كان هناك العديد من المحققين في موقع الحادث، جميعهم يسعون للعثور على أي دليل قد يقودهم إلى الجهة المسؤولة عن سقوط تحالف القبائل الثلاثي.
تمكن سوتا من التسلل بسهولة. لم يكن الحراس سوى من الرتبة "ب"، مع قلة نادرة من الرتبة "أ"، ورغم وجود ضابط رفيع من الرتبة "س" مكلّف بالتحقيق، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإيقافه. لقد أخفى سوتا جزءًا كبيرًا من طاقته باستخدام أساوره لكبح قواه الهائلة.
"هذا..." تمتم سوتا، وقد ضيّق عينيه.
رغم أن طاقة المانا المتبقية في المكان كانت على وشك التلاشي، إلا أنه لا يزال يشعر بوجود قوة كامنة في الهواء، قوة لا يمكن لخبير عادي امتلاكها. تقدم خطوات أخرى حتى لمح بعض العلامات على أنقاض الجدران. كانت حمراء اللون، مألوفة إلى حد غريب، لكنها غير مكتملة بسبب تدمير المكان. بدت له كقطع أحجية متناثرة.
"أين رأيت هذا الشيء من قبل...؟"
تابع البحث حتى عثر على صخرة أخرى تحمل نفس العلامات الحمراء، جمع التفاصيل في ذهنه، محاولًا فهم ما يربط بينها، حينها دوّى صوت سايا في ذهنه:
"هل نسيتها؟ هذه العلامة جزء من طقوس التضحية بالدم."
تقلصت حدقتا سوتا. نعم، كانت تلك هي نفس العلامات التي رآها في مدينة الخط الأبيض بعد أسر أعضاء جماعة "الغراب عديم الأجنحة".
"تضحية بالدم، إذن لقد ضحّوا بكل أفراد تحالف القبائل الثلاث... لكن ما الغرض من الطاقة التي جمعوها؟"
ومع ذلك، لم يشعر بأي طاقة خارجة من طقوس التضحية، مما يعني أن المهاجم لم يستخدم تلك الطاقة بعد. أدار رأسه نحو الأفق، مُدركًا أن المنظمة المجهولة لم تحاول حتى إخفاء آثارها، بل تركت الفصائل الأخرى تتخبط في تفسير ما حدث. لا شك أنها ستظهر قريبًا.
"لقد أزالوا العقبة الأكبر في أرض الربيع... مملكة هيرو."
كان تحالف القبائل يسعى لتوحيد الفصائل وتزويدها بالموارد، ولو أُتيح له الوقت الكافي، لأصبح تهديدًا حقيقيًا للمنظمة المجهولة. ولذلك، قرروا القضاء عليه مبكرًا.
"لكن ماذا عن الذي وحد قبائل الغابات الأرضية؟" تمتم سوتا وهو يفرك ذقنه.
بحسب معلومات ملك الموت، فإن للمنظمة يدًا في ذلك أيضًا، وهي الآن تشن حربًا ضد وادي الألغام.
"الجهة التي ستجني الفائدة الأكبر من كل هذا... هي تلك المنظمة. فالحرب وسيلة فعالة لطقوس التضحية بالدم. كل من يموت فيها يصبح قربانًا." قالت سايا.
"إذاً سأذهب إلى مملكة هيرو، سيكون هدفهم التالي القضاء عليهم والتضحية بكل من فيها." قالها سوتا بصوت منخفض، ثم استدار وطار نحو السماء مُطلِقًا طاقته فجأة.
شعر كل من في المنطقة بالضغط الهائل المنبعث منه، لكنه لم يُبالِ، فالأهم الآن هو الوصول إلى مملكة هيرو في أسرع وقت ممكن.
...
كان سقوط تحالف القبائل الثلاث بمثابة زلزال هزّ أرض الربيع بأكملها، متسببًا في توقف النزاعات بين الفصائل المختلفة، لكن التوتر ظلّ خفيًا يملأ الأجواء. الجميع كان يشعر بأن حربًا أكبر قادمة. بدأت المنظمات في تعزيز دفاعاتها، والناس البسطاء في الشعور بالخطر.
في مملكة هيرو...
كانت الأميرة يانييسفيل جالسة في غرفتها تحدّق من النافذة. شعور سيئ ينتابها، كما لو أن عاصفة وشيكة تسبقها هذه السكينة المصطنعة.
تنهدت ثم نهضت وتوجهت نحو غرفة والدها الملك. طرقت الباب بلطف.
"ادخلي." جاء صوت والدها من الداخل.
فتحت الباب ببطء فرأت الملك جالسًا على كرسيه وظهره لها. دخلت وأغلقت الباب خلفها.
"أبي..."
"ماذا تريدين؟" سأل الملك بعد برهة، دون أن يلتفت إليها.
"أنا... سأغادر المملكة." قالتها بعد تردد، لكنها كانت قد حسمت أمرها.
"هل هذا بسبب ما حدث في الأطلال القديمة؟" سأل دون أن ينظر إليها.
"نعم، لا أعلم السبب، لكن هؤلاء الناس يستهدفون شخصيات مهمة من المنظمات العُليا. أشعر أنهم سيأتون من أجلي عاجلاً أم آجلاً."
كانت تعرف أن الرجل الغامض في الأطلال كان يستهدفهم، الناجين من التجربة الأخيرة، وكان هي و"دريم" الوحيدين المعروفين من أولئك الناجين. لكن دريم اختفى مع قاعة "تشان العظمى"، لذا من المرجح أن تكون هي الهدف التالي.
كانت تشك أن المنظمة نفسها هي من دمّرت تحالف القبائل الثلاث. لكنها لم تكن تملك أدلة كافية، ولهذا قررت المغادرة والبحث عن الحقيقة.
"هل أنتِ متأكدة من قرارك؟" سألها الملك مجددًا.
"نعم، من الأفضل أن أغادر. لن أخبر والدتي، لأنها ستحاول منعي. فقط أعلن لاحقًا أنك طردتني من المملكة."
استدار الملك ونظر في عينيها طويلًا، ثم قال:
"حسنًا، سأحترم قرارك."
"شكرًا، يا أبي." انحنت الأميرة احترامًا.
تحدثت مع والدها قليلاً ثم عادت إلى غرفتها لتبدأ بتجهيز أغراضها. كانت تخطط للعودة إلى الأطلال القديمة، فهي المكان الوحيد الذي قد يمنحها خيطًا يقودها إلى الحقيقة.
كانت تملك بعض المعلومات: حين علمت قاعة الرعد أن "هيرمو" لم يعد، حاولوا دخول الأطلال، لكن تم رفضهم بطريقة غامضة. فيما بعد، عُثر على جثث خبرائهم ممزقة بشكل وحشي لدرجة يصعب معها التعرف عليهم، لولا شاراتهم وثيابهم.
"إيريس، خذي هذا واذهبي إلى قاعة الكنوز، أريد سيف "كريستال كرين"." قالت الأميرة وهي تسلّم خادمتها شارة صغيرة.
"كما تأمرين، مولاتي." أجابت إيريس بانحناءة، ثم غادرت.
ركّزت الأميرة على ما ستأخذه معها: إلى جانب سيفها من الدرجة الحمراء، أحضرت عددًا من الجرعات: مانا، علاج، سحب دخاني، وانفجارية.
وبعد دقائق، عادت إيريس وهي تحمل سيفًا ملفوفًا بضمادات كثيفة. كان هو: سيف الكريستال كرين.
"ضعيه على الطاولة." أمرتها الأميرة.
لكن فجأة، شعرت بوخز حاد في بطنها. نظرت إلى الأسفل لتجد نصلًا يخترق جسدها، ودمها يسيل من فمها بينما تدير رأسها ببطء نحو الجاني.
"إ... إيريس..." همست بذهول، فرأت خادمتها تمسك بمقبض السيف.
لقد طعنتها. السيف الأحمر مزّق دفاع جسد الأميرة بسهولة. لو كان سلاحًا أقل درجة، لكانت إيريس مضطرة لضخ مانا فيه، مما كان سينبّه الأميرة إلى نيتها.
"لِماذا...؟ لقد كنتِ بجانبي لخمس سنوات..." سألتها يانييسفيل بصوت مكسور.
"سامحيني، أميرتي... لقد أخذوا عائلتي. لم يكن لدي خيار آخر..." قالت إيريس ويداها ترتعشان.
فكرت الأميرة في الأمر: لم تقتلها إيريس فورًا، يبدو أنهم يريدونها على قيد الحياة.
"نعم، يريدونك حيّة مقابل حياتي عائلتي." أجابت إيريس بصوت خافت، وهي ترخي قبضتها.
ابتسمت يانييسفيل فجأة، ثم استدارت بسرعة ولكمت إيريس بقوة!
بوووم!
__________________________
ترجمة=الفارس الملعون