السابقة."
في تلك الحرب، مات عدد لا يحصى من الخبراء الأقوياء، مما حوّل هذه الأرض إلى حالتها الحالية. أرض قاحلة تفتقر إلى أي قوة حقيقية. ضعف خبراء هذه الأرض مع ضياع التعويذات وفنون القتال والتقنيات خلال الحرب. لا توجد أي فصيلة في سهول هال بأكملها قادرة على إنتاج خبير اخترق قيدًا عظيمًا، مثل **عالم القيود الأربعة**.
حتى إمبراطور العائلة الإمبراطورية في المنطقة الوسطى كان بالكاد عند ذروة **عالم القيود الثلاثة**. زيادة كثافة المانا لم تكن كافية لتحقيق اختراق بالنسبة له. لقد جعلته فقط أقوى قليلاً من الممارسين العاديين في عالم القيود الثلاثة.
ألقى راي نظرة جانبية عليهم وقال:
"بعضكم وصل إلى **القيد الثاني** بعد زيادة كثافة المانا، بينما البعض الآخر بلغ القيد الثاني منذ وقت طويل."
أومأت الرأس التاسع وقالت:
"صحيح، لكنه ليس كافيًا. عمري الآن أربعة وثلاثون عامًا وأعتقد أنني أستطيع تحقيق المزيد. لذا أخطط للذهاب إلى أي بلد كبير أو أراضٍ مقدسة للبحث عن كنوز أو تقنيات يمكن أن تساعدني على الوصول إلى **القيد الرابع**. الكنوز التي يمكننا العثور عليها هنا تناسب فقط **عالمي التسييل والتصلب**. هناك القليل منها يناسب **عالم القيود** لكنه غير كافٍ."
فجأة قال راي:
"لقد وصلنا."
رفع بقية الرؤوس أنظارهم ليجدوا أمامهم **بابًا من اليشم** العملاق، مغطى بمختلف الأختام والنقوش. كان ارتفاعه خمسين مترًا وعرضه عشرة أمتار. وفي الجزء السفلي من الباب، كان هناك باب صغير يتناسب مع حجمهم.
رغم أن باب اليشم كان مغلقًا، إلا أنهم شعروا بالرهبة التي تملأ الهواء. كان ثقيلًا ومُخيفًا. الكيان المجهول الكامن وراء هذا الباب يمتلك قوة تجعله ينظر إليهم وكأنهم مجرد نمل.
قال الحاكم راي بهدوء وهو ينظر إلى الباب العملاق:
"هذا هو السر الذي تناقله حكام **وادي المناجم** من جيل إلى جيل. إنه سر دفن عميقًا في ذاكرة الحكام السابقين."
قالت الرأس التاسع والبقية وعيونهم متسعة:
"هذا هو..."
شعروا بالضآلة أمام هذا الباب. لم يتوقعوا أبدًا أن شيئًا كهذا يختبئ في وادي المناجم.
قال الحاكم راي:
"لا يزال من المبكر أن تصدموا. وراء هذا الباب، ستعرفون ما الذي حدث خلال الحرب قبل ألف عام."
---
**مدينة القمح الأبيض.**
نجح كل من الشيخ غوان، يوكو، يِنكسا، والبقية في السيطرة على مدينة القمح الأبيض بمساعدة قوات الرأس الثاني. كانت معركة المدن الثلاث تقترب من نهايتها، إذ وقعت إحدى المدن في يد **مجلس التنانين**.
بدأوا بتنظيم جميع الموارد الموجودة في هذه المنطقة. وأصبح **منطقة التعدين** ملكية حصرية لمجلس التنانين، على أن تُسلم أرباحها إلى القوتين الرئيسيتين في المجلس: قوات الرأس الثاني وقوات الرأس السابع. نظرًا لأن هاتين القوتين كانتا العامل الرئيسي في غزو هذه الأرض، فقد خُصص لهما خمسون بالمائة من الأراضي.
أما النصف الآخر، فقد تقرر تقسيمه بين بقية الرؤوس التسعة.
استحواذهم على مدينة القمح الأبيض تسبب في زعزعة بقية الفصائل. وفي الوقت ذاته، بدأت الهجمات العنيفة على المدينتين المتبقيتين. بسبب وجود قوات الرأس الثاني وقوات الرأس السابع في مدينة القمح الأبيض، لم تتمكن هاتان القوتان من الانضمام إلى المعارك في المدينتين الأخريين مؤقتًا.
إذا غادرت تلك القوات المدينة، فسيكون هناك احتمال كبير أن تهاجمها الفصائل الأخرى. لذلك، وحتى يتم بناء تحصينات دفاعية قوية، قررت قوات الرأس الثاني وقوات الرأس السابع البقاء في المدينة إلى حين ترسيخ وجودهم بالكامل.
كان الشيخ غوان يقف على قمة سور المدينة، ينظر إلى الأرض الممتدة أمام عينيه. على الأفق، كان يمكنه رؤية جيش يراقبهم من بعيد. كان يدرك السبب.
**فرق الوحوش البرية** و**فرق السحرة** أظهرت قوتها العسكرية العنيفة في هذه المعركة. انتشرت أخبار إنجازاتهم في المدن الأخرى، مما جعل بقية الفصائل تتوخى الحذر منهم. انتشر الحديث عن قوتهم المدمرة وقدراتهم "شبه الخالدة" كالنار في الهشيم.
تمتم الشيخ غوان:
"هكذا نحن نظهر أنفسنا تدريجيًا في هذا العالم..."
لو أن عشيرة السحرة امتلكت هذه القوة العسكرية في عالمه الأصلي، ربما كانت قد تمكنت من غزو كل شيء باستثناء **الزنزانة الوحشية**.
لم يكن يتوقع أبدًا أن **العالم الإلهي** الذي تحدثت عنه الأساطير موجود بالفعل.
قطع أفكاره صوت من خلفه:
"هل هناك ما يشغل بالك، يا سيد غوان؟"
استدار الشيخ غوان ليجد أنه **الرأس الثاني** من بين الرؤوس التسعة، أحد القادة الأعلى مرتبة في مجلس التنانين.
قال الشيخ غوان وهو يحدق في الجيش البعيد:
"كنت فقط أراقب ذلك الجيش، أتساءل إذا كانوا سيهاجموننا أم لا."
أجاب الرأس الثاني بينما كان يراقب الجيش المكون من مئات البشر والديميين:
"على الأرجح لن يهاجموا. هم هنا فقط ليمارسوا ضغطًا علينا كي نبقى هنا، حتى تتمكن الفصائل الأخرى من غزو المدينتين المتبقيتين."
رفع الشيخ غوان حاجبيه وسأل:
"إذن إذا أرسلنا بعض قواتنا، سيهاجموننا؟"
"هذا هو مخططهم بالتأكيد. إما إبقاؤنا هنا أو استدراجنا لمهاجمة المدن الأخرى كي يتمكنوا من السيطرة على هذا المكان. مهاجمة المدن الأخرى يعني تقسيم قواتنا، وهم يبحثون عن هذه الفرصة بلا شك. على أي حال، سنبقى هنا لبعض الوقت." قال الرأس الثاني بثقة.
"فهمت..." أومأ الشيخ غوان. ثم تذكر شيئًا وسأل:
"ماذا عن القرى والبلدات المحيطة بالمدن الثلاث؟"
رد الرأس الثاني بنبرة عادية:
"أوه، تلك الأماكن؟ أصبحت مواقع معسكرات للفصائل المختلفة."
فيما يتعلق بهذا الموضوع، لم تستطع القرى والبلدات مقاومة القوة المهيمنة للمدن. كان أقوى خبير في تلك القرى والبلدات بالكاد يصل إلى **الرتبة B** منخفضة المستوى. بعضهم حتى أطلقوا على أنفسهم لقب النبلاء وأنشؤوا إقطاعيات، لكن أقوى خبرائهم كانوا مجرد مقاتلين في قمة **الرتبة B**.
في أعين المنظمات المهيمنة، كانوا جميعًا مجرد نمل يمكن استغلاله في أي وقت. الوضع كان سيختلف لو أن هؤلاء "النبلاء المزعومين" امتلكوا خبراء أقوياء في عائلاتهم. في هذه الحالة، كانت المنظمات المهيمنة سترحب بهم على أراضيها بأذرع مفتوحة.
قطع أفكارهم صوت خطوات سريعة بجانبهم. التفت الشيخ غوان والرأس الثاني ليجدوا أحد الحراس يقترب منهما على عجل.
سأل الرأس الثاني:
"ما الأمر؟"
نظر الشيخ غوان إلى الحارس بفضول وهو ينتظر منه أن يلتقط أنفاسه. يبدو أن الأمر مهم، وإلا لما تجرأ الحارس على مقاطعة حديثهما.
قال الحارس بصوت متقطع:
"س-سيدي الرأس الثاني، لقد عاد الكشافة!"
سأل الرأس الثاني بهدوء:
"وما تقريرهم؟"
أجاب الحارس بنبرة مرتجفة:
"القبائل المختلفة في **غابات الأرض** ظهرت وهاجمت حدود **وادي المناجم**! إحدى المدن سقطت بالفعل في أيديهم!"
صاح الرأس الثاني والشيخ غوان بصدمة:
"ماذا؟!"
أضاف الحارس:
"يقول التقرير إن قبيلة قوية وحّدت كل القبائل في غابات الأرض، والآن... يخططون لغزو وادي المناجم!"
ساد الصمت بين الرأس الثاني والشيخ غوان. لم يتوقعا هذا الحدث المفاجئ. الغارات من تلك القبائل ستتسبب بلا شك في أضرار جسيمة لوادي المناجم.
كان عليهم التصرف بسرعة.!
__________________________
ترجمة = الفارس الملعون
اسف علي التأخير