خرج الاثنان من القاعة نحو الخارج، حيث استمر الليل في احتضان أطلنطا السديمية بخيوطه الخافتة وأسراره الملتفة. كانت خطواتهما تتخلل الظلال، وكأن كل خطوة كانت تحرر لهما قطعة من لغز القدر. في تلك اللحظة، بدا المستقبل وكأنه يحمل مفاتيح جديدة، مفاتيح ستكشف لهما عن أسرار "نسيج الأكوان" المكنونة، وتعيد صياغة معادلة المصير.

بينما كان كايلن وسيرا يسيران على الطريق المتعرج الذي يفصل بين أطلال الحطام والظلال العتيقة، تبادل الاثنان نظرات تحمل مزيجًا من الحزم والترقب. فقد أدركا أن رحلتهما لم تعد مقتصرة على البحث عن الذكريات المفقودة فحسب، بل أصبحت مواجهة حتمية مع قوى غامضة تتداخل في نسيج الوجود، قوة تسعى لإعادة ترتيب كل شيء وفق قانون لا يُعرف سوى من يتحكم فيه القدر.

بدأت السماء تشرق بلمحات خافتة من الفجر، ومعها ظهر صوت خافت يُشبه أنين الرياح، لكنه كان يحمل معه وعدًا بأن الغموض الذي عاشاه في الليل سيتبدد شيئًا فشيئًا. وفي تلك اللحظة، ظهر على جانبي الطريق بعض الوجوه الجديدة؛ أشخاص تائهون وأخرى تحمل في عيونهم بصيص أمل متناقض مع حزن الماضي. كان أحدهم رجلاً وسيماً يرتدي معطفًا داكنًا يعبث به الزمن، وقال بصوت واثق: "أنا خالد، من سكان الأحياء القديمة، وكنت أنتظر من يقودهم نحو فجر جديد."

تقدم خالد بخطى ثابتة نحو كايلن وسيرا، وكأن وجوده كان محتوًى بين صفحات قصص قديمة تُروى على لسان الزمن. أجاب كايلن بترددٍ خفيف، "أين كنتم طوال هذه السنوات؟" ابتسم خالد، وقال: "لم نختفِ، بل كنا نحرس الأسرار، نراقب خيوط القدر، وننتظر لحظة تجمعنا لاستنهاض ما بقي من نور. لقد جاء نداء الفجر، وحان الوقت لنتحد جميعًا."

انضم إلى خالد عدد قليل من الوجوه؛ بعضهم من أهل "السيناريون" الذين يحملون بصمات التكنولوجيا المفقودة على وجوههم، وآخرون من "الأورانيين" الذين ما زالوا يحتفظون بوهج الطقوس القديمة في عيونهم. وسط هذا الجمع الذي بدى وكأنه مهرجان من الذكريات والآلام والأمل، بدأ خالد يشرح بصوت هادئ ومهيب: "لقد طال انتظارنا لهذا اليوم، عندما تتلاقى خيوط مصيرنا في نسيج واحد. أنتم، يا كايلن وسيرا، أنتم المفاتيح التي ستفتح لنا أبواب الحقيقة. لقد جُمعتُ قصص الكثيرين ممن عاشوا في ظلال الحطام، ونحن هنا لنجمع هذه القصص، لننسج معًا فجرًا جديدًا يرد للنور مجده."

تأمل كايلن خالد ونظر إلى سيرا، فشعر بأن رحلتهما تأخذ منعطفًا جديدًا؛ أن كل خطوة كانت تقربهما أكثر من مواجهة حقيقة القدر. تساءل بصوت خافت، "ما الذي ينتظرنا في مركز النور؟" فأجاب خالد: "هناك ملتقىٌ قديم، يُعرف بيننا باسم مركز النور، حيث نجتمع لنشارك آلامنا وأحلامنا، ونجمع القطع المتناثرة من ذاكراتنا. هناك سنكتشف معًا كيفية فك شيفرة خيوط القدر التي نسجها النسَّاجون، أولئك الذين يتحكمون في مصير الأكوان."

شعر الجميع بتلك الكلمات كما لو كانت وميضًا في الظلام، نبضًا يحرّك العروق ويوقظ العزيمة. ومع كل كلمة كان خالد ينطقها، بدأ الوجوه المألوفة تتبدل إلى تلك التي تحمل أسرارًا عميقة؛ كانت النظرات تحمل قصصًا عن أيام مضت وعن ألم فقدان الذاكرة، وعن رغبة لا تقهر في استعادة ما ضاع.

انطلقت الجماعة في اتجاه مركز النور، حيث امتدت ممرات قديمة مفروشة بأحجارٍ مهترئة تحمل نقوشاً من زمنٍ لا يُدرك، وكل حجر كان بمثابة شاهدٍ على معركة لا تزال تُخاض بين قوى النور والظلام. في الطريق، تبادلت سيرا وكايلن حديثًا قصيرًا:

"أشعر بأن كل خطوة نخطوها تحملنا نحو فجر جديد،" قالت سيرا، ونظراتها مفعمة بالإصرار.

ردّ كايلن وهو يُحاول أن يُخفي رهبة المجهول: "لكن ما زلت أتساءل، هل سنجد الإجابات التي نبحث عنها، أم أننا سنكتشف أن الأسئلة أكبر مما نتصور؟"

كان السؤال يعلق في الهواء، يندمج مع همسات الرياح وأصوات الماضي، فتلك اللحظة أصبحت جزءًا من رحلة البحث عن الحقيقة. وبينما كانوا يقتربون من مركز النور، بدأ ضوء الفجر ينتشر بخفة، يلوح كأمل بعيد لا يزال مرهونًا بالقدر.

عند مدخل المركز، وقف الجميع في صمتٍ عميق، يستمعون إلى صدى الخطوات التي تسبقهم، وإلى نبضات قلوبهم التي تخبرهم أن المستقبل يحمل مفاتيحًا أخرى. كان هذا المركز بمثابة نقطة تحول؛ حيث ستُجمع القصص، وتُلحم الذكريات، وتُفتح أبوابًا تُعيد ترتيب مصير الأكوان.

قال خالد بصوتٍ عالٍ وهو يرفع يده: "لنبدأ هنا، لنصنع من هذه اللحظة بداية جديدة لحكاية لا تنتهي، حيث يكون لكل من عاش في الظلال حصة من النور."

وهكذا، مع تصاعد أصوات اللقاء وتوحد الآمال، أدرك كايلن وسيرا وجميع الحاضرين أن الرحلة لم تنتهِ بعد، بل هي الآن مدخلٌ لمرحلة جديدة؛ مرحلة تُعيد رسم حدود الوجود وتجمع كل القطع المبعثرة لتكوّن صورةً واحدةً تُنير مصير الأكوان. كان الفجر قد بدأ يتسلل إلى أطلنطا السديمية، ومعه بدأت صفحة جديدة تُكتب بدماء الماضي وحبر الأمل، صفحة ستظل محفورة في ذاكرة كل من عاش لترويها للأجيال القادمة.

2025/03/22 · 1 مشاهدة · 708 كلمة
نادي الروايات - 2025