ما زال ضوء الفجر الخافت ينعكس على وجوه الناجين حينما اجتمعوا في "مركز النور"، ذلك الملاذ القديم الذي لا يزال يحتفظ بأسراره وسط أطلال أطلنطا السديمية. في هذا المكان الذي جمع بين أنقاض الماضي وآمال المستقبل، جلس خالد، الرجل الذي حمل بين طياته ذكريات أزمانٍ لم يعد لها مثيل، وجانبه كان كايلن وسيرا، يستمعون بترقبٍ لقصته الغامضة.

بدأ خالد حديثه بصوتٍ هادئ يتخلله شجن الذكريات:

"لطالما عشت بين ظلال الليل والنهار، بين أطلال حضاراتٍ انطفأت وأنوارٍ لم تزل تلوح في الأفق. كنت يوماً من أهل 'السيناريون'، أولئك الذين عبدوا التكنولوجيا وبنوا مستقبلهم على شظايا الإبداع التقني. لكن الحياة قسّت، وانقلبت الأيام لتكشف عن أسرار لا يُمكن لعقلٍ بسيط فهمها."

توقف خالد لبرهة، ونظر إلى عيني كايلن وكأنهما مرآتان تعكسان عبء الماضي. ثم تابع:

"كنتُ شاباً يتيم القلب، أبحث عن الحقيقة في زوايا المدينة المدمرة، حتى جاء اليوم الذي فتحت فيه عيناي على وجود 'الأورانيين'، أبناء السحر القديم والطقوس المحرمة. كانوا يعيشون في الظلال، يحرسون أسرار الطقوس التي لا تنطق بها الكلمات. تلاقى مصيري مع مصيرهم في لحظةٍ لم أتوقعها؛ حيث اجتمعت قوى التكنولوجيا والسحر لتعيد تشكيل ما كان يُعرف بالواقع."

رغم أن خالد تحدث عن الماضي وكأنه أسطورة ضائعة، إلا أن في حديثه لمحة من الألم والحنين إلى زمن كان فيه للإنسان مكانة فوق كل شيء. قال:

"لقد جربت طعم النصر والهزيمة، ورأيت كيف يمكن لأيدي البشرية أن تُعيد بناء حضارات من رمادها. لكن شيئاً كان مفقوداً... كانت هناك خيوطًا غامضة، رسائلٍ من 'النسَّاجين' الذين لا يظهرون إلا في لحظات الأزمات. تلك الخيوط كانت تلمس أرواحنا، تُذكّرنا بأن المصير ليس بيدنا وحدنا."

في تلك اللحظة، انقطعت الكلمات ليتردد صمت مركز النور، وهو صمت يحمل بين طياته أصداء قصص لا تُروى. ثم نهض إسماعيل، أحد الناجين الذين حضروا حديث خالد، وقال بصوت يشوبه الوعد والأمل:

"هذا المركز، الذي ندعوه 'مركز النور'، هو ملاذنا الذي يجمع بين ذكرياتنا وقطع أحجية مصيرنا. هنا نلتقي لنسترجع حكايات الماضي، وننسج معاً مستقبلنا، مستنيرين بضياء لا ينطفئ رغم عتمة الأيام."

انتشرت همسات القبول بين الحضور، وأخذت الوجوه تنير بتلك البصيرة التي لا تكذب. تبادلت سيرا نظرات مع كايلن، فقد شعروا أن كل كلمة قالها خالد كانت بمثابة مفتاح لفهم جزء من لغز الأكوان الذي لا يزال يكتنفه الغموض. سألت سيرا بخفة:

"هل تعتقد أن أنصائنا من السيناريين والأورانيين قادرون على مواجهة هذا القدر؟"

أجاب خالد بابتسامة حزينة مملوءة بالتجارب:

"السيناريون علمونا أن القوة تكمن في العقل، وأن التكنولوجيا إذا ما سُخرت بذكاء، تُحدث ثورة. بينما الأورانيون ورثوا من سحر الطبيعة نبضاً لا يموت، قوة تمنحهم القدرة على استحضار الأرواح القديمة. كلٌ منهم يحمل نوراً وظلالاً؛ لكن وحدهم عندما يتحدون، يصبحون قادرين على تحدي قوانين القدر وإعادة كتابة مستقبلنا."

بينما كان الحديث يتعمق، بدأت أصوات جديدة تنضم إلى اللقاء، وجوه جديدة من سكان أطلنطا السديمية، كلٌ يحمل قصةً من قصص الفقد والأمل. تبادلت الآراء والذكريات، وتداخلت حكايات الماضي مع رؤى المستقبل. كان مركز النور، بتلك جدرانه المتشققة ونقوشه القديمة، يشهد على لقاء الأرواح التي لم تنسَ أحلامها رغم الألم.

قال أحد الشيوخ، بصوت هادئ يملؤه عمق التجربة:

"كل قصة هنا هي شعاع من نور في ظلمة الزمن. نحن لا نجمع القطع لنملأ فراغاً، بل لنرسم صورةً متكاملةً لمصيرنا. إن خيوط القدر التي نسجها النسَّاجون هي خيوط تتشابك مع أرواحنا، فتظل تطلب منا أن نتحد لنفك شيفرتها."

ابتسم كايلن وهو ينظر إلى القطعة المعدنية بين يديه، التي أصبحت الآن رمزاً ليس فقط لقدر مجهول، بل لأمل يتجدد مع كل لقاء، مع كل قصة تُروى في مركز النور. وأدرك في تلك اللحظة أن رحلتهم لن تكون مجرد بحث عن الذكريات، بل مواجهة مع القوى التي تقرر مصير الأكوان، رحلة ستجمع بين من يحملون عبء الماضي ومن يتوقون إلى نور المستقبل.

وفي ختام اللقاء، تعالت أصوات الجميع في وعدٍ صامت:

"سنكشف الأسرار، وسنكتب تاريخنا بأنفسنا، مهما كان ثمن الحقيقة."

وبينما اندمجت تلك الأصوات مع ضوء الفجر الذي بدأ يخترق عتمة الليل، ظل مركز النور شاهدًا على ولادة فصل جديد في قصة "نسيج الأكوان"، فصل تتلاقى فيه الأرواح والذكريات لتعيد رسم حدود الوجود في مواجهة القدر الذي لا يرحم.

2025/03/22 · 0 مشاهدة · 638 كلمة
نادي الروايات - 2025