في لمح البصر مرت عدة أيام، و هدأ غضبها قليلا و بما أننا الوحيدان على الجزيرة فلم يكن هناك مفر غير التوقف عن مجافاتي و التحدث معي من حين لآخر خصوصا مع نفاذ مخزون الطعام و كونها لا تجيد صيد الأسماك

حل الليل و أشعلت النار عند الشاطئ، شويت عليها بعض الأسماك التي اصطدتها، أخيرا و بعد أن غلبها الجوع عادت القديسة ،من دون التنكر، بدت تماما مثل أول مرة رأيتها فيها، أتمنى فقط لو تنزع ذلك القناع السخيف.

أخذت سمكة و تناولتها

"ألن تضعي نقطة من السائل الأخضر، اريد تذوق السمك"

"في أحلامك، أنا لن أكون لطيفة معك بعد ....."

توقفت عن الأكل عندما أحست بطعم غريب، مسحت لسانها و راحت تحدق بأصابعها، غير مصدقة أنني دهنت السمكة بالزئبق الأخضر مسبقا، تنهدت مستسلمة و سألت

"إلى متى ستبقيني محتجزة هنا، و ماذا عن الأمر بإعدامي؟"

" لقد سبق و قمت بتزييف موتك فلا تقلقي"

"و كم ستربح من الوقت، آجلا أم عاجلا سيكتشف الوباء الأمر و عندها ستكون نهايتك"

"ليس إذا قتلته أولا"

قطعة من السمك سقطت من فمها و هي تحدق غير مصدقة ما أقوله

"لا تكن أحمقا،لا أحد قادر على الوباء فحتى الملك السماوي و ساحرته المستبصرة لم يتمكمنوا من إطاحته"

" أنسيتي من أكون، أنا الوجه الثاني للوباء، و مقابل السعر المناسب فرأسه سيكون بين يديك"

"السعر المناسب!!، ما الذي تريده؟"

انحنيت باتجاهها، حتى لم يبقى بين وجهينا سوى سنتمترات، حدقت في بحر عيونها الوردية الزاهية و همست

"حبك"

"مراهق أحمق، استمر في أحلام اليقظة خاصتك"

دفعتني و ابتعدت عائدة إلى الكوخ

ما عساي أن أقول، لا شيء أكثر إيلاما من أن لا يبادلك من تحب المشاعر نفسها

"تذكري، في حياتنا القادمة سأجعلك تقعين في حبي أولا، و تفعلين المستحيل لإرضائي و لا أعطيك جوابا، سأذيقك من نفس الكأس"

=====

أغلقت ليان باب الكوخ على نفسها، و وضعت يدها على قلبها الذي كان ينبض بجنون

"لا أصدق أنه جعلني أتوتر لهذه الدرجة، أعترف أنه رجولي رغم حداثة سنه.... ليان أيتها الحمقاء ما الذي تفكرين فيه، الحب ليس مقدرا لي"

"و لما هو ليس مقدرا لك؟"

ماذا أقول غير أني أمتلك طبعا نزقا، و كلما تم دفعي بعيدا أصبحت أكثر عنادا و لذلك أطللت عليها من النافذة.

سؤالي بالطبع كان لإغاضتها لكنها كانت غارقة في أفكارها حتى أنها جاوبتني

"لأنه في اليوم الذي سأقع فيه في الحب سيكون آخر يوم في حياتي"

"ما معنى هذا؟"

جفلت القديسة، و قد أدركت أن عادتها فضحتها

"إنها نبوءة"

"نبوءة!...."

كنت أسأل نفسي لماذا لم تعالج القديسة أثار الحروق على وجهها، على الأغلب و وفقا لعادتها في تصديق أي شيء تقرأه في الكتب، فلا شك أنها تركت نفسها على هذه الشاكلة كي لا يقترب منها أي رجل.

عموما صار لدي الآن فرصة إذا أقنعتها أن المتنبئين معظمهم مجرد مدعين، و إن لم تقتنع فأستطيع ركل مؤخرة المتنبئ حتى يغير رؤياه لمصلحتي.

" أنا لا أصدق هذه التخاريف"

"أنا أصدق

، و لا تقلق فأنا لن أقع في حب شخص مثل السادس"

" و ماذا عن ساتو إذا؟"

"أنت.... أنت....أنت و ساتو الشخص ذاته"

سؤالي أربكها أيما إرتباك، من خلال تصرفاتها و قصة النبوءة، أدركت أنها عزلت نفسها مطولا عن الناس، و قد يكون ساتو أول شخص تفتح له قلبها و تتقرب إليه.

"حسم الأمر ، إذا مات الوباء فلن يبقى وجود للسادس.... ، و إذا نجوت فأريدك أن تمنحي فرصة لساتو"

*بام....بام....بام

لم أتمكن من سماع جوابها، شعرت أن دمائي تغلي و قلبي الذي ينبض بجنون

و يدفع بالنيران عبر شرايني، جسدي أصبح فجأة مثل الجمرة المتقدة.

"ساتو... ساتو .... آآه"

صرخت ليان و قد احترقت يداها عندما لمستني، قنبلة موقوتة مزروعة بجسدي و لم أعلم بأمرها إلا متأخرا.

إنها لعنة سحرية شبيهة بتلك التي يقيد بها السادة عبيدهم ، في اللحظة التي عزمت فيها قتل الوباء تم تفعيلها تلقائيا، بكل تأكيد تم زرعها داخلي أثناء جراحة التعديل الجسدي

"الوباء.... أيها اللعين"

لم يكن أمامي سوى أن ألعنه و ألعن حظي، شعرت أن الحرارة قد أذابت لحمي و صهرت عظمي، التفت إلى الوجه القلق و فكرت أنه لا بأس إن كانت هي آخر ما تراه عيناي.

"أنقذيه...أنقذيه"

"لقد حان الوقت، لا مهرب من النبوءة"

' سيدتي...... من معك ....؟،من....... هذه الفتاة؟.... عما تتحدثان؟'

-------

انهار جسدي بالكامل و ضاقت أنفاسي كنت عاجزا، تماما مثل تلك الليلة منذ سنوات عندما كنت طفلا

' هل أنا أهلوس؟، أم أنني مت فعلا و الآن أرى حياتي السابقة'

لا أعرف ما الذي أصابني، وجدت نفسي فجأة في جسدي و أنا طفل في الحادثة ذاتها التي أوشكت فيها على الموت منذ سنوات مضت.

يومها إنهار علينا الميتم بعدما أن اندلعت به النيران و أكلت أعمدته الخشبية سقط السقف و علقت تحت أنقاضه

"' مؤلم....هذا مؤلم... قدماي .... أنا لا أشعر بهما "

الطفل في جسدي الصغير تحدث، بينما كنت أنا في حيرة من أمري،أنا أتذكر الحادث لكني لم أتذكر أن الوضع كان بهذا السوء، قدماي قد سحقتا و احترقتا بالكامل، حتى أفضل ساحر علاج في العالم لن يستطيع فعل شيء ، كيف يعقل أنني لست معاقا.

' أجل هي.... هي من تملك الجواب....أين هي؟'

تذكرت أخيرا من تكون السيدة الغامضة التي دائما ما تظهر في أحلامي، إنها المرأة التي أنقذتني و أخرجتني من تحت الأنقاض

"ستكون بخير....ستنجوا .... تأكد أنك ستنجوا "

'مستحيل... كيف يعقل هذا؟، سيدتي القديسة... أيها الأحمق لا تغمض عينيك'

صرخت في عقل الطفل الذي استسلم للألم، لكني لست متأكدا إذا كنت فعلا موجودا هنا حتى يكون بإمكانه سماع صوتي

' ما هذا.... أين أنا؟'

الطفل الذي فقد نصف جسده في الحريق وجد نفسه يقف على قدميه فوق سطح البحيرة و وسطها تموضعت لوتس عملاقة.

أمسكت القديسة بيدي الصغيرة و قطفت بتلة من زهرة اللوتس لتضعها في يدي

"إنها أساس هيئتي، لديها قدرة تفوق التصور، هذه البتلة هي قانون الواقع، القانون الذي بإمكانه أن يجعل من أي رغبة حقيقة ملموسة.... بفضلها ستنجوا و ستمشي ثانية"

"أليس لهكذا قوة ، ثمن يجب أن تدفعه سيدتي الجميلة"

"اوووو.... لقد كنت ذكيا و معسول اللسان منذ صغرك... لا تقلق فهو ثمن سأكون سعيدتا بدفعه"

"عليك أن تعيش.....

وصيتها حفرت في ذاكرتي، صوتها الجميل علق بأذني و وجهها الجميل علق بذهني...... إنها حبي الأول

من كان ليصدق، مصيري مع سيدتي القديسة كان مقدرا، حتى قبل أن أصبح عبدا للوباء.

بطريقة ما أثلج ذلك صدري، لكن فرحتي لم تدم

'إنها تذبل.... نصف زهرة اللوتس تذبل.... أهكذا فقدت نصف هيئتها'

----

*آآآه

الصرخة المحشورة في جسدي الذي احترق بلا نار، و الذي يتمزق بفعل السحر الغادر الذي زرعه الوباء بداخلي.

خرجت من فمي و معها عدت إلى الواقع و استيقظت من ذكرياتي، لكن ليتني لم أفعل

لماذا مرت تلك الذكريات بخاطري، لماذا في هذه اللحظة بالذات استرجعت ذكرياتي، الجواب في كف يدي.

بتلة زهرة اللوتس التي أنقذتني في الماضي، أنقذتني اليوم و أعادت جسدي لحالته المثلى لكن ثمن ذلك سيكون غاليا جدا

" ليان..... ليان....أين أنت؟"

لمع في هذه اللحظة ضوء ذهبي يعمي الأبصار، لتظهر سيدتي رفقة فتاة سمراء مع شعر أحمر

لم يكن هذا سحر إنتقال، و لم يسبق لي أن رأيت هالة ذهبية مثلها و التي انحصرت في تميمة تحملها في يدها

"سيدتي أنا.....آسفة"

اعتذرت الفتاة قبل أن يشملها الضوء الذهبي و تختفي كما ظهرت.

لم يكن ذلك الوقت المناسب للتفكير في الفتاة الغامضة، فالقديسة بدت و كأنها ستنهار في أي لحظة، و بالفعل قدماها لم تحملاها فركضت إليها أسندها

" سيدتي أين كنتي و ماذا حدث، كيف وصلت البتلة إلى يدي؟"

"لقد كنت معك ، كان مستحيل أن أعطيك البتلة و سحر لعنة الموت تغلف جسدك فمنحتها إياك و أنت طفل"

" أنا لا أفهم ما تقولين، لكني استخدمت البتلة مرتين ..."

بصعوبة خرج السؤال من فمي

"ماذا عن هيئة اللوتس خاصتك؟، ماذا عنك؟"

عندما إبتسمت بدت كجنية خارج هذا العالم، إبتسامتها كانت جميلة و دافئة ، و قاتلة أكثر من أي سلاح واجهته من قبل

"لا بأس ....فذلك هو قدري؟، ألم أخبرك بالنبوءة... الحب ليس مقدرا لي... السادس، لا أفضل أن أناديك ساتو... تلك الأيام في الريف...كانت بالفعل جميلة"

بين يدي و من أجل شخص مثلي، و ليس مرة بل مرتين توفيت أروع و ألطف و أطيب إمرأة في الوجود.

على شاطئ الجزيرة المهجورة، دفنت المرأة التي أحببت و معها دفنت السادس الذي لم يعرف سوى القتل و الدماء.

" هذا النفس الذي يسري بجسدي هو ملكك، سيدتي القديسة، و من اليوم سيفعل فقط ما كانت سترينه صوابا فقط و سيعيش طبقا لوصيتك"

=======================

و ها قد انتهينا من هذه المرحلة

للأسف و لأني مشغول جدا جدا جدا............هذه المرة سأطيل الغياب و لن تكون هناك فصول للأجل غير مسمى

أرجوا أن تسمتعوا بالفصل و إلى الملتقى

2019/09/17 · 988 مشاهدة · 1351 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024