لم يكن هناك صوت. فقط فراغٌ بارد، وصمتٌ كثيف كأن الكون قد فقد القدرة على التنفس.

كايلن لم يكن متأكدًا إن كان يسقط أم يطفو. جسده لا يتبع قوانين الجاذبية، أو ربما لم يعد هناك جاذبية على الإطلاق. كل ما رآه كان فتاتًا من الضوء يسبح حوله، أشلاء مجرات ممزقة، وقطعًا معدنية متوهجة تدور ببطء، كأنها تبحث عن معنى لوجودها في العدم.

ثم، جاء الصوت.

ليس صوتًا بشريًا، بل شيء آخر… أقرب إلى صدى آلاف الهمسات تتداخل معًا، تتردد داخل جمجمته، تهمس بلغة لم يسمعها من قبل، لكنها مألوفة بطريقة غريبة.

*"كايلن... أنت القطعة الناقصة..."*

فتح عينيه فجأة، واكتشف أنه لم يكن في الفراغ. بل كان مستلقيًا على أرضٍ باردة، صلبة، نابضة تحت راحتيه كأنها كائنٌ حي. السماء فوقه لم تكن سماءً حقيقية، بل نسيجًا متشابكًا من خيوط قرمزية تتوهج وتتحرك، كأنها تحيك شيئًا لم يكتمل بعد.

"استيقظ."

كان الصوت هذه المرة حقيقيًا. امرأة، ذات شعر قصير وعينين بلون الزمرد، تنظر إليه من خلف نظارات مشروخة. ارتدت معطفًا رماديًا بأكمام ممزقة، وأمسكت بجهازٍ صغير وامض بين أصابعها.

"أنت حي. جيد." قالت وهي تمسح على الجهاز كأنها تتأكد من قراءاته. "لم يكن لدي وقت لأقرر إن كنت أحتاج لإنقاذك أم لا."

كايلن جلس بصعوبة، شعر بثقلٍ غريب في جسده، كأن شيئًا داخله لم يعد ينتمي إليه بالكامل. نظر إلى يديه، ثم إلى المرأة. "أين أنا؟"

"في طريق الى أطلنطا السديمية. أو ما تبقى منها."

نظر حوله، وأدرك الحقيقة. كانوا وسط **مدن الحطام** – بقايا مجرتي "سينارايا" و"أورانور"، متشابكة في متاهةٍ من الأبراج المعدنية والأسلاك المتوهجة. في الأفق، كانت **غابات الزئبق** تلمع تحت ضوءٍ غريب، وأبعد من ذلك، تلوح الظلال المشوهة لـ**الصحاري الزمنية**، حيث كانت الرياح تحمل بقايا أحلامٍ منسيّة.

كايلن لم يتذكر كيف وصل إلى هنا. كان هناك شيء ناقص. ذكرى مفقودة، أو ربما… ذكرى لم تكن موجودة أصلًا.

"من أنتِ؟" سأل، وصوته بدا غريبًا حتى على نفسه.

المرأة رفعت حاجبها. "اسمي سيرا. وأنتَ… لديك شيءٌ أريده."

كايلن حدّق فيها. لم يكن يملك شيئًا. لكنه شعر بضغطٍ غريب داخل قبضته اليمنى. فتح يده ببطء…

وكانت هناك **قطعة معدنية** صغيرة، تتوهج بضوءٍ أزرق باهت.

لم يعرف كيف وصلت إليه. لكنه كان متأكدًا من شيء واحد:

هذه القطعة، كانت تهمس له.

"ما هذا؟" سأل كايلن، وهو يقلب القطعة المعدنية بين أصابعه.

سيرا لم تجب مباشرة. أخذت القطعة، رفعتها أمام جهازها الصغير، ثم ضيّقت عينيها وهي تراقب البيانات التي ظهرت على شاشته.

"هذه ليست مجرد معدن عادي." تمتمت. "إنها تحتوي على ذاكرة."

كايلن شعر بقشعريرة تسري في جسده. "ذاكرة؟"

"أجل." نظرت إليه بحدة. "وأنت الوحيد الذي يمكنه قراءتها، أليس كذلك؟"

كان هناك شيء في نبرتها… شيء جعله يدرك أنها لم تجده مصادفة.

"كيف تعرفين ذلك؟" سأل بحذر.

"لأنك واحدٌ منهم."

سكتت للحظة، ثم أضافت بصوت خافت: "واحد من الهجينين."

كايلن لم يرد. لم يكن بحاجة إلى تأكيد كلماتها. كان يعلم ذلك منذ فترة، لكنه لم يجرؤ على قولها بصوت عالٍ. كان جسده نفسه يحمل التناقض – **خطوط ضوئية** تتسلل تحت جلده كأنها أوتار طاقة تقنية، وعروق داكنة **كأنها جذور نباتية** تتغلغل في عظامه. لم يكن سيناريًا، ولا أورانيًا. كان شيئًا بينهما… شيئًا غير مرحبٍ به في أي من العالمين.

لكن هذا لم يكن ما أخافه. ما أخافه حقًا هو أنه لم يكن متأكدًا إن كان حتى **حقيقيًا**.

"جرب أن تلمسها." قالت سيرا، ومدّت له القطعة المعدنية.

تردد، ثم مد يده ببطء، ووضع أصابعه عليها.

وفجأة، انهار العالم من حوله.

**رأى نفسه داخل مركبة محترقة، أجراس الإنذار تدوي في كل مكان. شخص ما كان يصرخ… رجل ذو عينين رماديتين، يحمل طفلاً بين ذراعيه. كان يحاول تشغيل جهاز ما، بينما أصوات الانفجارات تتعالى.**

ثم، شيء آخر…

**امرأة، ذات شعر فضي طويل، كانت تقف أمام بوابة متوهجة. كانت تقول شيئًا… لكن صوتها كان مشوشًا، كأن الفضاء نفسه يبتلع كلماتها.**

كايلن سقط على ركبتيه، يلهث. الصور تلاشت، لكنها تركت خلفها إحساسًا ثقيلًا… إحساسًا بأنه رأى شيئًا لم يكن من المفترض أن يراه.

"ماذا رأيت؟" سألته سيرا بسرعة.

لكنه لم يستطع الإجابة.

لأن في أعماقه، شعر بشيء آخر.

**تلك المرأة… لم تكن مجرد شخص من ماضيه.**

**كانت تعرفه.**

**وكانت خائفة منه.**

2025/03/21 · 0 مشاهدة · 642 كلمة
نادي الروايات - 2025