في قلب الليل، كان الكوخ الصغير غارقًا في الصمت، إلا أن عقل **سرينا** كان مشغولاً بحلم غريب. رأت في حلمها شخصًا يظهر من الظلام، ملامحه مألوفة لكنها لم تتذكرها بوضوح. اقترب منها وقال بصوت هادئ: " هذا الولد يا ابنتي احتفظي به، سيأتي يوم وتعتزين بذلك." في الحلم، حاولت أن تتعرف على هذا الرجل، ثم فجأة أدركت من هو، وقالت بدهشة: "أبي؟!" لكنه اختفى قبل أن تقترب منه، تاركًا كلمات تتردد في ذهنها.
استيقظت **سرينا** من الحلم على وقع خطوات ثقيلة وصوت فتح باب الكوخ. عندما رفعت رأسها، شاهدت **سيف** يدخل مع شاب آخر، غريب الوجه والملامح. فور رؤيتها لملابسه المغطاة بالدماء، شعرت بالذعر. ركضت نحوهما، ووضعت يدها على كتف **سيف** بقلق واضح، تسأله: "ما هذا الدم؟ ومن هذا الذي أتى معك؟"
في داخلها، شعرت **سرينا** بشيء غير مألوف تجاه الشاب الآخر. تأملت ملابسه للحظة، ثم همست لنفسها: "أعرف هذه الملابس، إنها ملابس جنوبية." ازداد القلق في صدرها. لم تعرف كيف تتصرف، لكن نظرتها القلقة كانت تفضحها.
أجابها **سيف** محاولاً تهدئتها: "اهدئي يا أمي، هذا الشخص كان مختطفًا، وأنا ساعدته. سوف نعرف قصته قريبًا."
رفع الشاب رأسه ونظر إلى **سرينا** بابتسامة هادئة وقال بفخر: "لا تقلقي. أنا **لوريس**، ابن الجنوب. الحاكم القادم بعد أبي."
عند سماع هذه الكلمات، بدت الصدمة واضحة على وجه **سرينا** و**سيف**. **سرينا** ابتعدت خطوة للخلف وهي تحاول استيعاب ما سمعته، بينما وقف **سيف** بجانبها محاولاً تهدئتها بهدوء: "أمي، اهدئي. لا يمكن أن ننكشف، نحن ناجون من الحرب. يجب أن نكون حذرين."
ثم توجه **سيف** نحو **لوريس** وأشار له نحو السرير البسيط قائلاً: "تفضل، استرح هنا الليلة. يمكنك المغادرة صباحًا."
أخذ **لوريس** نفسًا عميقًا، وأخذ ينظر حوله في الكوخ. تأمل جدرانه الخشبية، والأثاث البسيط لكنه أنيق، والنافذة الصغيرة التي تطل على الطبيعة الخلابة خارجًا. قال بإعجاب: "يا له من مكان جميل، تصميمه خلاب ومنظم. والهدوء هنا… أشعر وكأنني في عالم آخر." ثم ابتسم بهدوء وأردف: "آمل ألا أكون ثقيلًا عليكم. سأقضي الليلة هنا، وسأرحل في الصباح الباكر."
غرق **الكوخ** في صمت هادئ، لكن داخل كل منهم كانت الأفكار تدور بسرعة. **سرينا** و**سيف** يخفيان حقيقتهما عن ابن الجنوب، و**لوريس** الذي يجهل تمامًا أنه في قلب عالم الأعداء.
عاد الجنود إلى القلعة، وجوههم مكفهرة وعيونهم مليئة بالقلق. اقتربوا من **لالوريس** الذي كان ينتظرهم بلهفة في قاعة السيادة، وأحدهم قال بصوت منخفض: "سيدي، لقد وجدنا كوخًا في الغابة… كان ممتلئًا بالجثث، لكن لم نجد **السيد لوريس**. الشيء الوحيد الذي كان واضحًا هو الأحبال المقطوعة داخل الكوخ."
تجهم وجه **لالوريس**، وازدادت حيرته وقلقه. تدخل **خالد**، كبير التجار، الذي كان حاضرًا في القاعة قائلاً: "يا ترى، سيد **لالوريس**، هل كان الخاطفون حقًا يريدون المال أم…" لكنه لم يكمل كلامه، فقاطعه **لالوريس** بغضب: "سواء كان الخاطف شماليًا أم جنوبيًا… سيُقتل بلا رحمة!"
في الصباح الباكر، كان **سيف** و**لوريس** يسيران معًا باتجاه المملكة الجنوبية. كان الجو مفعمًا برائحة الطبيعة، لكن الحديث بينهما كان مليئًا بالأسئلة. سأل **لوريس** بنبرة فضولية: "كيف تعيش في هذا المكان الموحش وسط الغابات؟ يبدو جميلًا، لكنه أيضًا خطر للغاية."
أجابه **سيف** بابتسامة باهتة: "مثلما أنت تعيش في مملكتك… رغم أنني لم أزرها قط، فقط رأيتها من بعيد، ولكن ما سمعته عنها لم يكن سوى قصص عن الخونة والظالمين."
مع تقدم الشابين في الطريق، وصلوا الي البوابة كبيرة، كانت يومًا ما تابعة للمملكة الشمالية، لكن بعد أن احتل الجنوب المنطقة، قاموا بترميمها. رآهما أحد الحراس من فوق الأسوار، وبدون تردد نادى على **لالوريس**. أسرع **لالوريس** لملاقاتهما أمام البوابة.
بينما كان **سيف** يقترب من المملكة، نظر إليها بتأمل، وشعر بشيء غريب يتحرك بداخله، وقال في ذهنه: "هل هذا حقًا بيتنا؟" لكنه لم يستطع الاستمرار في التفكير، فقد رأى **لالوريس** أمامه، الرجل الذي سمع عنه كثيرًا، الرجل الذي دمر مملكة الشمال وقتل أهله. كانت عروق **سيف** تغلي بالغضب، وكأن بركانًا يوشك على الانفجار داخله، لكنه وقف صامتًا، فلا حيلة له الآن.
استقبل **لالوريس** ابنه **لوريس** بحفاوة وقال له: "أين كنت يا بني؟ لقد كنا قلقين عليك." ثم بدأ **لوريس** يروي القصة، يحكي كيف تم خطفه، وكيف أنقذه **سيف**. استمع **لالوريس** بانتباه، ثم قال بحدة: "لقد عرفنا من فعل ذلك. إنها إحدى مؤامرات العبيد الشماليين. يا لهم من نكرة!"
ثم أمر **لالوريس** أن يدخل **سيف** مع **لوريس** إلى المملكة ليستضيفه في المملكة. وبينما كانا يسيران، أشار **لالوريس** إلى شخص مربوط عند الساحة، رجل يظهر عليه آثار التعذيب، وقال لـ**لوريس**: "أترى هذا الشخص؟ لقد كان من ضمن المجموعة التي اختطفتك. الآن، خذ هذا السيف و أقطع رأسه أمام الجميع."
تقدم **لوريس** نحو الرجل المربوط، نظر في عينيه وسأله: "لماذا فعلت ذلك؟"
أجاب الرجل بصوت متقطع لكنه ملؤه العزم: "أنتم ظالمون. لقد ذبحتمونا بلا رحمة. لكننا سنعود لكم… يوما ما."
تأمل **لوريس** تلك الكلمات، وصدى غضب والده يرن في ذهنه. في داخله، كان يعلم أن ما قاله الرجل حقيقي، فقد شهد بعيونه ظلم والده للشمال وذبح الأبرياء بلا دليل. لكن **لوريس** كان يعلم أنه يجب أن يفعل ذلك أمام الشعب، لكي يثبت مكانته كوريث العرش، ولكي لا يفقد احترام والده.
أمسك بالسيف بيده القوية، وقطع رأس الرجل. تساقطت الدماء بغزارة، وانتشر الصمت في الساحة. وفي تلك اللحظة، وقف **سيف** يراقب المشهد، عيناه ثابتة ونظراته جامدة، لكن في داخله كان نيران الغضب تتصاعد مثل بركان على وشك الانفجار. همس بصوت غير مسموع: "تضحيتك لن تذهب هباء. سأستعيد المملكة. لكن كان يجب أن تصبر… فلترقد بسلام."
بينما كان **لوريس** يحمل السيف الملطخ بالدماء، نظر إلى **سيف**، ثم إلى السماء. في تلك اللحظة، كان كل شيء يبدو هادئًا من الخارج، لكن
العاصفة كانت تتكون في الداخل—داخل كل منهم.