الفصل 11: زئير الدم
كان الهواء مشبعًا بالدخان الكثيف، والرائحة التي ملأت المكان كانت مزيجًا قاتمًا من الرماد، والدم، والخشب المحترق. تأوّه دايمن سالفاتور وهو يتقلّب على جانبه، أضلعه محطّمة، وجسده بالكاد يستجيب. أما إيلايجا مايكلسون، فكان مطروحًا على الأرض بلا حراك، الدم يسيل من جبينه وينزف بصمت، غارقًا في شقوق الأرض المتصدعة تحته.
زحفت ريبيكا ببطء على الأرض، تسحب جسدها الجريح نحو إيلايجا، وصوتها المرتجف لا يكاد يُسمع:
"أرجوك... انهض..."
كانت الساحرة واقفة فوقهم جميعًا، تلهث من الإجهاد، وعيناها تتوهّجان بطاقة سحرية قديمة، تتدفّق في جسدها كأنها نار مشتعلة بلا نهاية. بشرتها كانت تتصدّع وتتلألأ بأختامٍ متوهّجة، أوشامٌ سحرية تُضيء في الظلال كأنها علامات من عالمٍ آخر.
زفرت وهي ترفع يديها نحو السماء، والسحر يلمع كالصواعق بين أصابعها:
"أتيتم تبحثون عن الخلاص..." قالت بصوتٍ مبحوح ممتلئ بالاحتقار، "لكنكم ستُدفنون تحت ثقل خطاياكم."
بإيماءةٍ واحدة من ذراعيها، اندلع اللهيب حولهم على هيئة دائرةٍ نارية متوحّشة. تأوّه المنزل نفسه تحت وطأة السحر، جدرانه تهتز، وأرضه تتشقق... كأنها تستعد للاحتراق بالكامل.
تحرك ستيفان سالفاتور واقفًا الآن بجانب ريبيكا، أنفاسه تتلاحق، وملابسه ممزقة من معركةٍ خاضها قبل لحظات. كان يُمسك بقارورة من دمها بإحكام، ولكنها لن تُجدي شيئًا... إن ماتوا جميعًا في الدقيقة التالية.
نظرت إليه ريبيكا، صوتها مبحوح ومنهك:
"لا يمكننا قتالها... ليس هكذا."
بدأت الساحرة تتمتم، بلغةٍ أقدم من أبناء الأصل أنفسهم، كلماتها تتردّد في أرجاء المنزل المحترق كأنها نُذر الموت تتسلّل من العدم.
ثم...
شقّ صوتٌ عظيم الأجواء.
لم يكن همسًا... ولم يكن سحرًا... بل زئير.
زئيرٌ عميق، بدائي، ضارب في القِدم—صوتٌ أسكت كل شيء.
أعقبه زئيرٌ آخر، أشد وأقوى. ثم جاء الارتطام—الجدار الأمامي للمنزل تحطّم، وانهار إلى الداخل وسط الدخان والنيران.
ودخلا اثنان.
كان أحدهما طويل القامة، حاد الملامح، عيناه متوحشتان، والغضب ينبعث من جلده كأنه طاقة حيّة. كلاوس مايكلسون، وقوّته الهجينة بالكاد مكبوحة تحت جلده المتأجج.
أما الذي بجانبه... فكان شيئًا أعمق ظلامًا.
ألكساندر سالفاتور. قميصه ممزّق، جسده ملطّخ بالدم والرماد، كان الاثنان يقاتلان مجموعة الساحره في الخارج لبعض الوقت
ولكن الان
الان وقف ألكساندر وعيناه تتوهّجان بمزيجٍ من الظلال واللهيب. الطاقة من حوله كانت تتشقق كالبرق، كأن الصواعق عالقة داخل لحمه.
تراجعت الساحرة خطوة إلى الخلف.
همست وهي تضيق عينيها:
"أنت..."
لكن ألكساندر لم يرد.
تقدّم بهدوء، كل خطوة منه تُحدث صدىً عميقًا على أرضيةٍ متفحّمة، كأن الأرض نفسها تتألم تحت وطأة غضبه.
ثم رأى دايمن وستيفان...
إخوته.
مُضرجين بالدم، محطّمين، ينزفون.
لطالما ظن أنهم هجروه... نسوه... لم ينظروا خلفهم قط.
لكن الآن، رأى الحقيقة.
لقد جاؤوا... ضحّوا بكل شيء، ليس لينتصروا في حرب، ولا لينتقِموا...
بل لينقذوه.
انقبض قلبه، وارتجف جسده.
قبضتيه تشدّدتا، أنفاسه تزايدت، وكتفاه ارتجفتا بمزيجٍ من الألم، والذنب... وشيء آخر أعمق—الغضب.
نظر إلى الساحرة بعينين متوهجتين.
زأر بصوتٍ أجش، والغضب يتخلل كل حرف:
"أذيتِهم... حاولتِ قتلهم... واحتفظتِ بلعنتي كقيدٍ عليّ."
الطاقة انفجرت داخله، واللعنة تفور تحت جلده كأنها نار تلتهم العظم.
كلاوس نظر نحو إخوته—إيلايجا ينزف، ريبيكا على شفير الغياب.
فشدّ على فكه، وقال بصوتٍ غليظ:
"لقد تجاوزتِ الحد... وستدفعين الثمن."
رفعت الساحرة ذراعيها مجددًا، لكن تعويذتها تزعزعت تحت عاصفة القوة المنبعثة من ألكساندر وكلاوس.
تقدّم ألكساندر بخطوات أسرع، غضبه يدوي في كل خطوة، كأن الأرض ترتعد تحت قدميه.
قال بصوتٍ مغمور بالقوة:
"أردتِ وحشًا؟... إذًا قابلي من صنعتِه بيدك."
ومع زئيرٍ اهتزّ له أفق نيو أورلينز، اندفع ألكساندر نحوها كعاصفة من الجحيم.
لحقه كلاوس بعد لحظة، أنيابه مكشوفة، وغضبه الهجين يشتعل بلا كابح.
بدأت المعركة—ليس بالعقل، بل بالغضب.
كان الهواء داخل المنزل ينبض بطاقةٍ عارمة، عارية، لا يمكن احتواؤها.
لم يعودا رجلَين.
ألكساندر وكلاوس تحوّلا إلى ما يشبه قوى الطبيعة. الأرض كانت تتشقق تحت أقدامهما، والجدران تهتز مع كل ضربة يتبادلانها مع الساحرة. غضبهما المشترك تجاوز كل ما عرفته الساحرة من قبل.
قاتلت بكل ما تملكه، تصرخ بتعاويذ قديمة، تستحضر نارًا وسلاسل من الطاقة، ويداها تتوهجان بسحرٍ عتيق. كل ضربة تطلقها كانت تشقّ الهواء كالبرق، وكل تعويذة تمزّق نسيج الواقع نفسه بعنفٍ هائل.
لكنّهما كانا يهجمان عليها كعاصفتَين لا هوادة فيهما.
كان ألكساندر تجسيدًا للغضب—حركاته أسرع من أن تُرى، وكل ضربة يوجّهها تهزّ الأرض، لا إنسانية فيها. عيناه تتوهّجان بغضب قرون مضت، ومع كل صرخة، وكل لكمة، كان يُفرغ عذابات السنين، كل خيانة، كل ندبة دفنها في صدره. لم تكن معركةً فقط... بل تطهير.
أما كلاوس، فقد كان دقيقًا، وحشيًا، قاتلًا محترفًا. لم يكن غاضبًا وحسب—كان باردًا، منهجيًا، لا يرحم. كائن هجين صُنع من الانتقام، واجه فوضى ألكساندر بحسابات قاتلة، يُوجّه ضرباته إلى أضعف النقاط.
أما الإخوة في الأسفل، فلم يكن بمقدورهم سوى المشاهدة.
دايمن، مثخنٌ بالجراح والدم، اتكأ على بقايا إطارٍ محطّم من الجدار، وعيناه متسعتان من الذهول:
"لم أرَ شيئًا كهذا من قبل..." تمتم بصوتٍ خافت.
كان ستيفان بجانبه، يحتضن ريبيكا بين ذراعيه. أنفاسها كانت متقطّعة، رأسها مستندٌ إلى صدره، لكنها كانت تنظر بعينيها فقط... إلى المعركة أعلاه.
"كأنهم... لم يعودوا بشرًا." همست بصعوبة.
وقف إيلايجا، قابضًا على أضلاعه المكسورة بيد، ويمسح الدم عن فمه باليد الأخرى. قال بهدوء، وبعينين تعرف الحقيقة:
"لأنهم لم يعودوا كذلك... ليس هذه الليلة."
في الأعلى، أطلقت الساحرة صرخة مدوّية زلزلت أساس المدينة. البرق شقّ السقف، وشعاعٌ من الطاقة اندفع نحو كلاوس—أصاب صدره مباشرة، فألقى به عبر جدارٍ كامل.
لكن ألكساندر لم يتحرّك.
زأر. صوتُه شقّ التعويذة نصفين، وانطلق. قابلته الساحرة في الهواء، وتصادما في انفجارٍ هائل من الطاقة حطّم كل نافذة في المنزل.
سقطا أرضًا وسط غبارٍ ولهيب.
نهضت الساحرة أولًا، الدم ينزف من شفتها، رفعت يدها لتستدعي تعويذة جديدة—
لكن ألكساندر كان هناك بالفعل.
أمسك بمعصمها، وسحقه بصوتٍ مروّع. صرخت بألمٍ يمزّق الهواء.
زأر وهو يُحدّق في عينيها:
"تظنين نفسكِ حاكم مقدس؟... لكن الحكام ينزفون مثلنا."
ثم طرحها أرضًا. مرة. ومرتين.
عاد كلاوس من وسط الدخان، كأنه ظلٌّ بُعث من رماد. أمسك بذراعها الأخرى، ولفّها بقوة حتى سقط من يدها آخر تعويذاتها.
"الآن." قال كلاوس وهو ينظر إلى ألكساندر، "أنهِ الأمر."
لكن ألكساندر... نظر حوله—إلى دايمن، المنهك، نصف واعٍ، يُراقب بصمت؛ إلى ستيفان، يحتضن ريبيكا كما لو كانت كنزًا هشًا؛ إلى إيلايجا، بالكاد واقفًا، لكن ثابتًا.
كلهم جاؤوا من أجله.
وكلهم كادوا يموتون لأجله.
تحت جسده، تمتمت الساحرة بتعويذة أخرى.
صرخ كلاوس، عينيه تشتعلان:
"افعلها!"
وفعلها ألكساندر.
غرس يده في صدرها، وانتزع قلبًا مشبعًا بالسحر، ينبض بقرونٍ من الظلام. اتسعت عيناها... ثم خبت.
وسكن الجسد.
وساد الصمت.
توقّف ارتجاف الجدران تدريجيًا.
أسقط ألكساندر القلب من يده.
وللحظةٍ... لم ينبس أحدٌ بكلمة. لم يتحرّك أحد.
ثم ضحك كلاوس—ضحكة مجنونة، لاهثة، مزيجٌ من الانتصار والتحرّر:
"هذا..." قال وهو يلهث، "كان يستحق كل ثانية."
صفّق دايمن، والدم يقطر من أصابعه:
"ذكّروني ألا أُغضبه أبدًا."
أومأ ستيفان برأسه مرة واحدة، دون أن يبعد عينيه عن أخيه.
أما ألكساندر...
فلم يبتسم.
لم يتكلم.
وقف وسط رماد الساحرة التي لعنته، قلبه لا يزال ينبض، وغضبه لم يخمد بعد. نظر إلى عائلته—مثخنين، جرحى، لكن أحياء.
لم تهدأ العاصفة داخله.
لكن... للمرة الأولى منذ قرون، كان لها هدف.
ذلك الغضب السماوي قد أُطلِق.
والآن... أصبح له اتجاه.
---