لم يكن الضوء الذي خرجوا إليه سوى سرابٍ زائل. للحظة، ظنّوا أنهم قادرون على إعادة النظام وسط الفوضى، أن بإمكانهم بعث الأمل في نفوس من تبقّى، ولكن سرعان ما أدركوا أن الفوضى لم تكن مجرد شظايا معركة، بل كانت انعكاسًا لانهيارٍ داخلي، للخذلان الذي طالما تجاهلوه، وللألم الذي لم يختفِ بل كان يترقب اللحظة المناسبة ليضربهم بقوة.
**بعد ساعاتٍ من الصراع مع الفوضى في أطراف مركز النور، بدأت الحقيقة تتضح ببطء:** لم يكن هناك منقذ، ولم يكن هناك شيء يمكن إعادته إلى ما كان عليه. أولئك الذين ظنوا أنهم يستطيعون تنظيم الحطام، وإعادة بناء ما تهدم، وجدوا أنفسهم يحدّقون في الفراغ، يدركون أن ما تم كسره لن يعود كما كان. كانت المدينة تئنّ، والمباني المدمّرة تُخبرهم بأن الأحلام التي حملوها كانت مجرد أوهامٍ أمام الواقع القاسي.
بدأت الأنوار الخافتة للمركز تبهت شيئًا فشيئًا، تمامًا كأنفاس المنهكين الذين لم يعودوا يجدون سببًا للحديث أو حتى الأمل. خالد، الذي كان دائمًا رمزًا للهدوء والثقة، جلس على حجرٍ متصدع، مُحملًا بعبء الأيام التي انقضت. كان وجهه مزيجًا من الإرهاق والصمت، كأنه يحاول أن يفهم في أي لحظة بالتحديد انقلبت الأمور بهذا الشكل. إلى جواره، كانت سيرا تتأمل الأنقاض التي تحيط بهم. عيناها كانتا تائهتين، تبحثان عن شيء، أي شيء، يعيد إليها الشعور بأنها لم تخسر كل شيء.
في الزاوية الأخرى من القاعة، كان كايلن يحدّق في القطعة المعدنية التي حملها طوال الوقت، تلك التي ظنّ أنها مفتاحٌ لحلّ اللغز، لكنها الآن لم تعد سوى بقايا ذكرى من زمنٍ سقط في الظلام.
وسط هذا الصمت الثقيل، انطلقت همسات خافتة بين بعض الناجين. أحدهم، رجلٌ بدا عليه أثر السنين والألم، قال بصوتٍ مبحوح:
**"كنا نظن أن النور سيحمل لنا الخلاص... لكننا لم ندرك أنه أيضًا يمكن أن يكون بداية النهاية."**
كانت تلك الكلمات كالصفعة للجميع. شيءٌ ما انكسر في الداخل، شيءٌ لم يكن واضحًا في البداية لكنه الآن لم يعد قابلاً للإنكار. حتى إسماعيل، الذي كان دائمًا يراقب الأمور من مسافةٍ بعيدة، لم يستطع أن يمنع نفسه من الشعور بالثقل الذي خيّم على المكان.
اقترب كايلن من سيرا وهو يهمس بصوتٍ مكسور:
**"ألا تشعرين أننا على وشك الدخول في هاوية لا نهاية لها؟"**
ردّت سيرا، وعيناها تلمعان بحزنٍ لا يُخفى:
**"لقد انتهى زمن الأوهام. كل ما كان يُبشرنا بالتجدد أصبح الآن شاهدًا على هلاكنا. لا يوجد نورٌ سوى ذلك البريق الخافت الذي يُذكرنا كمُجرّد بقايا من زمنٍ مضى."**
في تلك اللحظة، اندفعت أصوات انفجاراتٍ خافتة من خارج المركز، كأن العالم يذكّرهم أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأنه حتى مع هذا الكمّ من الانكسار، لا تزال هناك أشياء تنتظرهم في الظلام. تجمّع الناجون في زاويةٍ مظلمة، يحدّقون في النقوش القديمة على الجدران، تلك التي لم ينتبهوا لها من قبل، والتي لم تكن تحكي قصة النور كما كانوا يعتقدون، بل كانت تحكي قصة السقوط، قصة أولئك الذين حاولوا السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه، فكانت نهايتهم في الظل.
وقف الشيخ العجوز، الذي ظلّ صامتًا طوال الوقت، وقال بصوتٍ خافت لكنه نافذ:
**"لسنا أول من وقف على حافة هذا الظلام... ولن نكون الأخيرين."**
تجمّدت الكلمات في الهواء، كأنها صدى لحقيقة لم يجرؤ أحدٌ على الاعتراف بها. كانوا يعتقدون أنهم قادرون على تغيير كل شيء، على إعادة بناء ما دُمر، لكن الآن، بدأوا يفهمون أنهم مجرد شظايا صغيرة في لعبة أكبر بكثير مما تخيلوا. وهكذا، غرق الجميع في صمتٍ ثقيل، يُدركون أن الضوء الذي خرجوا إليه لم يكن إلا انعكاسًا خادعًا، وأنهم منذ البداية، لم يكونوا إلا ظلالًا في عالمٍ لا يرحم.