الفصل 1933: نشر الفوضى
------------
في انعكاس حقيقيّ لكلّ ما فقدنه، وقفت الملائكة الإحدى عشرة خلف شيرين، تمامًا كما اعتدن دائمًا، في صمت. كنّ يتواصلن فيما بينهنّ عبر إحساسهنّ الروحيّ، نعم. ففي النهاية، لم يتحوّلن إلى دمى كاملة، ولم يمتْن. كنّ مجرّد ظلّ باهت لما كنّ عليه يومًا.
لكن كما كانت أفعال الملائكة انعكاسًا لواقعهنّ الجديد، كذ كان ردّ فعل شيرين انعكاسًا لقوّة شخصيّتها. لقد هُزمت، أضعفت، اضطربت لواقعها الجديد، لكنّها لم تسمح لأيّ من ذلك بأن يغلبها حقًّا.
في بضع ثوانٍ فقط، استردّت رباطة جأشها ونظرت إلى ليكس بنفس القوّة والهيبة التي عهدناها منها. لقد سُرق منها الكثير، لكنّها لم تُعطَل تمامًا بعدُ، بل كانت بعيدة كلّ البعد عن ذلك.
"قد أحتاج إلى إعادة تقييم مدى ملاءمة كلّ خططنا السابقة"، اعترفت شيرين بصراحة. "لكنّني أشعر أنّ عليّ توقّع اقتراح قادم منك أيضًا. ربما أردتَ فقط تنويرنا بوضعنا، لكنّني أحسّ أنّ لديك ما هو أكثر في ذهنك".
ابتسم ليكس معجبًا بصلابة شيرين. لم تكن قائدة أخواتها عبثًا.
"لديّ بعض الأمور في بالي، لكنّ مستوى تعاوننا متروك كليًّا لكِ"، قال ببساطة. "في الحقيقة، رغم أنكنّ فقدتنّ الكثير، فلستنّ قد فقدتنّ كلّ شيء. الآن وقد تسنّى تحديد المشكلة، يمكنكنّ العمل تدريجيًّا على استعادة قواكنّ وذواتكنّ. قد تكون شبكة معلوماتكنّ التي بنيتنّها في المنتجع مخترقة وغير موثوقة، لكن خبرتكنّ لا تزال صالحة. إن فعلتنّها مرّة، فبإمكانكنّ فعلها مجدّدًا".
"لا حاجة لعرض تسويقيّ، يا ليكس"، قالت شيرين بصوت متّزن، محافظة حتى الآن على كرامتها. "أنت تبيع الماء في الصحراء. قل لي فقط ما في ذهنك حتى أقرّر كميّة الماء التي أستطيع شراءها".
وجد ليكس صلابة شيرين جديرة بالإعجاب حقًّا. الحقيقة أنّه كان بإمكانه تقديم اقتراحه منذ البداية، وكان بإمكانه شرح ظروفها بطريقة أقلّ قسوة. السبب الذي جعله يختار هذا الأسلوب لم يكن قسوة منه، بل لأنّه احتاج كلّ نفوذ ممكن، ولأنّ شيرين وبقيّتهنّ كنّ بحاجة إلى فهم وضعهنّ فهمًا حقيقيًّا.
"سأخبرك بما أريده منكنّ، وكيف يمكنكنّ مساعدتي. إن وافقتِ، يمكننا التوصّل إلى تفاهم ما بيننا، لا داعي للتفكير في أيّ متاعب قد أواجهها بسبب أفعالكنّ السابقة، كلّ ذلك سيصبح من الماضي. لكن إن كنتنّ مهتمّات، فلديّ صفقة أخرى أعرضها عليكنّ. لكن كما قلتُ، ذلك لاحقًا.
في الحقيقة، ما أحتاجه منكنّ بسيط. سبق أن أخبرتني أنّ الملائكة والشياطين اكتشفوا سرًّا من أسرار طيف الصعود الكونيّ، وأنّه متعلّق بإنجاب نيفيليم. أحتاج مساعدتكنّ في معرفة المزيد عمّا كان ذلك السرّ، أو على الأقلّ أحتاجكنّ إلى إخباري بكلّ ما تعرفنه عن النيفيليم".
هزّت شيرين رأسها، كأنّها طُلبت منها مهمّة مستحيلة.
"ذلك يخصّ أسرارًا لا ينبغي لأحد أن يعرفها سوى سادة الداو. كيف لي أن أتعلّم سرًّا كهذا، ناهيك عن مشاركته معك؟ لم يعد لديّ أيّ صلات، فحتى الاتّصالات التي كانت لديّ باتت الآن مشكوكًا فيها".
ت".
تأمّل ليكس تعبير شيرين لحظة. حتى الآن، لم تُظهر عيناها أيّ هزيمة.
"لا تتعجّلي رفض المهمّة"، قال. "الآن، الكون في حرب. ليست الملائكة والسيرافيم فقط، بل غُزيت عوالم كبرى كثيرة في الوقت نفسه، وهذا مجرّد البداية. أن يحدث غزو بهذا الحجم دون أن يُكتشف البتّة يعني أنّه مخطَّط له منذ زمن بعيد. ستنتشر الفوضى، وستزداد الأمور سوءًا قبل أن تتحسّن.
لكن الفوضى تحمل أيضًا فرصًا كثيرة لمن يبحث عنها. والمدهش، على حدّ علمي على الأقلّ، أنّ الحرب امتدّت فقط إلى العوالم الكبرى. أمّا العوالم الصغرى فقد تُركت دون مساس إلى حدّ كبير، أو إن هُوجمت فمن قِبل انتهازيّين لا أكثر. لكن حتى تلك عوالم صغرى ضعيفة ذات دعم ضعيف. أمّا عوالم مثل عالم منتصف الليل، بدعمها القويّ، فليس لديها ما تخشاه كثيرًا.
هذا يعني أنّه من نقطة آمنة نسبيًّا، يمكننا استغلال الفوضى. بينما كان خبر النيفيليم سرًّا عظيمًا يومًا، ففي اللحظة التي اكتُشف فيها الخطّة لم يعد كذلك. الملائكة يحاولون الآن لأنّهم يستغلّون هذه الفرصة أيضًا، لكن إن بدا أنّهم قد يفوزون، فسيودّ كثيرون التدخّل. وبما أنّ كثيرين يريدون التأكّد من عدم نجاح الملائكة، فسيُكشف على الأقلّ بعض مستويات السرّ في دوائر مغلقة.
سواء استخدمتِ صلتكِ بحفيدتك التي تشغل منصبًا عاليًا في شركة عدن، أم استغللتِ وضعكِ كمن تخلّى عنها الملائكة، فهناك طرق كثيرة يمكنكِ تجربتها لمعرفة هذه الأسرار. ناهيك عن أنّني متأكّد أنّ كثيرين سيودّون استبدال الملائكة والحصول على فائدة النيفيليم بأنفسهم. الوصول إلى هذه المعلومات صعب، أعترف، لكنّه بالتأكيد ليس مستحيلًا".
استوعبت شيرين كلام ليكس وتأمّلته، فوجدت أنّ كلامه معقول. لكن طلبه كان بعيدًا كلّ البعد عن البساطة. إن قبلت عرضه، فسيكون ذلك بمثابة تثبيت علاقتها المحطّمة مع الملائكة ككلّ.
ثمّ إنّه، ماذا بقي ليُحطَّم أصلًا؟
ثبّتت شيرين نظرها على ليكس مجدّدًا وهي تدرسه.
"لقد سمعتُ بالفعل شائعات أنّ نزل منتصف الليل يحاول خلق جنّة وجحيم داخل عالمه"، قالت، كأنّها خمّنت دوافعه. "حتى لو نجحتَ، فلن تستطيع امتلاك النيفيليم. مثل هذا الأمر يتطلّب عالمين كبيرين كاملين، أحدهما جنّة والآخر جحيم".
لكن بدل أن يفقد ليكس حماسته لكلامها، اكتفى بالضحك.
"انظري، ها أنتِ قد بدأتِ بالفعل بمشاركتي معلومات جديدة، ولم يكن ذلك صعبًا حتى. أنا متأكّد أنّكِ إن واصلتِ المحاولة، ستجدين هذا الهدف سهل المنال".