لم تجد حتى وقتا للصراخ، هاوية لا يرى قعرها، هذا كان الأمل الذي وجدته، في يأس رحت تحرك يديك في كل اتجاه لتصطدم بما بدى لك أشبه بصخرة بارزة، بكل قوة أنتجتها غريزة البقاء داخلك تعلقت بها، التوقف المفاجئ سبب ألام شديدة لعضلات ذراعيك ولكن لا تملك ترف الإهتمام، من جديد شعرت بالسائل الدافي يغمر عنقك وينسال على جذعك، صوت ارتطام مصباحك بالقاع قد وصلك بعد ثوان، لم يشغلك ذلك بتاتا فالإضاءة الموجودة كافية، لأكثر من دقيقة ظللت في وضعك، حاولت أن تتسلق المنحذر ولكن ملاسته منعتك، رفعت رأسك للأعلى، يفصلك عن النجاة ما يقارب الأمتار السبعة، هنا لمحت صخرة أخرى تشابه الصخرة التي تتعلق بها، فوقك على مسافة تزيد على المتر، لو استطعت الوقوف على هذه الصخرة فإنك تستطيع الوصول إليها. حسمت أمرك، وبكل ما بقي لديك من قوة استنفرت جميع عضلاتك وأنت تدفع جسدك للأعلى، جروحك راحت تصرخ من الألم لكنك قمعتها بقبضة من حديد فلا وقت لهذا الهراء، احتجت إلى عدة محاولات حتى استطعت النجاح، في النهاية وقفت لاهثا ولكنك لم تتوقف، قفزة بارعة سمحت لك بالوصول إلى القطعة التالية، من جديد وجدت فوقها أخرى، هنا أدركت أن هذه البروز ليست طبيعية، شخص خبيث تركها هكذا، لماذا؟ ، للأسف ليس هذا المكان أو الزمن المناسب للتفكير بإجابة مناسبة، كالقرد رحت تقفز من واحدة لأخرى، جسدك الرياضي والذي قضيك العشر سوات السابقة في تنميته أتى بنتيجة. في النهاية وبعد عدد لا تدري كنهه من المحاولات وصلت إلى الحافة. أطرافك ترتجف، وقميصك أصبح مغطا بالدماء، ألقيت جسدك المنهك وأنت تلتقط أنفاسك في عسر، ألام جروحك ما عادت تطاق، الدوار يحيط بعقلك ووعيك بدأ يختفي، تشعر بالحصى يخترق جلدك ويغوص في لحمك ولكنك غير قادر على الحركة، لو غفوت الآن فقد لا تستيقظ إلا في العالم الأخر، تدرك هذه الحقيقة جيدا ولكن قواك قد استنزفت، لينتهي الأمر باستسلامك وفقدانك الوعي وسط الخطر وتحت مراقبة تلك الأعين. ****************************************************************************************** االيوم: ؟؟\؟؟\؟؟ الوقت: ؟؟\؟؟ المكان: ؟؟ " يبدو بأنه قد غاب عن الوعي " في سخرية هتف وهو يتأمل الصورة المعروضة على إحدى شاشات المراقبة " أي أحمق يسمح لنفسه بذلك في مثل هذا الظرف؟ ، قتله الآن سيكون أسهل من سحق حشرة " من جديد هتف الرجل وهو يستدير وعلى وجهه ابتسامة شامتة فيما يعبث بشاربه البني السميك " هل أبلغهم عن مكانه؟ لا يبدو مؤهلا، ربما من الأفضل التخلص منه " أنهى حديثه وهو يتأمل الواقف على مسافة منه، قبعته الحريرية لم تنجح في حجب خصيلات شعره الأبيض خلفها، في هدوء أسند ظهره للحائط وهو يحمل بين يديه قدحا فاخرا تصاعدت الأبخرة منه، راح يرتشف منه مستمتعا و متجاهلا الرد " سيدي، هل سمعت ما أقول؟ " أعاد السؤال في نبرة أعلى قليلا ويده تمتد لتعدل نظارته الرمادية " لا يشرب المرء قهوته هنا دون إزعاج، خصلت الصبر ليست إحدى مزاياك" أجاب ذو الشعر الأبيض وهو يضع قدحه جانبا، قبل أن يلتفت باتجاه السائل وهو يضيف " بالتأكيد كان بالإمكان أفضل مما قدم، ولكن الحقيقة أنه قد أصاب مايكل وتمكن من خداع شيلير، هذا نجاح بأدنى الحدود ولكن احذر من التدخل لأي طرف، المسرحية الجارية قد شارفت على النهاية وسنرى من يبقى لحظة إنزال الستار" أنهى حديثه وهو يتناول فنجانه من جديد " بالرغم مما قلت، إلا أني لم أتوقع منه هذه المقاومة، هو لم يتردد لحظة في طعن مايكل في ساقه، لقد كان أمرا مباغتا" اهتزت أكتاف الأشهب من جديد قبل أن ينفجر ضاحكا في استخفاف وسط نظرات الأخر المندهشة " أحمق كعهدي بك، لم تكلف نفسك قراءة أي من الملفات، وقتها لكنت أدركت أن هذا أمر لا يدعو للإستغراب، عد إلى تلك اللحظة ومن يدري لعلك تجد ما ينير لك مما فشلت في تعرفه " خيم الصمت عليهما لثوان قبل أن يتنحنح صاحب النظارات وهو يستفسر في حذر " بالنسبة لما فعله جاك، هل يجب علينا القيام بأي شيء؟ " " من جديد لا تسأل إلا العجب، هذه معركة حياة أو موت، من يرد النيل من الأخر فله ذلك، لو أبادوا بعضهم فهذا لن يغير من الأمر شيئا، ولأجيب على ما تفكر، مبلغ المكافأة سيكون بين من لم يهلك، إن كانوا هم المنتصرين طبعا " ألقى هذه الكلمات وهو يتحرك باتجاه باب الحجرة " إلى أين يا سيدي ؟ " " أتركك لتغذي عقلك، في أمر بسيط ذاهب ولكنه من الضرورة، كي يخرج جميع الممثلين أفضل ما لديهم " ومع نهاية كلامه كان خارج المكان بالفعل. تنهد الرجل في سخط وهو يعيد ما سجلته آلات المراقبة في وقت سابق، توقف عند مشهد المباغتة، الإضاءة المحدودة، الظلال المتادخلة والحركة السريعة جعلت من الصعب التميز، لكنه لم يتوقف، بأقصى ما تسمح به الشاشة، قام بتكبير الصورة ، مرة واثنان وعزز بثلاث مرات من المشاهدة المتتابعة ولكن دون نتيجة. " ترى أين علي أن أنظر بالضبط؟ ، كان من المفترض أن يبخرني على الأقل " راح يشتم في حنق وهو يعيد التسجيل للمرة الرابعة ولكن هذه المرة تم عرض اللقطات بأبطأ ما يستطيع الجهاز، ليتوقف عند مشهد الطعن، راح يتأمل الشاشة عن قرب، لحظتها فقط أمكنه التميز، لم تضح لأكثر من ثانيتين بسبب العوامل السابقة ولكنه الآن يرى ما قصده سيده بوضوح، ومع اتساع عينيه في دهشة، حانت من التفاتة إلى حيث الملفات قد تكومت وهو يتمتم " أمن الممكن أن.... " وبقي سؤاله بلا جواب ********************************************************************************************* " أين أنا ؟ " من بين شفتيك خرجت حاملة كل ما في داخلك من حيرة وتوجس، لا شيء يرى سوى الظلام ولاصوت يسمع غير الصمت، وحيدا كورقة شجرة يتيمة في نهاية الخريف، تمسح بنظراتك جميع الإتجاهات ولكن لا جديد، تشعر بنفسك وكأنك تطفو في الهواء، حاولت تحريك قدميك لتجدهما يسبحان في الفراغ، ترى هل مت؟ وما تمر به الآن هو العالم الأخر؟ تنهدت في استسلام وأنت تغلق عينيك في قنوط، أن تنتهي حياتك وهي ما تزال في بدايتها ليس بالأمر الذي يرقص له القلب فرحا، كان لديك الكثير من الأحلام والأمال ولكنها الآن أصبحت هباء منثورا، حتى في أبشع كوابيسك لم تتخيل أن تكون نهايتك وحيدا مطاردا وفي مكان لا تعرفه وعلى يد أشخاص تجهلهم و ... " إلى متى ستبقى نائما؟ ، حان الوقت أن تستيقظ هانبيشي ماسارو " قوية وساخرة دوت في عقلك مصحوبة ببرودة شديدة أصابت عنقك بغتة، فتحت عينيك وأنت تطلق شهقة مفزوعة، هذه المرة كان كل شيء كما تركته، الأرضية الصخرية القاسية المفروشة بالحصى، الإضاءة القوية أجبرتك على إغلاق عينيك وفتحهما لبضع من المرات، في صعوبة تمكنت من النهوض وأنت تمسح على جروحك في ألم، كم بقيت فاقدا للوعي؟، لا إجابة ولكن إصاباتك كانت قد توقفت عن النزيف، إذا يبدو بأنك ظللت غافيا لفترة ليست بالقصيرة، لمست الجزء الخلفي من عنقك لتجده مبتلا، رفعت رأسك للأعلى لتتأمل قطرات الماء المنهمرة من السقف " إذا هذا ما شعرت به " تمتمت بصوت خافت وأنت لا تتوقف عن التفكير في الصوت الذي سمعته، أكان مجرد هذيان نسجه عقلك المرهق؟ أم أنه حقيقة لا جدل فيها ؟ هززت رأسك طاردا لهذه الأفكار التي ليس الوقت وقتها، هنا لمحته لتندهش، موضوعا على صخرة قريبة من المدخل وتحته ورقة زرقاء صغيرة، عن المصباح الرمادي أتحدث. بخطوات لم تستعد كامل قواها أسرعت نحوه، مصباحك السابق أصبح ذكرى في أسفل الهوة فما الذي جاء بهذا إلى هنا؟ ، بلا تردد تحسسته وكأنك ترغب بإزالة كون ما تراه وهما من عقلك، ولكن ملمسه البارد أكد لك أن واقع مثل وجودك في هذا المكان. أمسكت الورقة تاركا لعينيك أن تجوبا سطورها القليلة " في الرحمة الهلاك وفي القتل الحياة، أظن أنك فهمت معناها، الآن القرار قرارك فاختر بعناية، استخدم هذا لكي يكون الموقف متعادلا، سنلتقي لاحقا إذا بقيت على قيد الحياة ، المخلص بلوتو . " " ما هذا الهراء ؟ " هتفت في سخط وأنت تمنع نفسك من تمزيق الورقة من الغل، في النهاية اكتفيت بأن وضعتها في جيبك وأنت تدير سطورها القليلة في رأسك قبل أن تتوقف عند أخرها " المخلص بلوتو ؟ ، لحظة إن لم تخني ذاكرتي، ألم يكن هذا الاسم يشير إلى ... " انعقد حاجابك حينما وصلت إلى هذه النقطة ولكنك سرعان ما نفضت هذه الأفكار من رأسك وأنت تلتقط المصباح وتديره لتتأكد من صلاحيته " ليس الوقت مناسبا لهذا الهراء، هناك من يريد – لسبب ما - أن ينهي حياتي ولن أسمح لهم بذلك بالإضافة إلى أن لدي رغبة قوية برؤية المجنون كاتب هذه الرسالة، والآن يا ماسارو، أنت مطارد من مجموعة من المهرجين المسلحين فيما أنت أعزل إذا ما استثنينا هذا المصباح الضئيل فما العمل ؟ " على الرغم مما قاله إلا أن ابتسامة ماكرة وجدت طريقها إلى شفتيه مقرونة بذلك البريق الساخر في عينيه ليهتف في خبث " حسنا، أكره لعب دور الفريسة الضعيفة، لنري أولائك الحمقى أن الطريدة من الممكن أن تصبح هي الصياد حينما ترغب " أنهى حديثه وابتسامته تتسع أكثر فأكثر نهاية الفصل السادس .

2019/02/09 · 434 مشاهدة · 1369 كلمة
abalmaghrabi@
نادي الروايات - 2024