أنا الآن في أحد فنادق كاستينا

قديسة الجناح متوترة للغاية، بين الفترة و الأخرى تطل من شرفتها في الطابق الثالث من النزل الذي استقرت به، و عيونها تبحث عن أحدهم.

بعد ساعات وصلت فتاة لم تبلغ العشرين من عمرها، ما أن رأتها حتى نزلت مسرعتا لإستقبالها

واضح أن لديهما أمر مهم، لحسن الحظ فقد اتخذت التدابير اللازمة و زرعت أداة سحرية يصعب كشفها في غرفتها، و هكذا سأتمكن من رؤية و سماع كل ما سيدور بينهما و أنا قابع في الغرفة المجاورة.

"هل أحضرتها؟"

" أجل سيدتي القديسة، لكن تذكري وعدك لي "

" اطمئني لن يعلم أحد بشيء، تأكدي أنني لن أنبت لمخلوق ببنت شفا"

أخرجت الضيفة سجلا من المكعب و قدمته إلى القديسة، التي قفزت لإختطافه لكن أيادي الفتاة أبت أن تفلت الكتاب

"لو خرج حرف واحد بالخطأ، فمستقبلي سينتهي"

سحبت القديسة الكتاب إلى صدرها، و رمقتها بنظرة شخص انزعج من تكرار كلامه.

"كل منا حصل على ما يريده، غادري "

خرجت الفتاة و الندم يتملكها، بينما لم تنتظر القديسة أن تذهب ضيفتها لتتفحص السجل و هي تقرأ كل حرف بإهتمام كبير.

بعد مضي نصف ساعة، صرخت القديسة في غضب

" تشن لوه أيتها الساقطة، تمثلين أنك تساندينها في حين تتعمدين أن تزيدي الوضع سوءا"

'تشن لوه.....من تكون يا ترى؟، يبدوا الإسم مألوفا'

لم أتمكن من تذكر الاسم فاستمرت في التصنت

تغيرت ملامح القديسة بإستمرار، و لم تتوقف لحظة عن القراءة

*حمقاء*

صراخها المفاجئ تسبب في أن أصاب بالصمم، ضربت القديسة السجل على الطاولة

" سو ميتش، كيف تقعين في خدعة كهذه ؟"

كان غضبها شديد حتى أن جسدها كان يهتز بشدة و تثاقلت أنفاسها

'سو ميتش،هل يعقل أنها تتحدث عن الزوجة الثانية لحاكم مملكة الأنهار ؟'

ممالك البشر الثلاثة كلها الآن تحت سلطة الملك السماوي، و قد قام بإختيار أكثر تابعيه إخلاصا ليعينهم حكاما عليها.

معرفة ما يجري في قصور حكام الطرف الآخر من العالم، فإن القديسة فعلا ليست هينة و من ردة فعلها لا بد أن المسألة خطيرة.

كل محاولات الوباء في زرع عيون تأتيه بأخبار الحكام باءت بالفشل، ليس و كأني أبالي بمخططات الوباء المستقبلية، لكني متأكد أنه سيكافئني بسخاء إذا حصلت على هذه المعلومات.

"و ماذا تتوقعين أن يحدث، بعد أن وقعت في فخ العاهرة تشن كالبلهاء؟"

حديث القديسة التي استرجعت هدوءها، أعاد تركيزي على المهمة.

استمرت السيدة في قراءتها، تصرخ معترضتا تارة و تومئ في رضى تارة أخرى، و مع صرخات، عليك اللعنة ، و أحسنت عملا .

مضى الوقت سريعا، و في النهاية تحسن مزاجها بشكل ملحوظ، يبدوا أنها حصلت على أخبار جيدة.

أخيرا وضعت السجل من يدها و قد ارتسمت على وجهها إبتسامة مشرقة، أحسست فجأة أنني لم أعد ابالي بساعات المراقبة ، إذا كانت المكافأة رؤيتها تبتسم.

حان وقت العشاء و نزلت القديسة إلى الطابق السفلي، إذا أردت المعلومات الموجودة في السجل فعلي التحرك سريعا.

تسللت للغرفة و تفحصت السجل بسرعة أقرأ ما جاء فيه

***********

" إسمي سو ميتش، من أجل الرجل الذي أحببته تخليت عن كل شيء ، عائلتي ، أصدقائي ، أحلامي و كرستي حياتي من أجل دعمه.

أهملت نفسي تماما و عندما أخذت السنين أيام شابابي، و أفقدني التعب و ساعات العمل الشاقة صحتي و جمالي، تخلى عني و رماني للشارع ليتزوج بمن ظننتها صديقتي الوحيدة.

جلدت الأمطار الغزيرة أكتافي، هل السماء تمطر حزنا على مصابي أم أنها تعاقبني على حماقتي؟.

لماذا كنت بهذا الغباء؟، أليس الحب شعور متبادلا بين الطرفين، متى أظهر لي عطفه إلا في الساعات التي أراد مني شيئا، متى خصص وقتا لأجلي، متى ضحى لأجل مستقبلنا مثلما كان دائما يطلب مني؟.

كيف اعتبرت تلك الأفعى صديقتي؟، كيف تلاعبت بي طيلة هذه السنوات دون أن أنتبه؟.

على قمة الجبل، انهمرت الدموع على وجنتي سو، و قد عجزت حتى الأمطار أن تخفيها

السيدة اليائسة و الغارقة في ندمها و حزنها رمت خطوة في الفراغ مودعة حياتها القاسية.

.

.

.

"لماذا لم تستيقظ بعد؟، لقد مرت ثلاثة أيام "

"جسديا هي بخير، لكن الصدمة لم تكن هينة و يصعب علينا معرفة متى تفيق"

"إهدئي عزيزتي، إنه يبذل جهده ليس علينا غير الدعاء من أجلها"

حديث الأشخاص بقريبي جعل قلبي ينبض بجنون، لا أعرف كيف نجوت من سقطة كتلك لكن حيرتي الأكبر ناتجة عن سماع صوت والدي المتوفي.

بصعوبة بالغة فتحت عيناي لأرى منظرا لا يصدق..... إنه نفس المشهد منذ سنوات طويلة مضت، يوم غرقت بالنهر.

" مستحيل......لقد عدت في الزمن!!!".

*********

"عادت في الزمن!!!"

" ما هذا الهراء الذي أقرأه، ما هو هذا السجل بالضبط؟"

لأول مرة أفقد أعصابي أثناء مهمة و أصرخ بلا تحفظ، ما ظننته سجلات مراقبة لحاكم مملكة الأنهار، اتضح أنها مسودة لرواية لم يتم نشرها بعد.

ساعات و أنا أراقبها و أتابع بحرص كل تعليق تلقي به، علي أستنبط الموضوع الذي تقرأه، و في النهاية يتضح أنها قصة رومانسية.

'و ما هذا الهراء عن العودة بالزمن؟، سحريا هذا مستحيل'

عدت إلى غرفتي و مزيج من الإحباط و الغضب يتملكني.

"آه.... نسيت أن أتخلص من أداة المراقبة "

في اللحظة ذاتها، عادت القديسة إلى غرفتها و اتجهت مباشرة نحو السجل، الذي اتضح أنه مجرد قصة.

"يا سلام، لقد استمتعت حقا بقراءتها، لا شيء يتفوق على روايات الأوريس، لا عجب أن مؤسسهم كان يلقب بالراوي......سأقرأها ثانية"

" إسمي سو ميتش، من أجل الرجل الذي أحببته تخليت عن كل شيء ، عائلتي ، أصدقائي ، أحلامي ........."

من جهتي أنا أغلقت أذناي و أنا أتوسل الرحمة، فبعد إحباطي من فقدان المال الذي كنت أخطط للحصول عليه من المعلومات التي بالسجل، لم يعد في مقدوري سماع أي حرف آخر، و الطامة هي أنه يستحيل إيقاف الإتصال من جهتي.

" كيف يعقل أن يستمتع أحدهم يقراءة قصة، لدرجة أن يقرأها ثانية مباشرة بعد إنهائها..... و لماذا هي تقرأ بصوت مسموع؟، هل يعقل أنها اكتشفت أمر الأداة؟"

" تشن لوه أيتها الساقطة المخادعة"

مع هذا التعليق الساذج و قد غيرت من نبرة صوتها، أدركت أنها لم تفعل.

"ههه، إنها حتى تعلق على نفس المقاطع من القصة ، أنا أحسدها على شغفها.....هل ضحكت للتو؟"

أنا دائم الإبتسام،لكن كل ذلك تمثيل في الحقيقة أنا لا أتذكر يوما ابتسمت فيه فعليا.

'جناح القديس، ما الذي يحدث لي و أنا بقربك؟'

أوقفت عقلي عن التفكير، و اكتفيت بالإستمتاع لصوتها العذب و هي تقرأ. لم يمضي وقت طويل حتى شعرت بالنعاس فتوقفت عن القراءة و ذهبت لتنام

*آآه* (تثاؤب)

"لحظة هل كنت أقرأ بصوت مرتفع..... مستحيل".

ليلتها لم أستطع النوم.......... لأن القديسة توقفت في ذروة القصة و ذهبت لتنام تاركتا إياي في فضول قاتل لمعرفة ما سيحدث، لم يكن أمامي سوى المخاطرة و التسلل إلى غرفتها و سرقة الكتاب.

قبيل الفجر كنت قد أنهيته،و أعدته حيث كان قبل أن تسيتقظ.

و أجل كانت القصة على غير المتوقع ممتعة للغاية و جعلتني أفكر

' هل ما أشعر به إتجاه هذه المرأة التي تفكر بصوت مسموع هو نفسه الحب الذي قرأت عنه قبل قليل؟'

لا أدري كم من الوقت بقيت أراقبها و هي نائمة، ضوء شمس الصباح كشف عن وجه بديع، ملامح جميلة لم تتمكن ندوب الحروق من الإنقاص من حسنها

غادرت قبل أن تستيقظ و عقلي و قلبي لا يفكر إلا فيها.

==============

أرجوا أنت تستمتعوا بالفصل....... فأنا استمتعت بكتابته

2019/09/03 · 968 مشاهدة · 1118 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024