لم يمضِ وقتٌ طويل منذما اجتمعنا في مركز النور، حيث نسجت قصصنا معاً صورةً من الماضي الممزق وأمل المستقبل. وبينما بدأ ضوء الفجر يشق طريقه عبر أنقاض أطلنطا السديمية، تلاشت الهمسات الهادئة لتترك مكانها صرخات من الإثارة والتوتر.

في تلك اللحظة، انقلبت الأجواء فجأة. كان خالد يجلس على حجر قديم يُحيط به مركز النور، حينما سمِع صوت انقضاضٍ مفاجئٍ يأتي من جهة الشمال. رفعت سيرا رأسها على صوت خطوات ثقيلة، وبدأت أنوار الفجر تتلاطم مع الظلال في رقصة عاصفة. قال خالد بصوتٍ مبحوح:

"هناك شيءٌ يقترب بسرعة... كأنّ القدر يرسل إلينا رسالة غير مرغوبة."

تقدم كايلن سريعًا، ممسكًا بالقطعة المعدنية التي باتت تضيء بخفةٍ متوترة في يده، بينما تبادلت سيرا نظراتها مع خالد، وكانت عيونهم تعكس مزيجًا من الخوف والحزم. وفي تلك اللحظة، انشقّ الظلام فجأة مع زئيرٍ عالٍ؛ مجموعة من الكائنات الغريبة، مُزودةً بأجنحةٍ معدنية وتوهجاتٍ حمراء قاتمة، اقتحمت الساحة. لم تكن تلك الكائنات سوى "خدام النسَّاجين"، الذين طالما سمعوا عنهم بالهمسات والقصص القديمة، لكنهم الآن ظهروا في هيئة مُميتة.

اندلعت المعركة دون سابق إنذار.

ارتفعت صرخات القتال، وتداهمت الكائنات مركز النور من جميع الجهات. انقضَّ خالد وسيرا معاً للدفاع عن المأوى، بينما اندفع كايلن إلى الأمام، يدفعه شعورٌ داخلي بأن هذه اللحظة هي الاختبار الحقيقي لقدراته. في خضم الفوضى، دبت الحركة في كل مكان؛ كانت ضربات السيوف والآلات القديمة تتداخل مع أصوات السحر الذي كان ينبعث من قلوب بعض "الأورانيين" الذين انضموا للقاء فجأةً.

وقف أحد خدام النسَّاجين أمام كايلن، عيناه تتوهجان باللون القرمزي، ورفع ذراعه لتنطلق موجةً من الطاقة السوداء. تردد كايلن، ثم تذكر الهمسات التي سمعها في ليالي الظلال، فأمسك القطعة المعدنية بقوةٍ، واستحضر قوتها الغامضة. اندلع ضوءٌ أزرق من بين أصابعه، متداخلًا مع الطاقة السوداء التي كانت تتهافت عليه، حتى انقسمت الموجة إلى شراراتٍ تتطاير في الهواء.

صرخ الرجل المهاجم، وتراجعت الكائنات خلفه للحظة، فيما تردد صدى الانفجارات والأصوات المدوية في الساحة.

قالت سيرا وهي تتقدم لتساعده:

"كايلن، يبدو أن هذه القطعة ليست مجرد ذكرى؛ بل هي سلاحنا الوحيد الآن."

أجاب كايلن بجرأة، "علينا أن نستخدم كل ما نملك، فلا مجال للضعف في مثل هذه اللحظات."

بدأ خالد ينظم الصفوف، قائلاً:

"يا أهل النور، اليوم نثبت أن قصتنا لم تنتهِ بعد! استعدوا للقتال، فكل خطوة نخطوها تضعنا أمام قدر جديد."

انتشرت أصوات التأييد، ومعها ازدادت حدة المعركة؛ حيث اندفعت قوات النسَّاجين في محاولة للسيطرة على مركز النور.

تبادلت الجماعة النيران والضربات، وفي خضم المعركة، التقط كايلن القطعة المعدنية مرة أخرى وحاول توجيهها نحو قلب أحد المهاجمين. ارتطم الضوء الذي انبعث منها بالجدار، فانفجرت شراراتٍ جعلت الهواء يمتلئ برائحة المعدن المحترق والسحر القديم.

رأى خالد في تلك اللحظة ضوءًا صغيرًا يتسلل من بين أنقاض الساحة، وقال:

"هناك... يبدو أن هناك ممرًا يقود إلى قبو قديم تحت المركز. قد يكون ذلك ملاذنا أو مفتاحنا لفك شفرة هذا الهجوم."

تبادل كايلن وسيرا النظرات دون تردد؛ كانت لحظةٌ حاسمة يجب فيها أن يتخذوا قرارًا.

"سنتخلى عن هذا الميدان قليلاً لنعيد التجمع ونبحث عن الممر،" قال كايلن بصوتٍ حازم رغم ضجيج المعركة.

اندفع الثلاثي مع بعض من أهل النور نحو الممر الضيق الذي اكتشفه خالد، تاركين خلفهم ساحةً لا تزال ترتجف تحت وطأة الانفجارات والضربات. كانت أصوات القتال تتلاشى شيئًا فشيئًا خلفهم، لكن هم سمعوا صدى الهمسات من زوايا الممر، تلك الهمسات التي بدت وكأنها دعوة للاستمرار، لتجميع القطع المبعثرة من ذكرياتهم، ولتأكيد أن المصير لا يُمكن أن يُكتب إلا بيد من يحملون القوة الحقيقية.

داخل الممر، بدأ الضوء الخافت يكشف عن نقوشٍ قديمة على الجدران، تحمل بين طياتها رموزًا من عالم لم يُفصح عنه بعد. تحدث إسماعيل الذي كان قد انضم إليهم في اللحظات الأخيرة:

"هذا الممر هو طريق الأسرار. هنا، تُروى قصصٌ عن أبطالٍ مثلكم، عن قوة الإيمان والشجاعة التي تُعيد بناء ما تهدم. إن خيوط القدر لم تنتهِ بعد، بل هي مجرد بداية لفصل جديد من نسيج الأكوان."

في تلك اللحظة، توقف كايلن للحظة، وهو ينظر إلى سيرا وخالد وإسماعيل؛ شعر بأن كل ضربة وكل همسة وكل قطعة من هذه المعركة تقربهم أكثر من الحقيقة. كان يعلم أن ما يحدث الآن ليس مجرد قتالٍ على أرضٍ مهجورة، بل هو مواجهة مع القوى التي تُعيد تشكيل مصير الأكوان.

وبينما استمر صدى الانفجارات وأصوات القتال في الخلف، اقتربت الأصوات الهادئة من داخل الممر، داعيةً إياهم إلى الاستعداد لمواجهة قادمة قد تُغير كل شيء. وبينما تداخلت الألوان بين ضوء الفجر وخيوط الظلام، أدرك الجميع أن هذه اللحظة هي نقطة تحول؛ حيث يتحول الألم إلى عزيمة، والظلام إلى نور، وتبدأ أسطورة جديدة في نسيج الأكوان.

2025/03/22 · 1 مشاهدة · 704 كلمة
نادي الروايات - 2025