الظلام هنا لم يكن فراغًا... بل كان جسدًا حيًّا يَتنفَّس بأصواتٍ أشبه بصرير أجنحة الحشرات العملاقة. كايلن ضغط على القطعة المعدنية في يده حتى اخترقت جلده، فسال منها سائلٌ قرمزي لم يكن دمًا... بل شيئًا أسمك، كأنه ذاكرةٌ مكثفة تبحث عن جسدٍ تستقر فيه.

"انظر!" صرخت سيرا فجأة، تشير إلى الجدار المُنهار في الركن الغربي.

الرمال التي كانت تتساقط من السقف توقفت في منتصف الهواء، مُعلَّقة كنجومٍ ميتة. ثم بدأت تَتجمَّع في أشكالٍ هندسية غريبة: مكعبات، دوائر، ثم أخيرًا... عينٌ عملاقة تلمع بضوءٍ أسود.

"هذه ليست رمال..." همس الشيخ العجوز، عيناه تتسعان كطفلٍ يرى شبحًا. "إنها حروفٌ من لغةٍ لم تُخلق لبشر".

خالد اقترب من الجدار، ولمس العين الرملية. فجأة، اِنْسحبَت الرمال إلى الخلف، كاشفة عن ممرٍ ضيقٍ يؤدي إلى أسفل. الهواء الذي خرج من الممر كان باردًا لدرجة الألم، وحامِلًا لرائحةٍ تُشبه العفن المُقدَّس.

"هذا ما وجدتُه في الكتب الممنوعة"، قال إسماعيل، صوته يرتجف كورقة خريف. "ممرات الموتى الذين لم يموتوا... حيث تُخزَّن الأرواح التي رفضت الفناء".

---

كايلن تقدم أولًا، ساقاه ترتجفان، لكن القطعة المعدنية في يده كانت تشدُّه إلى الأمام كخيطٍ مغناطيسي. في الأسفل، وجدوا غرفةً مستديرة، جدرانها مغطاة بتماثيل صغيرة لِكائناتٍ بِأجسادٍ هجينة: رؤوس بشر على أجساد حشرات، أيدي آلات تخرج من أفواه تنانين. في المركز، وُجد مذبحٌ أسود، عليه كتابٌ مفتوح، صفحاته مِن جلدٍ يَنبض.

"لا تلمسه!" صرخت سيرا، لكن كايلن كان قد مد يده.

لمس الصفحة... فانفجر العالم.

---

رأى كايلن أشياءً لا يُمكن لعقلٍ أن يحتملها:

- **مدينة تطفو في فراغٍ أزرق**، سكانها يرقصون حول شجرةٍ عملاقة جذورها مِن نور، لكن عندما اقترب، اكتشف أن الجذور كانت شرايين، وأن الشجرة كانت جثة إلهٍ ضخم.

- **امرأة تلبس ثوبًا مِن ظلام**، تمسك بيد طفلٍ يبكي، لكن دموعه كانت تتحول إلى ذبابٍ معدني يثقب جلدها.

- **نفسه... لكن ليس نفسه**. نسخةٌ منه بِعيونٍ بيضاء تَصرخ: *"أنت الخيط الزائد... سيقطعونك!"*

---

عندما عاد كايلن إلى الواقع، كان الجميع يحدقون به بِرعب.

"ماذا رأيت؟" سألت سيرا، لكن صوتها بدا بعيدًا، كأنه يأتي مِن قاع بحر.

"رأيت... نهايتنا"، قال كايلن، بينما تبدأ القطعة المعدنية في يده بالذوبان، تتحول إلى سائلٍ قرمزي ينساب على المذبح.

فجأة، اِهتزت الغرفة، والتماثيل على الجدران بدأت تتحرك. إحداها، تمثالٌ بِرأس ثعبان وجسم إنسان، فتح فمه وقال بِصوتٍ يشبه طحن العظام:

"الطقس اكتمل... الآن يَستيقظ السادِر".

---

السقف اِنْفَجر، وَنزل منه شيءٌ لا يُوصف.

كائنٌ بِألف عينٍ مِن زجاج مُكسَّر، وأجنحةٍ مِن ضبابٍ أسود، يَحمل في صدره فراغًا مُطلقًا يَمتص الضوء والصوت وحتى الخوف.

"مُجرد ظلال..." قال الكائن، أصواته تُشبه جوقة أطفال ميتين. "لماذا تَقاومون؟ أنتم لستم إلا أحلام الإله الذي نام... وحان وقتُ استيقاظه".

خالد خطا إلى الأمام، عروقه تَنبض بِضوءٍ أسود. "أنا لا أحلم!" صرخ، لكن جسده بدأ يَتفتت إلى رماد.

سيرا أمسكت يد كايلن: "القطعة... هي المفتاح!"

كايلن نظر إلى السائل القرمزي الذي يملأ المذبح الآن، وفهم.

القطعة لم تكن مفتاحًا... بل كانت قفلًا.

---

"أعرف ما يجب فعله"، قال كايلن، ثم غمس يده في السائل القرمزي.

الألم كان كالنار، لكنه استمر حتى لامس قاع المذبح، حيث وجد قلادةً بِعقدةٍ لا نهاية لها.

"هذا ليس لنا..." همس، ثم كسر القلادة.

---

الكائن صرخ، لكن صراخه اِنْقطع فجأة.

الغرفة اِنْهارت، والتماثيل تحولت إلى غبار، والممر أغلق نفسه.

عندما استيقظوا على السطح، كانت السماء قد اِمتلأت بِنجومٍ جديدة... نجوم بِألوانٍ لم يروها من قبل.

"لقد غيَّرنا اللعبة"، قال الشيخ العجوز، عيناه تلمعان بِدموعٍ غريبة. "لكن كل تحريك للخيوط... يخلق خيوطًا أخرى".

كايلن نظر إلى يده الفارغة. القطعة المعدنية اختفت، لكنه شعر بشيءٍ أسوأ:

أن الخيط القرمزي لم يَنقطع... بل انتقل إليه.

2025/03/22 · 1 مشاهدة · 558 كلمة
نادي الروايات - 2025