خرج الثلاثي من الممر الضيق بعد مغامرتهم في أعماق المباني القديمة، وكانت السماء تُشرق بنورٍ خافت يسبق إشراقة الفجر. تمايلت أجواء أطلنطا السديمية بين ألوان الليل المتلاشية وبدايات النهار، وكأن الطبيعة نفسها كانت تتنفس بعد معركة عنيفة. لم يكن الحال كما كان من قبل؛ فقد تركت أحداث المعركة وآثارها أثرًا واضحًا على الوجوه والقلوب.

كانت خطوات كايلن تحمل ثقل التجارب التي عاشها للتو، وداخل نفسه كان يراود شعور بالانكسار المختلط بالأمل. نظر حوله، فوجد أن مركز النور الذي لجأ إليه الجميع لم يعد كما تذكره؛ فقد تضررت الجدران ونُثرت آثار المعركة في كل زاوية. جلس خالد على إحدى الحجارة الكبيرة وسط الميدان، متأملاً في ما تبقى من نقوش ورسائل، بينما كانت سيرا تهتم بجمع البقايا والقطع المعدنية التي نثرت خلال الاشتباك.

تدخل إسماعيل بهدوء، وجاء صوته المعتدل ليكسر صمت المكان:

"لم يدم هذا الهدوء طويلاً، فالقوة التي واجهناها لم تترك أثرها فقط في الأرض؛ بل أثرت فينا جميعًا. علينا أن نتعلم من الانكسار هذا."

لم يجرُ الحديث سوى للحظة، قبل أن يُسمع صوت عالٍ يأتي من اتجاه آخر. كان هناك صراخ خافت وأصوات خطوات تتسارع، مما أثار قلق الجميع. تحدق سيرا في الأفق وقالت:

"هناك آخرون يقتربون. يجب أن نكون مستعدين."

اندفع الثلاثي معًا نحو البوابة الخلفية للمركز، حيث ظهرت أشكالٌ غامضة في ضوء الفجر. لم تكن هذه الوجوه مألوفة بالنسبة لهم، لكنها بدت كأنها مجموعات من الناجين من أحياء مختلفة في أطلنطا السديمية؛ بعضهم يرتدون ثياب السيناريين البسيطة، وآخرون يحملون لمحات من الطقوس القديمة للأورانيين. التقت أعينهم بنظرات حذرة، وتبادلوا إيماءات سريعة تدل على رغبتهم في تجنب الاشتباك، لكن التوتر كان يسيطر على الأجواء.

تقدم أحدهم، وهو شاب يحمل ندبة طويلة على وجهه، وقال بصوت مبحوح:

"نحن هنا لجمع ما تبقى مننا وإعادة ترتيب أوضاعنا. لقد تأذينا جميعًا من الانقضاض الذي عاصرناه للتو. لكن علينا أن نتكاتف، فالقوة ليست في العزلة."

أجاب كايلن بصدق:

"نحن بحاجة إلى فهم ما حدث. كل قطعة جمعناها تحمل رسالة، وكل ندبة هي قصة. يجب أن نتعلم من معاناتنا لنقف مرة أخرى معًا."

رفعت سيرا يدها مبتهجةً بنبرة حازمة:

"لن نترك الانكسار يُحكم علينا. بل سنتخذ منه دافعًا لننهض ونبني ما يمكننا إنقاذه. كل خطوة نحو المستقبل تبدأ اليوم، ونحن هنا لنكتب معًا فصلًا يُعيد للعالم توازنه."

وسط هذا التجمع المتماسك، بدأ النقاش يتحول إلى خطط عملية. تم الاتفاق على تقسيم الفرق للبحث في أجزاء المركز المتضررة وجمع كل ما يمكن أن يُشكل دليلًا على ما حدث، سواء كان في شكل نقشات على الجدران أو أجهزة تكنولوجية باقية من عهد السيناريين، أو رموزاً قديمة ترمز إلى الأسرار التي تحملها الأورانيون.

بينما كان الجميع يعملون على ترتيب الفوضى، اقترب إسماعيل من كايلن وسارا في ركن هادئ من الساحة، وقال بصوت منخفض يحمل همس الأمل:

"لا تنسوا، كل لحظة من هذه المعاناة تحمل في طياتها بذور التغيير. لقد عشنا الانكسار، والآن يجب أن نستلهم منه القوة لإعادة صياغة مصيرنا. ليس هناك فرصة للانتظار؛ فالزمن يمضي ولا يعود، ونحن بحاجة إلى أن نكون أحراراً في اختيار طريقنا."

مع كل كلمة، ازداد الوضوح في عيون الناجين. كان هناك اتفاق ضمني على ضرورة مواجهة التحديات القادمة بروح موحدة، مهما كانت الخسائر. بين الحين والآخر، كانت الأصوات تتردد بأحاديث عن ما يمكن أن يكون وراء كل قطعة من هذه الذكريات؛ عن كائنات قد تبدو غريبة في ظاهرها لكنها تحمل أسرار الحكمة القديمة.

وفي وسط هذا الاضطراب، شعر كايلن بأن القطعة المعدنية التي لا تزال تتوهج في يده تحمل رسالة مهمة، لم تفصح عنها حتى الآن. جلس على حجر بارد ونظر إلى تلك القطعة، وكأنها تهمس له:

"افتح قلبك، وتعلم من كل تجربة، فكل جرح هو درس، وكل دمعة تُروى قصة لا تُنسى."

لم يستطع كايلن إلا أن يترك تلك الكلمات تتردد في عقله، وأدرك أن المعركة الحقيقية ليست فقط ضد قوى العدو التي تقبع في الظلام، بل هي معركة داخلية لإعادة بناء الذات وإحياء الأمل في وسط الركام.

انتهى اليوم وهو يحمل في قلبه شعوراً جديداً بالتحدي؛ فمع كل خطوة قام بها مع سيرا والناجين الآخرين، كان يقرب نفسه من فهم رسائل القدر. كان يعلم أن المستقبل سيحمل إجابات ربما تكون أكثر قسوة، لكنها ستمنحه الفرصة لكتابة فصلٍ من تاريخهم يُخلد قوة الإرادة، ويثبت أن حتى في أوقات الانكسار، ينبثق النور من رحم الألم.

وهكذا، ومع بزوغ شمس يوم جديد، استعد الجميع لمواجهة ما يحمله الغد، وهم يعلمون أن كل تجربة مروا بها ستُشكل لبنة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً وتوحيداً، حيث تُجمع القلوب المتكسرة لتصنع قصة لا تُقهر.

2025/03/22 · 1 مشاهدة · 699 كلمة
نادي الروايات - 2025