الفصل 1931: يُرثى لها
------------
مقارنةً بمدى تماسكهنّ عندما التقى ليكس بشيرين وبقيّتهنّ في المرّة السابقة، كنّ الآن قد اهتزّزن اهتزازًا شديدًا. كان الغموض البالغ لوضعهنّ، هل سيُتركن وحدهنّ، أم سيُستخدمن كسجينات سياسيّات من جديد، أم ربما يُعادون إلى المنتجع، كلّ ذلك يثقل كاهلهنّ.
لذا فإنّ دفعَهنّ أكثر نحو الشعور بالضعف قد يبدو كأنّ ليكس يستغلّهنّ. وللأسف، لم يكن لدى ليكس نفسه متّسع لتعاطف زائد. هو نفسه في وضع هشّ جدًّا، فكان عليه أن يحصل على كلّ ميزة ممكنة. ثمّ إنّه لم يكن سيلحق بهنّ أذى بأيّ شكل. كان يعلم فقط أنّهنّ بطباعهنّ العنيدة لن يساعدنه إن كان صريحًا، فهو يخلق البيئة المناسبة لتسهيل شراكتهنّ المستقبليّة.
"في الحقيقة، وقوعك في مرمى نيران أفعالنا نتيجة مؤسفة"، قالت شيرين محاولة استرداد بعض الأرض. عادةً كانت ستكون أكثر حدّة في الحفاظ على موقع التفوّق في أيّ حديث، لكن بسبب وضعهنّ اضطرت هذه المرّة إلى الكبح.
"لا داعي للقلق كثيرًا"، قال ليكس باستخفاف. "في الواقع، هذه خطوة متعدّدة المستويات من المنتجع. هم لا يحاولون إيذائي حقًّا. في آخر مرّة كنتُ هناك، أرادوا منّي الانضمام إلى تحالف مناهض للـHOA، لكنّني لم أكترث. ربما هذه مجرّد طريقة للضغط عليّ للانضمام مجدّدًا".
لم يكن ليكس يكذب. إلى جانب سمعته كخاطف على مستوى الكون، كان ليكس قد كوّن أيضًا سمعة كاستراتيجيّ مذهل. عندما كان في منتجع السيرافيم، أخبره ليكانديروث أنّ استراتيجيّته في إسقاط سانغويس بلوفيا، المنظّمة الإرهابيّة التي ابتلى بها عالم الأصل، تُدرّس الآن في جيوش عبر الكون.
بالنسبة لشخص موهبته معترف بها، فإنّ الضغط واللوم من أيّ جهة معيّنة غالبًا ما يكونان أدوات سياسيّة لإعادة توجيه تلك المواهب إلى مكان آخر. ما إن يُبدي ليكس أيّ استعداد للانضمام والعمل مع ذلك التحالف، فهو على استعداد للمراهنة بأنّ الإدانة ستُسقط.
للأسف، فعلُ ذلك سيفقده السيطرة على وقته. سيُجبر على تنفيذ أوامر غيره، غير قادر على التركيز على مهامه الخاصّة. باختصار، طلب مستحيل.
"السبب الحقيقيّ لوجودي هنا هو أن أسألكنّ عن خططكنّ المستقبليّة"، تابع ليكس. "لا تقلقن عليّ. سواء المنتجع أو غيره، سأجد طريقي للازدهار. لكن ماذا عنكنّ أنتنّ؟ ما الخطّة الآن بعد هروبكنّ من المنتجع؟ أشكّ أنكنّ ترغبن في العودة إلى الملائكة، وإن كنتُ قد أكون مخطئًا. ففي النهاية، سمعتُ أنّهم يبذلون جهدًا لإقناع النزل بتسليمكنّ".
جذب ذلك انتباه الملائكة.
"هل حاول الملائكة التفاوض مع النزل؟"، سألت شيرين، وتحوّل سلوكها فجأة إلى دفاعيّ تمامًا.
"ما الذي يمكن التفاوض عليه؟"، سأل ليكس وهو يسخر. "أنتنّ ضيفات. ما دمتن تلتزمن بقواعد النزل، فلن يمسّكنّ أحد بسوء. بأيّ حقّ يطالب أحد بضيوفنا من نزلنا؟ الأمور لا تعمل هكذا. ومع ذلك، أشكّ أنكنّ استبدلتنّ سجنًا بسجن آخر. رغم أنّ النزل ليس سجنًا بالمعنى الحرفيّ، إلّا أنّه ليس كأنّ لديكنّ كلّ الحرّيّات التي ترغبن بها".
"أنا وأخواتي كنّا نعمل منذ زمن طويل على نيل حرّيّتنا"، أجابت شيرين دون أن تجيب فعليًّا. "لدينا خطط جاهزة لخطواتنا التالية، وكيفيّة تفادي الملائكة والسيرافيم. ما داما النزل يحترم التزامه ويبقينا آمنات لفترة، فسنتدبّر بقيّة الأمور".
"هذا يريح خاطري"، أجاب ليكس مبتسمًا. "إذًا، لقد وجدتنّ بالفعل طريقة للتعافي من الاستنزاف الذي فرضه معبد إدغار عليكنّ. ظننتُ أنّ من الصعب عليكنّ الاختباء من محاولات البحث من كيانين في مستوى الداو، لكنّني متأكّد أنّ لديكنّ كلّ شيء مخطّطًا له".
صمت. لم تقل شيرين شيئًا، ولا أخواتها، وهنّ ينظرن إلى ليكس بحيرة. لكنّهنّ شعرن أنّه لم يتكلّم بعفويّة.
"تكلّم بصراحة، يا ليكس"، قالت شيرين أخيرًا، إذ لم تتحمّل شخصيّتها البقاء في موقع الدفاع طويلًا. "ماذا تريد بالضبط، وماذا تقصد بالاستنزاف؟"
تنهّد ليكس، وخفّت ملامحه كثيرًا. نظر إلى الملائكة بنظرة فيها لمحة شفقة.
"إن أخبرتكنّ، فقد لا تصدّقنني"، قال ليكس. "فلمَ لا تسمحن لي بأن أريكُنّ أوّلًا؟ لنختبر قوّتنا. سيكون الأمر أسهل بكثير هكذا".
نظرت شيرين إلى ليكس بنظرة غريبة.
"اختبار قوّة؟ ما علاقة ذلك بحديثنا؟"
وقف ليكس من مقعده وأشار إلى الملائكة أن يتبعنه.
"سترين ما إن وافقتِ. لا تقلقي، اختبار قوّة مجرّد اختبار، لن تكنّ في خطر. إن شئنّ، يمكنكنّ أنتنّ الإثنتا عشرة أن تختبرن قوّتكنّ معي معًا".
بدت هذه العبارة وكأنّها أثارت غضب الملائكة، اللواتي شعرن أنّ ليكس يحتقرهنّ.
"حسنًا، سأتسامح معك في اختبار قوّة"، تكلّمت شيرين مباشرة. "بعده، امتنع عن الكلام بالألغاز غير الضروريّة، واجعل حديثك خاليًا من السخرية والاستعارات. رغم أنّ موقعنا ليس مثاليًّا، فكرامتنا ليست شيئًا يمكن المساس به بهذه السهولة".
كلّما تكلّمت شيرين بكبرياء، ازدادت عينا ليكس امتلاءً بشفقة، ولم يكن بحاجة حتى للتظاهر. كلّما تعمّق في دراسة كارماهنّ، ازداد فهمُه لما فُعل بهنّ بالضبط، وازداد شعوره بأنّهنّ يُرثى لهنّ.
في وسط القرية تمامًا، استدعى ليكس حلبة تقليديّة لاختبار القوّة. بالنسبة لخالدين، كانت الحلبة صغيرة جدًّا لإظهار قدراتهما، لكن شيرين لم تشتكِ وهي تأخذ مكانها في أحد طرفيها.
"لا تكبحي شيئًا"، قال ليكس وهو يتّجه إلى موقعه. "قاتلي بكلّ ما لديكِ".
كلّما أعطى مثل هذه النصيحة، ازداد غضب شيرين.
بدلًا من الشرح، وقف ليكس في موقعه مقابلها في الحلبة، وربط يديه خلف ظهره فحسب. وبعد عدٍّ بسيط إلى ثلاثة، بدأ الاختبار.
أطلقت شيرين قوّتها الكاملة فورًا: قوّة ذروة سماويّة، حازت أيضًا لقب فالكيري بجهودها في حرب حقيقيّة. وردًّا على ذلك، نطق ليكس بهدوء بكلمة واحدة.
"اركعي".
تموّج الفضاء نفسه تحت سلطة ليكس الجديدة، كأنّه هو الآخر يحاول الركوع. فشيرين، ذروة السماويّة، الفالكيري السابقة، كانت تركع أمام ليكس الذي يصغرها بعالم كامل في الزراعة، وتعلو وجهها تعبير الحيرة التامّة.