---
لم تكن قوة ذلك المقذوف شيئًا يمكن لإيليش أن تستهين به. فقد تَسبَّب في تشقق حاجزها بضربة واحدة فقط، هذا بالرغم من أنه أُطلق من مسافة بعيدة جدًا.
قالت إيليش للرأس الثامن:
"أنهِ أمرهم بأسرع وقت. سأهتم بالباقي."
"مفهوم." أومأ الرأس الثامن، وركز انتباهه على الخبراء الأربعة الذين أمامه. ابتسم وهو يشعر بأن هالته أصبحت أقوى بكثير من ذي قبل.
"أعطني دقيقة واحدة وسأنهي كل شيء."
رفعت إيليش حواسها لأقصى حد وهي تحشد طاقتها في عصاها السحرية.
أوووم!
في اللحظة التالية، أُطلقت عدة مقذوفات من مكان بعيد مرة أخرى. لوحت إيليش بعصاها، فظهر قبة ضخمة نصف شفافة، قامت بصد جميع المقذوفات.
بوووم!! بوووم!! بوووم!!
دوّت سلسلة من الانفجارات، وسرعان ما انهار الحاجز خلال ثوانٍ قليلة.
هذه المرة، أشارت إيليش بعصاها نحو مصدر المقذوفات.
"خُذ هذه!"
ألقت تعويذة قوية في غمضة عين.
ظهرت عدة تنانين مائية حولها، وانطلقت في اتجاه العدو، لكنهم اعترضوها في الجو.
بانغ! بانغ!
أُسقِطَت التنانين في السماء، مُحدثة دويًا صاخبًا في الأرجاء.
لكن إيليش لم تنتهِ بعد. اتخذت وضعية هجومية كاملة، وبدأت في إنشاء دوائر سحرية متتابعة.
أوووم!
بصفتها ساحرة من مستوى القيود المزدوجة، كانت إيليش خبيرة في القتال متوسط إلى بعيد المدى. وكانت قدرتها على القصف التعويذي تُعد من أعلى ما يمكن أن يصل إليه شخص في عالم القيود المزدوجة.
بوووم!!
مثل قنبلة هائلة، ارتفعت سحابة فطرية من السماء على بعد عشرات الكيلومترات. أطلقت إيليش قصفها الكامل من تعاويذ المستوى الثالث.
كان دمارًا محضًا.
وصل قطر الانفجار إلى كيلومترين، بينما انتشرت موجاته الصادمة أبعد من ذلك، متسببة في دمارٍ أوسع.
ضيّقت إيليش عينيها وهي تراقب المشهد. كانت تتساءل عمّا إذا كانت قد قضت على العدو أم لا. فالمقذوفات لم تكن تعاويذ ولا فنون قتالية، بل كانت أسلحة، تشبه قنابل التركيز المانوي الموجودة في حصن الحُماة التابع للأستروز.
"من يستخدم هذه الأسلحة ربما ليس من مستوى القيود... وإن لم أتمكن من القضاء عليه، فلا بد أنه كسر القيود."
تمتمت إيليش بصوت خافت. وفجأة، رفعت رأسها ورأت عدة ظلال عالية في السماء، تهبط بسرعة جنونية.
"ذلك..."
كانت جميعها مقذوفات العدو. هذه المرة، كان هناك أكثر من ثلاثين قنبلة تتجه نحوها. ربما كانت قادرة على صد عشر منها فقط، لكن إن انفجرت جميعها، فسوف يتسبب ذلك في دمار هائل.
"من أين حصلوا على كل هذه القنابل...؟"
قالت إيليش بقلق. لم يعد بإمكانها السماح لتلك القنابل بالاقتراب أكثر. فأطلقت شعاعًا من اللهب نحوها.
سوش!
أصاب اللهب إحدى القنابل، فانفجرت، وتسبب ذلك في تفاعلٍ متسلسل أدى إلى انفجار بقية القنابل في آنٍ واحد.
بوووم!!
هز الانفجار الأجواء، وانتشرت موجاته الصدمية بقوة في كل مكان. كانت الحرارة المنبعثة شديدة بما يكفي لإذابة الأشجار على الفور.
بانغ!!
وقعت الانفجارات على ارتفاع يزيد عن ثلاثين كيلومترًا في السماء، ومع ذلك، أمكن الشعور بقوتها على الأرض.
اضطرت إيليش لإنشاء حاجز جديد لاحتواء بعض من قوة الانفجار.
"هذا أكثر من اللازم..."
تمتمت لنفسها. ثم نظرت إلى الأسفل، فرأت أن الرأس الثامن قد قتل اثنين من الخبراء، وبقي اثنان فقط.
مع بقاء اثنين فقط، لم يكن لديهما أي فرصة للصمود أمام شخص في مستوى القيود المزدوجة. قضى الرأس الثامن عليهما في ثوانٍ معدودة، محتفظًا بجزءٍ من طاقته للمعركة القادمة.
"انتهيت..."
قال الرأس الثامن مبتسمًا.
همم...؟
لاحظ تذبذبًا طفيفًا في الطاقة ينبعث من جثث الأشخاص الذين قتلهم.
ما الذي يحدث؟
بدأت الطاقة تتصاعد شيئًا فشيئًا. اتسعت عينا الرأس الثامن، وتراجع خطوة للخلف.
"لا تقل لي..."
عضّ على أسنانه، ونظر إلى إيليش التي كانت لا تزال تحلق في السماء، ثم صرخ:
"اهربي!!"
استدارت إيليش برأسها، وفي تلك اللحظة، انفجر انفجارٌ هائل على الأرض.
بانغ!!
انتشر ضوء أبيض هائل، ملتهمًا كل ما يقع في نطاق رؤيته. دمّر كل شيء دون استثناء.
بوووم!!!
اهتزت الأرض وكأن زلزالًا مدمرًا ضربها. كان الدمار كارثيًا، والأضرار تزداد كل ثانية.
تمكن سكان معسكرات القبائل ومجلس التنانين من رؤية الانفجار الهائل وهو يشق السماء. عشرات الآلاف من الجنود في مواقع مختلفة رأوا المشهد، فارتعدت فرائصهم من هوله.
كح! كح!
سعلت إيليش بشدة وهي تنظر إلى الشخص بجانبها.
سألت: "هل أنت بخير؟"
"بشق الأنفس..." أجاب الرأس الثامن بصوت ضعيف. لقد تلقى الانفجار على مقربة منه. ولولا أن إيليش عزلته للحظة، لكان أصيب إصابات قاتلة.
"لديهم أسلحة تعادل الهجوم الكامل لمحارب في عالم القيود المزدوجة..." تمتمت إيليش.
هبط الاثنان على الأرض. سقط الرأس الثامن على ركبتيه، وسعل دمًا، ثم أخرج جرعة من جيبه ووضعها على جراحه.
لاحظت إيليش أن الأرض تشع إشعاعًا مكثفًا، والهواء أصبح سامًا. لكنها لم تكن قلقة، فمقاومتها في هذا المستوى كانت عالية جدًا، ولن تتأثر. الخطر الوحيد يهدد الأشخاص العاديين من الرتبة B وما دونها.
رفعت يدها وقالت:
"درجة الحرارة ارتفعت... ربما إلى ألف درجة مئوية."
لم تكن الحرارة هي المشكلة. المشكلة كانت في الطاقة المتبقية، التي بدأت تفتت دفاعاتها تدريجيًا.
"تشبه نسخة مطورة من قنبلة التركيز المانوي..." تمتمت إيليش لنفسها.
نظر إليها الرأس الثامن وسأل:
"كيف نجونا؟"
"الرأس الرابع..." قالت إيليش كلمة واحدة فقط. وحدها لم تكن لتتمكن من صد تلك الانفجارات الهائلة. لقد كانت مفاجئة جدًا ولم يكن لديها وقت كافٍ للاستعداد.
أنقذها الرأس الرابع في وسط الانفجار، مما منحها وقتًا كافيًا لسحب الرأس الثامن.
"أين هو الآن؟" وقف الرأس الثامن. كان قد عالج بعض جروحه بواسطة جرعات الشفاء.
"عاد للاختباء. أعتقد أن هذا هو الخيار الصحيح. أنا متأكدة أن العدو لم يكتشف وجوده بعد." أجابت إيليش.
فجأة، توقف الاثنان عن الحديث، وشعرا بشيء ضمن نطاق إدراكهما.
"هل شعرتَ به؟" سأل الرأس الثامن.
"نعم، إنهم يأتون إلى هنا." أومأت إيليش.
في اللحظة التالية، هبط شخصان من السماء. اهتزت الأرض، وتسببت موجات الصدمة في تبديد كل الغبار المحيط.
بوووم!!
وقف الاثنان على الأرض، يتفحصان المنطقة بأعينهما.
شدّ الرأس الثامن عضلاته وبدأ بتدوير طاقته حول جسده، مستعدًا للقتال من جديد. لقد أدرك أن خصومه هذه المرة ليسوا عاديين.
كان الاثنان بالتأكيد من الخبراء.
الأول كان رجلًا طوله سبعة أقدام، يرتدي بدلة سوداء وقبعة سوداء. تزينه مجوهرات عديدة جعلته يبدو كأنه من عائلة نبيلة. كان يعاني من تغاير لون العينين، فاليُسرى خضراء واليُمنى حمراء. ملامحه حادة، وشعره أخضر قصير، وأذناه طويلتان ومدببتان.
أما الثاني، فكان رجلًا طوله ستة أقدام، يرتدي عباءة بيضاء. شعره أزرق قصير، وعيناه زرقاوان، وبشرته فاتحة. كان يتمتع بهالة نبيلة تُشعر من حوله بأنه مفصول عن هذا العالم.
"هل هذان هما الخبيران اللذان يدعمان قبائل غابة الأرض...؟" قال الرأس الثامن بصوت منخفض. وبعد بضع ثوانٍ، لم يسمع شيئًا من إيليش، فاستدار ليرى أنها ترتجف.
كانت إيليش ترتجف بلا توقف، وعيناها مفتوحتان على وسعهما، وكأنها رأت شبحًا. تجمدت في مكانها.
"م-مستحيل..." كان صوتها مرتجفًا، ولم تستطع حتى إخفاء توترها.
"مهلاً، ما الذي يحدث معكِ؟" سأل الرأس الثامن.
في تلك اللحظة، نظر الاثنان إليهما.
فتح الرجل ذو القبعة السوداء فمه وقال:
"رؤساء مجلس التنانين، أليس كذلك؟ إن كنتَ واحدًا منهم، فأنت هدفي. قال جريم إنه يجب أن أبقي جميع الرؤساء منشغلين ليتمكن من أداء مهمته."
ابتلع الرأس الثامن ريقه بتوتر. شعر بقوة هائلة خام تخرج من جسد هذا الرجل.
نظر الرجل ذو العباءة البيضاء إلى إيليش والرأس الثامن، ثم هز رأسه. التفت إلى شريكه وقال:
"هل يمكننا إنهاء هذا سريعًا؟ لا أريد إضاعة وقتي مع هؤلاء."
تقدمت إيليش خطوة للأمام، وركزت عينيها على الرجل ذي العباءة البيضاء.
"هـ-هل هذا أنت... إيـ-إيلان...؟"
_____________________________
ترجمة=الفارس الملعون