5 - اليد اليمنى لسيد الشمال

في هدوء الصباح الباكر، ظهرت إيميلي، إحدى الفتيات الشابتين، أمام الكوخ، محمَّلةً بسلة مملوءة بالطعام. قالت بصوت حيوي:

"هيا يا سرينا، لنحضر الطعام قبل أن يأتي أبي."

أجابتها سرينا بنبرة واثقة:

"حسنًا يا إيميلي، أنا قادمة."

كانت الفتاتان في أزهى سنوات شبابهما، ملؤهما الحيوية والنشاط.

في قاعة السيادة الشمالية، كان أدريس جالسًا على كرسيه المذهب، ذلك الكرسي الذي يحمل في طياته تاريخًا من القوة والسلطة. وفي تلك اللحظة، كان يُسرع إبراهيم، سيد الجند، في الدخول إلى القاعة، وأخبره قائلاً:

"يا سيدي، لقد ظهر أحد الأشخاص الذين حاولوا التسلل إلى المملكة. أعتقد أنه جنوبي."

ردَّ أدريس، وقد بدا عليه بعض العتاب في صوته:

"أحسن الظن، يا إبراهيم. ليس كل عدو لنا جنوبي. نحن لدينا أعداء في جميع الأرجاء، سواء داخل المملكة أو خارج حدودها."

لكن إبراهيم، الذي كان دائمًا حريصًا على حماية المملكة، ردَّ بصوتٍ مليء بالدهشة:

"لم أصدق، رغم كل ما فعلوه. يا سيدي، تُحسن الظن بهم! لم أرَ شخصًا مثلك في حياتي. أنت قدوة لجميع الجند، رغم طيبتك، إلا أنك عادل في أوقات الجد. مساند للضعيف، قوي القبضة على الظالم، حنين اللمس للمظلوم."

ابتسم أدريس ابتسامة جميلة، محمَّلة ببعض الطيبة والحياء، وقال:

"مهما اشتدت الصعاب، ومهما كانت الظروف، يجب عليك أن تكون قدوة لجميع من حولك."

ثم التفت إلى النافذة، ونظر بعيدًا، وأكمل حديثه قائلاً:

"انظر، هناك. نحن نحمل مسؤولية كل من هناك. لو لم تستطع أن تحمي من وثقوا بك، فلا تقل عن نفسك إنك سيد."

أخرج أدريس كيسًا من النقود الذهبية، وقال لأبراهيم:

"خذ هذا الكيس، وانزل به إلى السوق. لا تترك جائعًا إلا أشبعته، ولا عاريًا إلا البستهُ."

أجاب إبراهيم وهو يرفع يديه في احترام:

"حاضر، يا سيدي. سأفعل كل ذلك."

ثم التفت أدريس إلى إبراهيم قبل أن يخرج، وقال بصوت واثق:

"أعلم أنه لو اتفق العالم كله على أن يكون ضدي، أنت الوحيد الذي ستحارب من أجلي."

ابتسم إبراهيم، وقال بفخر:

"بالطبع، يا سيدي. سأكون دائمًا بجانبك."

أخذ إبراهيم الباب بيده بعد أن استأذن بالخروج، وخرج من القاعة. توجه إلى السوق حيث كان معروفًا لدى أهل المملكة، فهم يعلمون أن السيد أدريس لا ينسى أحدًا مهما علت مكانته. بدأ إبراهيم في توزيع المال على أهل المملكة، فطعم الجائعين وكسى العراة، وابتاع بعض الفواكه، ثم قرر أن يذهب إلى ابنتيه، سرينا وإيميلي، وقد كان في قلبه شعور بالراحة بعدما رأى الفرحة في وجوه أهل المملكة.

دخل إبراهيم بيته، حيث استقبلته الفتاتان بسعادة، وأطلقتا بصوت واحد:

"ها قد عاد أبي!"

قالتا الفتاتان معًا، بلهجة مليئة بالحماس:

"ماذا قد اشترى لنا يا ترى؟ نحن متحمسات، ومتحمسات أيضًا أن يعجبه طعامنا!"

ضحك إبراهيم، وأجاب مبتسمًا:

"يا أيها الفتاتان الرائعتان، مهما فعلتم، سيظل يعجبني ما تفعلون. أنتم على أحسن خلق، وأحسن تربية."

ثم جاء صباح اليوم التالي، حيث اتجه إبراهيم إلى ميدان تدريب الجنود. وقف أمامهم، وأخذ ينظر إلى وجوههم بحزم، ثم رفع صوته مخاطبًا إياهم:

"هذا السيف الذي تحملونه، يحمي أناسًا ويدافع عن أناس. عليكم جميعًا أن تحملوه بإخلاص، وأن تستخدموه للعدل والإنصاف."

تشجع الجنود جميعهم، وأخذوا يتدربون بكل قوة وشجاعة، وكل واحد منهم كان يضحي بكل جهده في سبيل المملكة. وكان إبراهيم يقف جانبًا يشاهدهم بفخر، في قلبه يقين راسخ أن جهوده، وجهود هؤلاء الجنود الأبطال، لن تذهب هباءً، بل ستكون لها نتائج عظيمة في المستقبل.

وعندما انتهى من عمله في ميدان التدريب، عاد إبراهيم إلى منزله، وكان يومًا مليئًا بالجهد، كعادة أيامه. وعندما وصل إلى باب منزله، توقف للحظة يسمع بكاء قادم من الداخل. أسرع بفتح الباب، ودخل مسرعًا ليكتشف أن البكاء كان صادرًا من سرينا. نظر إليها بقلق، وسألها:

"ما بكِ يا ابنتي؟ وأين أختكِ؟"

أجابته سرينا، وصوتها يرتجف:

"أختي قد اختفت منذ الصباح، وبحثت عنها في كل الأرجاء، ولم أراها. أنا قلقة جدًا عليها."

أخذ إبراهيم نفسًا عميقًا، ثم قال لها بحزم:

"لا تقلقي يا سرينا، سأبحث عنها الآن. أغلقي الباب ولا تفتحيه لأي أحد."

خرج إبراهيم على الفور، وانطلق يبحث عن إيميلي في كل مكان، دون أن ييأس. مرّت شهور طويلة على هذه الحال، دون أن يحصل على أي خبر عنها، ولم يتمكن أحد من إيجادها.

ثم في أحد الأيام، بينما كان إبراهيم يقف على باب منزله، طرق أحدهم الباب. اقترب بسرعة ليفتحه، وكان الصوت الذي سمعه يشير إلى بكاء طفل رضيع. فتح الباب، وعيناه تشعان بالدهشة، ووجهه يكتنفه الصدمة. أمامه، كانت إيميلي، تبكي بحرقة، وقد بدت عليها علامات الضرب، وفي يدها طفل رضيع.

أخذ إبراهيم ابنته إيميلي إلى الداخل، ثم قال لها بصوت جاد ومشحون بالقلق:

"قبل أن تجلسي، عليكِ أن تقصي لي كل ما جرى لكِ."

جلست إيميلي على مقعد قريب، وبدأت تروي القصة بتردد، وبصوت مرتجف، وكأنها لا تزال تعيش تلك اللحظات المريرة. قالت:

"إنه عدنان، يا أبي... عدنان أخو لالوريس سيد الجنوب. كنت أتجول وحدي في الغابة، أبحث عن بعض الفواكه وأتمتع بجمال الطبيعة الخلابة والجذابة. وفجأة، ضربني أحدهم على رأسي، ففقدت الوعي. وعندما أفقت، وجدت نفسي مربوطة في إحدى الكهوف المضلمة البائسة، وكان هناك ضحكة من بعيد، وقال لي صاحبها:

'ها قد جئتي إلى هنا بعد طول انتظار.'"

توقف إبراهيم لبرهة، كان يراقب ابنته بعينين مليئتين بالدهشة والحزن. أكملت إيميلي ببطء، وقد ارتسمت على وجهها علامات الذعر:

"ثم ظهر وجهه، واعترف أنه عدنان. بدأ بما بدأ به، وأنا أصرخ بأعلى صوتي حتى كدت أن أفقد نطقي. لكن لم يأتِ أحد لإنقاذي. مرّت شهور، وعرفت أنني حامل. وعندما اكتشف ذلك، رماني... تركني وحدي، تائهة في الطريق. حتى لقيتني إحدى الأهالي، فساعدوني حتى ولدت هذا الطفل."

صمتت لحظة، والتفتت إلى أبيها، وقالت بصوت يكاد لا يُسمع:

"أرجوك، يا أبي، سامحني... سامحني."

كان إبراهيم يقف أمامها، صُدم من هول ما سمع. كل كلمة كانت تزيد من وقع الصدمة في قلبه، ويشعر وكأن الأرض تبتعد عن قدميه. أخذ الطفل بين يديه، ونظر إليه بنظرة غريبة، مليئة بالشكوك والحيرة. كانت تلك النظرة غريبة، وكأنها تحمل شيئًا غير مرئي، شيء لا يستطيع أن يضع له تفسيرًا.

شعر بشيء غريب ينمو في قلبه تجاه ذلك الطفل، شيء لم يكن يستطيع تفسيره، كان مجرد إحساس غير قابل للتجاهل، كان يراقب الطفل بصمت، وكلما نظر إليه، كان ذلك الإحساس يتزايد داخل نفسه.

شاركونا برأيكم في التعليقات

2024/11/21 · 7 مشاهدة · 948 كلمة
You ssef
نادي الروايات - 2025