"ماذا قلت؟" ضيّق سوتا عينيه وسأل أليس مجددًا عبر تعويذة الاتصال.
"مدينة القمح الأبيض سقطت. قواتنا هناك أُبيدت بالكامل، ولم ينجُ سوى القليل من المحظوظين. خسرنا الكثير هذه المرة. أنا مستعدة لتلقي أي عقوبة." قالت أليس.
كانت تشعر فعلًا أن الخطأ خطؤها. بينما كانت تستمتع بفوائد القاعدة تحت الأرض، كان الآخرون يقاتلون من أجل حياتهم. ولو أنها بقيت، ربما كانت ستتمكن من مساعدتهم في الوقت المناسب قبل أن يُبادوا.
لكن ذلك بدا مستحيلًا... لأن حتى كيسا...
"لا بأس. ليس خطأك. فقط لم نتوقع أن العدو سيهاجمنا مباشرة." قال سوتا لها عبر تعويذة الاتصال.
"الشيخ جوان... لقد مات. يينكسا مفقودة. يوكو مصابة. وكيسا..." توقفت أليس.
"ما الأمر؟ ماذا حدث لكيسا؟" سأل سوتا.
"لا أعلم. من الأفضل أن تأتي بنفسك." لم تستطع أليس شرح حالة كيسا له. كانت غريبة، ولم تصادف شيئًا مثل هذا في حياتها.
"حسنًا، سآتي فورًا." قال سوتا. أنهى الاتصال بسرعة وانطلق في الهواء كالصاروخ.
بووم!!
اهتزت الأرض وانفجرت طاقته. صُدمت الأميرة يانيسفيل والبقية من هذا التغير المفاجئ. لم يعرفوا حتى لماذا غادر سوتا فجأة بتعبير مرعب على وجهه.
...
لم يكن سوتا قد تعافى بالكامل بعد، لذا كانت سرعته أبطأ من المعتاد. حاول استخدام ما تبقى لديه من طاقة، لكن بدا الأمر عديم الفائدة. لم يستطع حتى تجاوز سرعته العادية السابقة.
وعندما وصل إلى مدينة القمح الأبيض، كان أعضاء الأستروس وعملاء مجلس التنانين حاضرون هناك. نزل إلى الأرض بينما اقتربت منه أليس. كانت قد شعرت بوصوله، لذا أسرعت لتحيته.
"هذا..."
حدق سوتا في المدينة أمامه. كانت مدمرة وكل شيء فيها تقريبًا تحول إلى خراب. الجثث منتشرة في كل مكان ورائحة الدم الكثيفة تملأ الهواء.
نظر إلى الأسفل فرأى جثة أمامه. كانت جثة الشيخ جوان. شيخ عشيرة السحرة الذي رافقهم، قُتل على يد مجموعة مجهولة.
جسد الشيخ جوان مليء بالثقوب. يبدو أنه عانى كثيرًا قبل أن يموت.
أليس، التي كانت واقفة بجانب سوتا، نظرت إلى تعبير وجهه لكنها التزمت الصمت. لم تجرؤ على قول أي شيء.
"الشيخ جوان... كان الأقرب لأماندا. وهو من ساعدنا عندما كنا نقاتل زعيم عشيرة السحرة..." قال سوتا بنبرة خالية من أي مشاعر. كان يحدق في الجثة بعينين فارغتين.
"أين يوكو؟" نظر سوتا إلى أليس وسأل.
"اتبعني... إنها على قيد الحياة، لكن لا أعتقد أنها ستستيقظ قريبًا. الطفيلي بداخلها استُنزف بالكامل، لذا لم يستطع إصلاح جسدها تمامًا." شرحت أليس.
سار الاثنان في الأرض القاحلة وتوقفا أمام كوخ بسيط.
كان جسد يوكو الضخم ممددًا على سرير ناعم. جسدها مليء بالجراح، وكان هناك من يسكب عليها جرعات علاجية، بالإضافة إلى معالجين يلقون تعاويذ الشفاء.
حدق سوتا في يوكو للحظات، ثم استدار وقال:
"أرشديني إلى كيسا... أحتاج لفحص حالتها أيضًا."
كانت يوكو بخير الآن. لن تموت لكنها لن تستطيع تحريك جسدها لفترة بعد أن تستيقظ. إضافة إلى ذلك، فقد أدّت أداءً جيدًا في المعركة. لقد ارتقت إلى مستوى أعلى، لكن خصوم هذه المرة كانوا أقوى بكثير.
كانت تسير على الطريق الصحيح، وبحلول الوقت الذي تستفيق فيه، ستكون قادرة على تقوية نفسها بدرجة كبيرة.
كانت حالة كيسا غريبة بحسب قول أليس. وكان عليه أن يفحصها، وإن لم يتمكن من فهم حالتها، فـ"سايا" معه، وهي تمتلك معرفة واسعة وتعلم الكثير.
توقف سوتا عن السير بينما تذكّر شيئًا. كلمات "درايموند" بدأت تستقر في ذهنه وبدأت قطع الأحجية تتصل ببعضها. صار لديه فكرة غامضة عمّا يجري هنا.
ويبدو أن قاعة القوة هي من تقف خلف هذا كله.
نظر سوتا إلى أليس وسأل:
"هل تعرفين ما إذا كانت هناك هجمات على مدن أو مناطق أخرى؟"
ضيّقت أليس عينيها محاولة تذكّر شيء:
"لا أذكر شيئًا كبيرًا حدث في مدن أخرى. الشيء الوحيد المثير للانتباه هو هجوم قبائل غابات الأرض." قالت.
"يبدو أنني كنت محقًا... قاعة القوة خلف كل هذا." تعمّق العبوس على وجه سوتا.
التهديد الأعظم... هل يمكن أن يكون...؟
---
قبل يومين...
كانت مدينة القمح الأبيض محمية بشدة من قبل قوات الأستروس. ورغم أنهم كانوا يحمون المدينة، إلا أن بعضهم كانوا مسترخين لأنهم لن يشاركوا في الحرب ضد قبائل غابات الأرض.
مع ذلك، كان البعض يتساءل عن حالة الجبهة. فالقبائل كانت قوية وتمتلك عددًا لا يُحصى من المحاربين. كل واحد منهم شرس ويحترم القوة.
في ذلك الوقت، دخل شخصان مدينة الخط الأبيض دون أن يلاحظ وجودهم أحد. وكأن الناس من حولهم لم يروا شيئًا أبدًا.
كان الاثنان يرتديان أردية بيضاء تُخفي ملامح جسديهما. نظروا حولهم.
"حقًا، المختارة موجودة هنا..." قال أحدهما، ورفع غطاء رأسه كاشفًا عن شعر أشقر وأذنين قططيتين. كان يُدعى "درايرين".
"لم أظن أننا سنشهد عودة إمبراطورنا بهذه السرعة. لا بد أنها الأقدار التي قادتها إلى هنا." قال الآخر. وقد كشف هو الآخر عن وجهه الشاحب وشعره الأسود وعيناه الحمراوان. اسمه "راغنيس".
"هل نبدأ الآن؟" سأل درايرين.
"ماذا عن التهديد الأعظم؟ كيف سنواجهه؟" رد راغنيس بسؤال.
"السيد درايموند أرسل بعض الأشخاص للتعامل مع ذلك الوحش. سيستخدمون طاقة التضحية الدموية ويضحون بأنفسهم إن لزم الأمر." قال درايرين.
"آه، أن تضحي بنفسك من أجل المصلحة العامة... كم هو تصرف وضيع." ابتسم راغنيس.
"حسنًا، لنبدأ مهمتنا الآن..." قال درايرين بابتسامة على وجهه.
ثم اختفى الاثنان فجأة من مكانهما.
أوووم!!
كانت يينكسا في غرفتها جالسة في وضعية زهرة اللوتس. كانت تُدوّر طاقتها داخل جسدها لتنقية كل خلية من عظام وعضلات.
فجأة، فتحت عينيها ورأت شخصين أمامها. كانا يرتديان أردية بيضاء وعيونهما مليئة بالفضول.
"ماذا؟! من هؤلاء؟!"
صُدمت يينكسا. وقفت بحذر وحدّقت بهما. لم تعرف كيف دخلا إلى غرفتها. وهذا لا يعني سوى شيء واحد: هذان الشخصان يتجاوزان مستواها بكثير.
وكان هناك شيء مؤكد: لم يأتِ هذان بنوايا طيبة.
دون تردد، فتحت مسامها وخرج منها غاز أخضر ملأ الغرفة كلها. ولوّحت بيدها لتلقي تعاويذ سحرية.
"تُهاجميننا بمجرد أن رأيتِنا؟ أنت عدوانية جدًا. كما هو متوقع من وحش. أنت إقليمية." قال راغنيس بينما مدّ يده.
نظرت يينكسا إلى الأعلى وبدأت شحوبٌ يظهر على وجهها.
ما إن رفع راغنيس يده، حتى انفجرت كمية هائلة من المانا، وبدأت تطغى على طاقة "الفيرام" القادمة من يينكسا. تصادمت الطاقتان وسوّت المبنى بالأرض في اللحظة التالية.
بوووم!!
جذب الانفجار انتباه الخبراء في المدينة. أسرعوا نحو مصدره، وعندما وصلوا، رأوا شخصين برداء أبيض. أحدهما كان يمسك بـ يينكسا من عنقها.
"السيدة يينكسا!!" صرخوا.
استدار راغنيس، الذي كان يمسك بـ يينكسا، وقال:
"أوه، يبدو أنهم وصلوا. حسنًا، لنُنهي هذا بسرعة."
"آغ!" تأوّهت يينكسا من الألم وهي تحاول المقاومة بكل ما لديها.
"مهما كنتِ المختارة، مستواكِ لا يزال أدنى من مستواي بكثير، فلا تفكري حتى في قتالي." قال راغنيس وهو يضغط أكثر على عنقها.
"السيدة يينكسا!!" اندفع الخبراء بقوتهم الكاملة.
أخيرًا، تحرك درايرين الذي كان يراقب من بعيد. ظهر بسرعة أمام الخبراء، ويداه تضيئان بضوء أزرق.
[ضربة الأرض الهابطة]!!
تحول السماء فجأة إلى الظلام، وانخفضت حرارة الجو. وفي اللحظة التالية، مئات الصخور الجليدية سقطت كأنها نيازك.
"موتوا! لا مكان لكم في عالمنا."
اصطدمت كتل الجليد بالأرض بسرعة مجنونة. حاول الخبراء إذابتها بالنار، لكنهم فشلوا. قوتهم كانت ضئيلة جدًا لمواجهة هجوم درايرين.
فجأة، ظهرت شبكة طاقة ضخمة فوقهم ودمرت بعض كتل الجليد. وهبط شخص أمامهم لمواجهة درايرين.
"ابتعدوا جميعًا، سأواجهه. مستواهم أعلى بكثير منكم."
كان هذا الشخص هو الشيخ جوان من عشيرة السحرة.
_____________________
ترجمه=الفارس الملعون