" استيقظت سريعا، أنت قوي"

"ضرباتك مؤلمة، و يقولون أن هيئتك غير مكتملة ... هراء؟"

"كيف عرفت بشأن هيئتي"

تغيرت الأجواء حولها، و رمقتني بنظرات الشك

" كل الأوريس يشيدون بالقديسة التي ساعدتهم و انقلبت على البشر في نهاية الحرب الكبرى"

المعلومات التي جمعتها عنها مسبقا أنقذتني ، و قد اختفى شكها و أجابت

"هي فعلا كذلك، في آخر شهور الحرب التي دامت سنوات استيقضت ذات يوم، و قد اختفى نصفها فجأة"

" كيف يعقل ذلك؟"

نظرت القديسة إلى الأفق بشرود وقالت

" ذلك نتيجة قرار سأتخذه في المستقبل....لا تحاول أن تسأل فهو أمر يصعب شرحه... المهم الآن هي الجراء".

للإعتناء بالجراء أقنعتها أن أفضل خيار هو أخذها للريف، فهي مطلوبة هناك و سنجد لها عائلة تهتم بها.

و هكذا خرجنا من المدينة متنكرين إلى احدى القرى النائية، و كما ذكرت فقد تهاتف علينا الأطفال، و كل يريد جروا لنفسه

" مستحيل، كيف تفكرون في تفرقة الأخوة عن بعضهم ، لقد فقدوا والدتهم و لم يتبقى لهم غير بعضهم البعض..... وحوشا أو بشر، العائلة تأتي دائما أولا"

كلامها لامس قلوب الأطفال فتوقفوا عن الشجار، و حتى أن أولياؤهم تأثروا، أحدهم اقترح أن يتشاركوا جميعا في الإعتناء بهم.

و قد قوبل اقتراحه بالتهليل و البهجة

' العائلة تأتي أولا، حتى و لو كنت وحشا......، ربما لو امتلكت والدين لاختلفت حياتي'

"أرأيت سعادة الأطفال؟،ههه..

مع إبتسامة صادقة أضافت

" لقد كان عبئا و زال عن كاهلي، سأكافئك على مساعدتي"

"مكافأة!"

" إنها مفاجأة، انتظر حتى المساء"

حل المساء بطيئا، أو هكذا بدى الأمر و أنا في الإنتظار، وفقا لطلبها فقد كان علي البقاء بعيدا حتى إنتهاءها من إعداد مفاجأتها

"اللعنة، لما أنا متحمس لهذه الدرجة "

" ع .... ع..... عزيزي، هلا أتيت للحظة"

المرأة التي تمتلك أعذب صوت في العالم، نادتني للتو و دون سابق إنذار بعزيزها، عندما التفت كانت القديسة ترسم قسرا إبتسامة على وجهها .

" إلى متى تنوي البقاء خارجا، الغرفة التي حضروها لنا جاهزة"

" أنا قادم عزيزتي ليان"

لأوضح الصورة، فكلانا متنكران على هيئة رجل و فتاة في العشرينيات، مما أعطى إنطباعا أننا متزوجان حديثا، و نحن لم ننكر الأمر كجزء من التنكر

بصراحة علي أن أشكر سيدات القرية، فأمامهم القديسة تصبح في غاية اللطف معي، و أنا سأستغل الوضع لمصلحتي.

وضعت يدي على خصرها بلا تردد و سحبتها إلى جانبي، توددت إليها بلا خجل و نحن متجهان نحو الغرفة تحت همسات السيدات

" عصافير الحب"

"من الجميل أن تكون يافعا"

"إنهما رائعان معا"

و كل المجاملات من هذا القبيل، ما أن أصبحنا بمفردنا، حتى وجدت نفسي أتفادى لكمتها المتفجرة

" أهكذا تستقبلين زوجك؟، "

"أيها المنحرف تتحرش بي، و تناديني بعزيزتك "

"أنت من ناداني بذلك أولا"

"ذلك .... ذلك لأني لا أعرف إسمك، و مناداتك بالمنحرف لم يكن ممكنا ساعتها"

عندما أفكر في الأمر أنا فعلا لم أطلعها على إسمي

"الساد..... ساتو، اسمي هو ساتو"

الاسم الوحيد الذي خطر في بالي، جاء من الرواية الرومانسية التي سرقتها من عندها، ربما ارتكبت خطوة حمقاء، أو ربما لا فقد لمعت عيناها لسماعه.

" ساتو، مثل بطل رواية الحب عندما تعلم كل شيء"

نقطة ضعف القديسة التي كنت أهذي أني أعرفها،لقد وجدتها فعلا ليان تعشق الروايات الرومانسية، حتى أن كل غضبها قد اختفى

"اتحبين هذا النوع من القصص؟"

أجبت بسؤال، فلن أقول أنني رأيتها و هي تهدد أحدهم للحصول على رواية لم تنشر بعد، لكن لا زلت أستطيع إغاضتها قليلا

"لا أستطيع تخيلك مثل تلك الفتيات الحالمات، اللواتي يحضن الروايات و يصرخن باسم البطل و مدى روعة الحب و ...."

" لا تكن سخيفا، أنا إمرأة ناضجة"

لقد أنكرت و هي تشد قبضتها، علي التوقف عن إغاضتها إذا لم أرغب في قضاء الليلة مع آلام مبرحة

"ماذا عن مكافأتي، أين هي؟"

"ها هي ذا؟"

أشارت القديسة إلى طاولة مع أفضل ألوان الطعام، الأطباق مزينة بإحترافية و متوضعة في تناسق، كما أن رائحة الطعام زكية و تثير الجوع

" أنت تذكرين أنني عاجز عن الإحساس، مؤخرا أستعدت حاسة الشم، لكني لا أتذوق شيئا"

"أنت تشم؟، رائع ...... ستتمكن الليلة من التذوق ثانية،و ليس أي طعام، إنه لحم الأرنب العملاق المدخن، ثاني أشهى اللحوم على الإطلاق طبختها بنفسي"

"أولا كيف سأتمكن من التذوق، و ثانيا من يحتل المرتبة الأولى في اللحوم، و ثالثا ..... أنت التي طبختي!"

" ما هذه النظرة المتشككة، أتظنأنني لا أجيد الطبخ"

"آسف.... أنا فقط متفاجئ"

" مهارتي لا تضاهى، و هذا الطبق من إبتكاري و لا يتفوق عليه غير لحم ثور الجبل، المطبوخ على وصفة أشتير.....،"

توقفت فجأة عن الكلام مغيرة الموضوع و قد أخرجت قارورة سحرية

"لا عليك أنظر إلا هذه المادة السحرية"

زئبق بلون أخضر، وضعت نقطة منها على لسانها فتحول إلى اللون الأخضر، و أشارت لي أن أفعل المثل

"زئبق الترابط يسمح بتشارك الأحاسيس، اليوم ستتذوق من خلال لساني"

سحبت كرسي الطاولة و أجلستني

" خطوة بخطوة سنتناول نفس الطعام في اللحظة ذاتها، إبدأ"

بقيت أنظر إليها غير مصدق، أنا فقط حملت ثلاث جراء كلاب إلى هذه القرية، أنا بالفعل مدين لها لإنقاذها حياتي، أنا بفضلها تمكن من استرجاع حاسة الشم، ما الذي تبتغيه مني.

" لماذا، لماذا تفعلين كل هذا من أجلي؟"

"أهناك خطأ في مساعدة الآخرين، أنت تفكر كثيرا فقط تناول طعامك"

و أنا أرى إبتسامتها الجميلة أدركت الحقيقة، مساعدتها لي و إنقاذها للعبيد و حزنها على الكلب، إنها فقط طبيعتها، إنها إمرأة لم تتمكن هذه الأيام السوداء من أن تفسد نقاءها

"أغمض عينيك أولا و دع الإحساس يتدفق إليك"

لحم طري و غني بالعصارة، يذوب في الفم مع كل مضغة ليندمج مع الصلصة مفجرا إحساسا من المتعة تنسيك حرقة لسانك من التوابل الحارة، بل تلك التوابل هي ما تفتح شهيتك لتطلب المزيد و المزيد.

إنها نعمة التذوق، شعور جميل لطيف لم يسبق لي الإحساس به يغتمرني، أنا الآن أحلق في

جنة المتذوقين،

حيث على امتداد البصر لا أرى غير

سهل أخضر جميل و حولي الأرانب العملاقة تنام بسلام ، أو تتناول الكعك....... كعك.

"هل أكلت لتوك من قطعة الكعك؟"

"لا لم أفعل"

أخرجت لساني الأخضر و أشرت إليه

"بلى فعلتي، نحن نتشارك حاسة التذوق أنسيتي"

"كيف عساك تعرف طعم الكعك، ربما كان ذلك خبزا أو شيئا آخر"

"و تلك الكريمة على شفتيك، و الكعكة الناقصة بجانبك"

مسحت القديسة بسرعة فمها، و ابتسمت محرجة و هي تبعد الكعكة

" يبدوا أنك لا تحب الأشياء الحلوة، لنعد إلى الطبق الرئيسي"

تمنيت أن تدوم هذه الوجبة للأبد، بكل ما تعنيه الكلمة أنا لم أستقبل في حياتي هدية أجمل من هذه

على هذه المائدة الصغيرة قضيت أجمل وقت عرفته

"سيدتي .... شكرا "

"لا عليك،لكني أحسست أنك تكره الكعك و كأنك تعرف طعهمه"

"أجل أعرف طعم الكعك، إنه الشيء الوحيد الذي أتذكره قبل أن أفقد حواسي، فأحد الأثرياء المتفاخرين قرر أن يظهر لطفه بدعوة اطفال الميتم إلى عيد ميلاد إبنه.

تركونا في أحد الأركان حتى يتسنى للجميع رؤيتنا و الثناء على عطف النبيل و كرمه.

أعطونا الكعك و نظراتهم نحونا تقول أنهم م يتفرجون إلى وحش يأكل في القفص،

، كنت يتيما اقتصر غذاءه على بقايا الطعام والخبز اليابس، و لم أستطع رفض ذلك الذل و أكلت..... أجل أعرف طعم الكعك".

حديثي أفسد الأجواء، و قد عم الصمت بيننا، كنت سأخبرها أن تنسى ما قلت لكنها سبقتني

"بالطبع لم تكن لتستمتع بالكعكة، أعياد الميلاد وجدت للإجتماع مع العائلة و الأصدقاء و ليس للتفاخر، أنت لم تحتفل بعيد ميلادك من قبل ما رأيك عيد ميلادك القادم سنحتفل به سويا و أؤكد لك أنك لن تكره الكعك بعدها"

" هو وعد إذا، حسنا سأجرب كعكة الميلاد خاصتك"

ما كنت لأصدق أن هذا الوعد سيتخطى مفهوم خطوط الزمن، و سينفذ في عصر غير هذا العصر، ماذا يمكنني القول غير أنها إمرأة توفي بوعودها مهما كان الوضع.

عادت الأمسية إلى المسار الصحيح، و حديثي عن الماضي و فتح قلبي لها جعلنا نصبح

أقرب من بعضنا، لكني كنت مخطئا و جاءت اللحظة التي غيرت كل شيء

كيف لم أنتبه للأمر مسبقا، يستحيل أن تقبل القديسة بأمر كهذا

هالة بيضاء مرعبة اجتمعت حول قبضة القديسة و عيونها كلها تصميم على القضاء علي.

"انتظري لحظة، بعد كل هذا الوقت و لا زلت لا تثقين في"

"الوداع"

و أنا أصارع حتى لا أفقد وعيي، كانت القديسة تتأبط الوسادة و هي تقول

"تطلب أن ننام على نفس السرير و تسألني أن أثق فيك أيها المنحرف"

رغم أن النوم و أنا مقيد بالحبال مزعج لكن من يشتكي و هو ينام مع هذا الجمال.

2019/09/12 · 978 مشاهدة · 1311 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024