الفصل السابع

كواانغ!

دُفعت بقوة من قِبَل إستيبان، وانغلق الباب خلفي بعنف. قُفل بإحكام، وكأنه لن يُفتح مجددًا أبدًا.

ككوك.

حتى عندما دفعت بكل قوتي، لم يتحرك الباب قيد أنملة. كان واضحًا أن شخصًا ما يسنده من الجهة الأخرى.

تمتمت بصوت خافت: "هذا لن يغيّر شيئًا".

بما أنني طُردت، فلا بأس بقليل من الاسترخاء. جلست على الدرج تحت الأفاريز، وحدّقت في السماء، محاولًا قتل الوقت.

قبل أن أدرك ذلك، بدأت الأمطار تتساقط.

حولت الأمطار الغزيرة السماء الزرقاء السابقة إلى ظل كئيب من الرمادي، وغطت أصوات قطرات المطر على الضوضاء المعتادة للحياة.

لقد كان يومًا مثاليًا للموت.

اليوم المثالي لمقتل إستيبان على يد جمال، الفارس ذو الدرع الأسود .

رغم أن الجدول الزمني قد يختلف قليلاً، إلا أن المشهد كان نفسه تمامًا كما في مشهد الذاكرة لجمال في اللعبة التي شاهدتها من قبل.

لا بد أن جمال، هو الآخر، كان يستعيد ذكريات ذلك اليوم بينما كان يحدق في السماء القاتمة.

***********

على الرغم من غياب الرعد والبرق، إلا أن المطر الهادر مزّق سكون المكان. متجاهلًا محاولات الجميع لإيقافه، اتجه جمال نحو الغابة.

عادةً ما تكون مخلوقات الغابة هادئة، لكن بعضها يتغير سلوكه في مثل هذه الأيام، لذا لم يكن بالإمكان إهمال الدوريات.

تحت السماء المكفهرة، وقبل أن يبتلع الظلام العالم بالكامل تحت الغيوم العاصفة، لمح جمال ظلًا لشخص لم يره من قبل عند حافة الغابة.

لاحظ الظل بدوره جمال، فاستدار وهرب على الفور.

"وحش ذو ذكاء!"

لا يُعقل أن يكون شخصٌ عادي هنا، عند أطراف الغابة، في مثل هذا اليوم المشؤوم.

بدأت دروع جمال السوداء تُصدر صوت اصطكاك بينما كان يطارد الظل الهارب.

كان يظن أنه سيلحق به بسرعة، لكنه أدرك أن فريسته لم تكن سريعة فحسب، بل كانت مراوغة بذكاء شديد.

باستغلال التضاريس لصالحه، خدع الظل أعين جمال واختفى. ومع ذلك، كان جمال فارسًا متمرسًا. رأى من خلال تلك الحيل الذكية، وإن كانت غير متقنة، وتمكن في النهاية من اللحاق به.

ركلت قدم جمال جسد الظل الهارب.

بووك!

انهار الظل، الذي كان يركض بأقصى سرعته، عاجزًا أمام الضربة الجانبية غير المتوقعة. لم يضيع جمال الفرصة. ضغط بقدمه على صدره ورفع سيفه.

شرينغ!

"يا لسوء حظك، أن ينتهي بك الأمر أمامي."

اندفع سيف جمال نحو الظل المرتعش.

بوك!

غرست الشفرة في الأرض، على بعد بضع بوصات فقط من جسد الظل.

اتسعت عينا جمال.

"إنه... إنسان؟"

لم يكن بوسعه إلقاء اللوم على السماء القاتمة لعدم إدراكه ذلك منذ البداية. فمنذ اللحظة الأولى، كان مقتنعًا أنه يطارد وحشًا.

ولكن لماذا؟

هل كان بسبب العباءة الممزقة والواسعة، التي جعلت مظهره أشبه بكائن غريب لم يره من قبل؟ أم بسبب ذلك الإحساس الغامض والمقلق الذي لم يشعر به يومًا تجاه إنسان؟

لكن لم يعد هناك مجال للشك. الصبي أمامه كان بشريًا.

سحب جمال سيفه وسأل: "ما اسمك؟"

تردد الصبي للحظة، ثم أجاب بصوت خافت:

"...إستيبان."

"ما الذي كنت تفعله هنا؟"

حتى لو كان إنسانًا، فإن وجوده في هذا المكان، وفي مثل هذا الوقت، قد يكون سببًا لمعاقبته. فكما يفضل السحرة المظلمون الاختباء في الظلال لممارسة تجاربهم اللاإنسانية، ربما يكون هذا الصبي واحدًا منهم.

بدت عينا إستيبان فارغتين تمامًا، كأنه لم يكن ينظر إلى شيء بعينه. وإدراكًا منه أن استجوابه لن يجدي، مد جمال يده وساعده على النهوض.

"تعال معي، سأرشدك إلى القرية."

لم يُظهر الصبي أي اعتراض أو موافقة. فقط أدار رأسه ونظر نحو أعماق الغابة التي فرّ منها.

"ما الذي تنظر إليه؟"

ظل الصبي صامتًا للحظة، ثم همس أخيرًا:

"علينا أن نركض."

رغم أن كلماته لم تكن منطقية، حافظ جمال على هدوئه.

"ممَ نهرب؟"

فتح الصبي فمه كما لو كان على وشك الإجابة، لكنه تردد وسكت مجددًا، وكأنه هو نفسه لم يكن يعرف كيف يصف ذلك.

سأله جمال مرة أخرى: "هل هناك من يطاردك؟"

"لا."

"إذن ما الأمر؟"

بعد تردد قصير، نطق الصبي بصوت منخفض:

"الموت... أو ربما القدر. ربما أهرب من كليهما."

صمت جمال لوهلة، ثم استل سيفه ولوّح به نحو شجرة ضخمة قريبة.

فوووم!

تهاوت شجرة عملاقة، احتاج خمسة رجال بالغين ليحيطوا بجذعها، بضربة واحدة من نصل سيفه.

نظر إلى إستيبان وقال بثبات:

"إذن توقّف عن الهرب. لقد تغلّبت عليهما بالفعل."

لم يكن جمال بطلًا، لكنه أصبح فارسًا. وخلال تلك الرحلة، واجه الموت مرارًا وتكرارًا... ومع ذلك، نجا في كل مرة.

لقد تغلّب على كل شيء.

قد يراها البعض غرورًا، لكن جمال كان واثقًا. بغض النظر عن مدى عظمة الأبطال في أعين الآخرين، كان يؤمن بأنه لو تراجع خطوة ونظر إليهم عن بُعد، فلن يكون هناك فرق كبير بينه وبينهم.

لكن الصبي لم يكن يشاركه هذه القناعة.

"...علينا أن نهرب."

ما الذي جعل هذا الفتى الصغير مستعدًا للاستسلام بهذه السهولة؟

هزّ جمال رأسه ودفع الصبي خلفه.

"سأريك الحقيقة. الشيء الذي تهرب منه ليس مرعبًا كما تتخيل. يمكنك التغلب عليه أيضًا."

رفع جمال سيفه ولوّح به باتجاه النقطة التي كان الصبي يحدّق نحوها.

دوم... دوم... دوم.

في لحظة ما، بدأ يشعر باهتزازات خافتة تحت قدميه. أدرك أن الوحش الذي تسبب بهذه الارتجافات هو ذاته الكائن الذي كان الصبي يهرب منه.

ثُومب... ثُومب... ثُومب.

اهتزت الأرض بعنف أكبر، مما دفع جمال إلى شد قبضته حول سيفه بقوة.

تشاانغ!

صرخة مرعبة هزّت الأجواء، مهددة بتمزيق طبلة أذنه، تلاها ظهور الوحش من قلب الظلام.

كان مخلوقًا عملاقًا، يزيد طوله عن خمسة أمتار، بجسد عظمي مكوّن من الأشجار. أصابعه طويلة وملتوية، عيناه جوفتان، وجذعه المتعفن مغطى بالطحالب.

"روح الغابة ."

رغم أنه بدا أكبر حجمًا وأكثر رهبة من المعتاد، إلا أن جمال لم يتراجع.

استهدف بسيفه ساقه اليسرى.

فووم!

بوك.

تحطمت الساق المتعفنة، واهتز الوحش، فاقدًا توازنه. كان مظهره مخيفًا، لكنه لم يكن بتلك القوة التي توحي بها هيئته.

"هل ترى الآن؟ هذه هي الحقيقة وراء ما كنت تخشاه."

ظل الصبي صامتًا، يراقب دون أن ينطق بكلمة.

تابع جمال هجومه دون تردد.

بضربة أخرى، قطع الساق الثانية، ثم مزّق الجذع.

"لم يتبقَ له سوى ذراعَيه ورأسه. هل ما زلت تخافه؟"

"...لا."

ابتسم جمال، راضيًا عن إجابته.

"هذا صحيح. هذا الشيء لا يستحق الخوف."

وبحركة واحدة، وجّه ضربة حاسمة، فقطع رأس الوحش.

تدحرج الرأس فوق الأرض المبللة بالمطر.

أعاد جمال سيفه إلى غمده، ثم التفت إلى إستيبان.

"اتبعني. سنتحدث أكثر عندما نعود إلى القرية."

استدار جمال ليغادر، لكنه لاحظ أن الصبي لا يزال يحدق في جثة الوحش الممزقة.

"ألم تتجاوز الأمر بعد؟"

"لا. لم أكن أخاف هذا الشيء أبدًا."

نظر إليه جمال مستغربًا.

"إذن، ممَ كنت تهرب؟"

"روح الغابة يمكن رؤيتها، يمكن قطعها بالسيف، أو القضاء عليها بالسحر."

توقف الصبي لحظة، ثم تراجع بضع خطوات.

"أما ما أخشاه... فهو الأشياء التي لا يمكن رؤيتها. الأشياء التي توجد بلا شك، لكن لا يمكن إدراكها."

الأشياء غير المرئية.

تساءل جمال عما إذا كان الصبي يتحدث عن الأشباح

.

ناداه بينما بدأ بالمشي.

"أنت تسير في الاتجاه الخطأ. القرية تقع شرقًا."

سوييييك!

رفع جمال سيفه غريزيًا.

لكن الهجوم المباغت كان سريعًا جدًا. قبضته لم تكن ثابتة بما يكفي، فطار سيفه من يده تحت قوة ضربة الوحش.

تشااانغ!

"ما... ما هذا؟!"

بدأت الجثة المتعفنة والممزقة تتجمع من جديد، متخذة شكلًا أكثر ضخامة ورهبة. والأسوأ من ذلك... أنها كانت تنمو، أكبر وأقوى من ذي قبل.

اتسعت عينا جمال، وراودته فكرة واحدة فقط:

"طفره."

لم تعد هذه المخلوقات جزءًا من النظام الطبيعي المعتاد.

الطفرات، بذكائها، كانت أخطر على البشر من أي وحوش عادية.

"لماذا... لماذا توجد طفره هنا؟!"

عادةً ما تكون الطفرات أكبر حجمًا، أقوى، أو أسرع من فصيلتها الأصلية. لكن بعضها امتلك قدرات مختلفة تمامًا، قدرات تتجاوز الفهم.

كان روح الغابة الذي أمامه أحد هذه الطفرات. ورغم أنه بدا أكبر قليلًا من المعتاد وكانت أصابعه أطول، إلا أنه لم يكن مختلفًا كثيرًا ظاهريًا.

لكن جمال كان يعلم أن هذه الطفرات دائمًا ما تخفي قدرة إضافية.

بالنسبة لهذا الوحش، كانت تلك القدرة التجدد .

لم يسبق لجمال أن واجه طفره من قبل. وبينما كان يشاهد المخلوق يعيد تشكيل جسده، هز رأسه باشمئزاز.

"مقزز."

بالطبع، لم يكن بإمكانه التجدد بلا نهاية. كان على جمال استعادة سيفه قبل أن يتعافى الوحش بالكامل.

أدار نظره إلى حيث سقط سيفه...

وفي نهاية مجال رؤيته، كان الصبي واقفًا، يحدق بالسيف بصدمة.

لقد هبط السيف بجوار قدمي الصبي الهارب مباشرة.

"ارمِ لي السيف!"

لم يكن مهمًا ما إذا كان الوحش قد عاد إلى الحياة.

إذا قرر وحش ذو ذكاء أن يختبئ، فحتى جمال سيواجه صعوبة في العثور عليه. لمنع أي تهديد مستقبلي، كان عليه إنهاء الأمر الآن.

"أسرع!"

"..."

لكن إستيبان تردد، يتنقل بنظره بين السيف وجمال.

"أسرع، ارمه لي!"

لكن صوت جمال لم يصل إلى الصبي في الوقت المناسب.

كوااك!

قبضت يد روح الغابة اليسرى على أطراف جمال وثبّته على الأرض.

كان تركيزه مشتتًا بين الصبي والسيف، فلم يدرك اقتراب الوحش منه.

على عكس توقعاته، لم يكن الوحش يهرب. لقد أصبح أسرع وأقوى من ذي قبل.

لكن كل شيء يمكن حله لو حصل على سيفه.

صرخ جمال باسم الصبي.

"إستيبان! بسرعة، السيف!"

لكن الصبي لم يلتقطه. بل فتح فمه أخيرًا وتحدث.

"كان عليك أن تهرب."

"أعطني السيف!"

"الموت والمصير اللذان تزعم أنك تغلبت عليهما... السبب الوحيد هو أنهما لم يوجّها نظرهما إليك بعد."

بينما كان يواصل كلماته الغامضة، انحنى الصبي أخيرًا ليلتقط السيف.

"نعم، افعلها!"

كان قريبًا بما يكفي ليمسكه. مدّ يده، وكأنه على وشك رفعه.

سسسك.

في تلك اللحظة، ومضة صغيرة من الضوء انبعثت من يد الصبي، وانطلق السيف بسرعة خاطفة.

سوييييك!

مع تأوه صغير من إستيبان، مر السيف بجانب جمال واستقر في جسد الوحش.

"كييياغ!!"

صرخ الوحش غاضبًا، محوّلًا نظره إلى الصبي. لم يستطع إستيبان تحمل النظرة المرعبة للوحش.

ارتعاش... ارتعاش...

اهتز جسده خوفًا، ثم خفض رأسه، يتمتم لنفسه.

"عصاي... أين عصاي؟"

ثم، دون حتى النظر إلى الوراء، استدار وهرب، تاركًا وراءه الوحش الغاضب والفارس الأعزل.

"إستيبان!!!"

امتدت أصابع الوحش الطويلة المشوّهة نحو خوذة جمال. لم يكن مجرد مخلوق ضخم، بل كان يملك ذكاءً خطيرًا أيضًا.

"ل-لا... توقف!"

انزلقت أصابع الوحش الحادة على وجه جمال، ثم على عنقه، قبل أن تتسلل ببطء داخل درعه. شعر برعب لا يوصف مع تغلغل تلك الأصابع غير المرئية تحت درعه.

"ت-توقف..."

بوك!

"غغغااااه!!"

اخترقت أصابع الوحش جلد جمال، والتفت داخل بطنه . في الوقت نفسه، أمسك بقدمه بإحكام، بينما كانت قوة الحياة تتلاشى ببطء من جسده...

لو كان جمال يمتلك سيفه، لكان بإمكانه الهروب من هذا الكابوس. مد يده نحو السيف المغروس في جانب الوحش، لكنه لم يتمكن من الوصول إليه.

"إستيبان!"

إذا كان للصبي أي جزء من الإنسانية، لما كان قد هرب بمفرده. لا بد أنه مختبئ في مكان ما، يرتجف من الخوف.

كان جمال واثقًا أنه إذا تمكن الصبي من التغلب على خوفه، فإنه سيرتفع السيف ويلقيه إليه.

"إستيبان! سأشتت انتباهه!"

لكن لم يكن هناك أي رد. بدأ شعور جديد من الرعب يتسلل إلى ذهن جمال.

كانت أصابع روح الغابة تزحف عبر جلد جمال، وكان وجودها لا يُحتمل. كانت تدغدغه وتعذبه، تتحرك عبر بطنه وجنبه وذراعه وكتفه وخده وإبطه وفخذه .

كان الخوف الشديد من تلك الحركات غير المرئية يزيد من رعب جمال.

لقد أثار الخوف الذي لا نهاية له رعبًا أكبر، ومع مرور الوقت—الذي كان يبدو لا نهاية له—غرق جمال في اليأس.

عندما استفاق جمال من اليأس وفقدان الوعي، لم يعد هناك شيء.

لا روح الغابة ، ولا الصبي.

ولا حتى جمال نفسه.

جمال الذي نجا لم يعد هو جمال الأمس.

************

في لحظة ما، توقف المطر. كانت الأرض المبللة تصدح بصوت الخطوات المبتلة.

كلانك. كلانك.

عندما سمعت صوت المعدن ، نظرت إلى الأمام.

كان هناك شخص يرتدي درعًا أسود. إنه جمال.

توقف جمال وتحدث إليّ.

"هل هذه إقامة إستيبان؟"

كان سؤاله موجهًا إليّ، لكن نظرته كانت مركزة على الباب المغلق بإحكام.

مسحت سروالي ووقفت، ثم طرقت الباب بقبضة يدي.

"إنه مغلق."

ابتعدت جانبًا لأفسح له المجال، فرفع جمال قدمه إلى مستوى الصدر ثم ركل الباب للأمام.

كواااانغ!

تحطم الباب الخشبي القديم، مما أطلق سحابة خفيفة من الغبار عبر الداخل المكشوف الآن للمنزل.

قال جمال:

"إستيبان. جئت لأهزمك."

2025/01/29 · 108 مشاهدة · 1840 كلمة
🌟Roya🌟
نادي الروايات - 2025