الفصل 12: دخان وصمت

كان الهواء مثقلًا بالدخان والسحر،

جثّة الساحرة كانت ممددة على الأرض، قد بدأت بالفعل في التحلل بسرعةٍ غير طبيعية، كما لو أن السحر هو ما أبقاها على قيد الحياة طوال كل تلك السنين، رغم أن جسدها تجاوز منذ زمن حدَّ الفناء. وقف كلاوس فوق جسدها، يلهث، يمسح الدم عن جبينه. البريق الهائج في عينيه خفت، لكن توتر جسده ما زال يحمل آثار الأدرينالين الذي لم ينتهِ بعد.

كان ألكساندر يقف بقربه، قبضتاه مشدودتان، وصدره يعلو ويهبط بصخب، كالرعد. ما زالت أطراف أصابعه تتوهج برمادٍ خافت—بقايا الروح التي اندمجت فيه. لم تكن قوة "آش" قد اختفت. بل استقرّت داخله.

كان المكان لا يزال في حالة دمار تام. قطع من الحجارة متناثرة على الأرض، النوافذ كلها مهشّمة، والسقف يئنّ مهددًا بالسقوط.

سعلت ريبيكا، تحاول أن تنهض بمساعدة ستيفان.

"هل... هل ماتت فعلًا؟" سألت بصوت خافت متردد.

"انتهى أمرها." أجاب إيلايجا، لا يزال قابضًا على أضلاعه، وعيونه تحدّق في الجثة المتلاشية بشكّ حذر.

"إذًا لماذا أشعر أن الأمر لم ينتهِ بعد؟" تمتم دايمن، وهو يمرر يده عبر شعره المتلبد بالدم.

استدار ألكساندر ببطء، يتفحّص وجوههم واحدًا تلو الآخر.

"لأنّه لم ينتهِ." قال بصوت عميق. "دمها كان مجرد مفتاح. اللعنة قد تكون تصدّعت، لكنها لم تُكسر بالكامل. روحي لا تزال محطّمة. ومن ساعدها في إلقاء التعويذة... لا يزال هناك، يراقب من الظل."

رفع كلاوس حاجبًا. "تظن أن أحدًا آخر كان خلف هذا؟"

أومأ ألكساندر بثقل. "جوزيبي سالفاتور لم يكن يريد اختفائي فقط... بل تأكد من ذلك. كاثرين كانت جزءًا من الاتفاق، لكنها لم تكن وحدها. هناك سحرٌ أعمق بكثير وراء ما حدث لي."

تقدّم إيلايجا خطوة للأمام، وصوته هادئ، ثابت:

"إذًا نحتاج إلى إجابات. وبسرعة. هذا النوع من القوة لا يتلاشى ببساطة في عتمة الليل."

"أتفق معك." قال كلاوس، "لكننا لن نعثر عليها ونحن واقفون بين الأنقاض."

تأوّه دايمن وهو ينهض من الأرض.

"وماذا الآن؟ هل سنبدأ بمطاردة ساحراتٍ ميتات وأسرارٍ مدفونة منذ قرون؟"

نظر ألكساندر نحو الجدار المحطّم، حيث كانت نسمات الليل تتسلل من خلال الفتحة.

"نعود إلى ميستيك فولز. هناك بدأ كل شيء. وهناك ستكون الإجابات."

بدت ريبيكا متوجّسة.

"أترى أن هناك من يعرف أكثر مما نعرف؟"

ضيّق ألكساندر عينيه.

"دائمًا هناك من يعرف أكثر. وميستيك فولز... ليست هادئة كما تبدو."

نظر إليه كلاوس، وارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة بطيئة، كمن وجد ما يثير اهتمامه.

"بدأتُ أُعجب بك، أيها الفتى اللقيط."

بادل ألكساندر الابتسامة، لكن ابتسامته كانت مظلمة، غامضة.

"حاذر، كلاوس... قد تبدأ بمناداتي أخي ذات يوم."

بدأوا جميعًا في جمع ما تبقّى لهم من قوة. ساعد ستيفان ريبيكا على الوقوف، وتبادل إيلايجا ودايمن نظرةً صامتة، كأنها اعترافٌ غير منطوقٍ برابطةٍ سُفِكت في سبيلها الدماء. أما كلاوس، كالوحش الذي لا يهدأ، فقد اقترب من ألكساندر ووقف إلى جانبه، كتفًا بكتف.

معًا، تركوا خلفهم أنقاض المعركة. المدينة ستتعافى. كانت تفعل دائمًا.

لكن الحرب... لم تنتهِ.

ولا حتى قريبة من ذلك.

ميستيك فولز تنتظر.

وكذلك الحقيقة.

---

وفي ظلال الجدران المتداعية، بعيدًا عن الأنظار، وُلد لهبٌ أسود صغير في المكان ذاته الذي لفظت فيه الساحرة أنفاسها الأخيرة.

تسللت منه همسةٌ خافتة—شيءٌ قديم... شيءٌ يراقب.

المعركة انتهت.

لكن اللعبة...

لتوّها بدأت.

---

كان هواء الليل يلتصق بأطلال المدينة كرماد كثيف، ساكن وصامت، لا يقطعه سوى وقع خطوات ستة من الخالدين، يغادرون ساحة حرب.

لقد قاتلوا كوحوش، كحكام... وكشيءٍ يتجاوز كليهما.

والآن، لم يبقَ سوى هم—مجروحين، ينزفون، ويتنفّسون.

في ساحة الفناء التي تم ترميمها في مجمّع عائلة مايكلسون القديم، اجتمع الستة تحت ضوء الفوانيس المتذبذب.

كانت جدران المبنى تئنّ بسحرٍ قديم، كما لو أنها تحبس أنفاسها بينما تجلس الأساطير حول طاولةٍ من خشب البلوط العتيق، يضمدون جراحهم ويسترجعون ذكرياتٍ لا تزال ساخنة.

جلس ألكساندر عند الطرف البعيد من الطاولة، ذراعاه معقودتان، وفكّه مشدود، وعيناه تتنقّلان بين إيلايجا وريبيكا، قبل أن تستقرّ أخيرًا على كلاوس.

"يجب أن تبقى." قال كلاوس وكأنّ الأمر لا يحتاج إلى نقاش. "تعال معنا . أنت بحاجة إلى إجابات. وإذا كانت هناك ساحرات أخريات، أو أجزاء أخرى من روحك يجب أن تستردها... فستحتاج إلى مساعدتنا."

اتكأ ألكساندر إلى الخلف في مقعده، رافعًا حاجبًا ساخرًا.

"هل تُقدّم لي حماية؟ أم موكبًا ملكيًا؟"

قهقه دايمن بخفّة، لكن نظرة حادة من إيلايجا كانت كافية لتسكت ضحكته.

تجاهل كلاوس السخرية. "أنا جاد. لا أحب أن أدين لأحد، لكن بعد المعركة التي خضناها—" ابتسم ابتسامةٍ ذئبية. "أعتقد أنني مدين لك بشيء. لقد نلتَ احترامي، سواء كنت لقيط أم لا."

نظر ألكساندر اليه بغرابة" انت من ساعدني انت وعائلتك و الان تقول انك لا تحب ان تدين لأحد يا رجل انا مدين لك وليس العكس و ايضا "نظر ألكساندر إلى الأسفل لحظة، وفكّه يزداد تصلبًا.

"الأمر ليس بهذه البساطة."

رفعت ريبيكا حاجبًا.

"بسيط؟ هل نسيت مع من تتحدث؟ لا شيء يكون بسيطًا معنا."

نهض ألكساندر ببطء، والمقعد يئنّ تحته، ثم استدار نحو كلاوس، وقد عمّ الصمت الغرفة مع حركته.

كان صوته منخفضًا، لا يحمل غضبًا، بل شيئًا أعمق—ندمًا.

"أظهرتَ لي شيئًا لم أكن أتوقعه، كلاوس. قاتلتَ إلى جانبي. لم تتراجع. وهذا يعني لي الكثير."

أومأ له كلاوس بإيماءة خفيفة.

تابع ألكساندر:

"لكن أثناء بحثنا عن الساحرة... رأيت أمرًا آخر. مدينتك—نيو أورلينز—لم تعد بالكامل تحت سيطرتك. هناك شيء يتآكل عند الحواف. هناك من يراقب. ينتظر. وإن جئتَ معنا إلى ميستيك فولز..."

تردد لحظة، ثم اقترب خطوة من كلاوس، متحدثًا بصوت منخفض، لكنه حاسم:

"سيأخذ أحدهم عرشك."

تبدّل تعبير ريبيكا، وبدت ملامح إيلايجا متشنجة وهو ينظر إلى كلاوس.

"أتظن أن حربًا ستندلع؟" سأل إيلايجا.

"أنا واثق من ذلك." أجاب ألكساندر بثبات. "إن غادرتَ الآن، فستعود لتجد الدماء تغمر الشوارع. وكل ذلك... لأنك حاولت مساعدتي."

تطلّع كلاوس إليه، يتأرجح بين الفخر والغضب.

"أنا لا أهرب من حرب."

ابتسم ألكساندر ابتسامة باهتة.

"أعرف. وهذه هي المشكلة."

مرّ صمت ثقيل. قطعه دايمن برفع كتفيه بلا مبالاة:

"حسنًا، بقدر ما أستمتع بالوقوف وسط مجموعة من أنصاف الحكام وهم يناقشون انهيار الممالك، ما رأيكم أن نحلّ الأمر بعقلانية؟ كلاوس يبقى. نحن نذهب. وهكذا نتفادى مجزرة شاملة في المدينة. يرضى الجميع، صح؟"

أومأ ستيفان موافقًا.

"دايمن محق. أنت لا تتخلى عن أحد، كلاوس. أنت تحمي عائلتك. وهذا هو جوهر الأمر."

سخر كلاوس، "أنتم آل سالفاتور وخطبكم العاطفية."

تقدّم ألكساندر ومدّ يده.

"لقد فعلتَ من أجلي في بضعة أيام، ما لم يفعله أحدٌ لي في قرن كامل. شكرًا لك."

نظر كلاوس إلى اليد، ثم صافحه بشدّة، وجذبه إلى عناقٍ جانبيّ خشن.

"وإذا سأل أحد،" همس كلاوس، "قل إنني هشّمت عظامك وطردتك."

ابتسم ألكساندر بخبث.

"طبعًا. سأبكي طوال الطريق إلى ميستيك فولز."

ضحك الجميع بخفّة—حتى إيلايجا ابتسم.

أما ريبيكا، فاكتفت بإيماءة صغيرة نحو ألكساندر، تحمل في عينيها شيئًا لم يُقال.

وعندما بدأوا يسيرون نحو بوابات الساحة، وقف كلاوس وحده، تحت ظلّ الفوانيس.

يراقب. وينتظر.

لأن الملوك لا ينامون.

والحرب... لا تنتظر طويلاً.

---

في الخارج، وبينما كان الإخوة يركبون السيارة التي تنتظرهم، التفت دايمن إلى ألكساندر.

"إذًا... أنت وكلاوس؟ أصحاب الآن؟"

رمقه ألكساندر بنظرة جانبية باردة.

"قلها مرة أخرى وسأرميك خارج السيارة."

ضحك ستيفان.

"إنه يمزح."

لم يُبعد ألكساندر نظره عن الطريق أمامه.

"أنا لا أمزح."

هدَر محرّك السيارة.

وانفتح الطريق مجددًا نحو ميستيك فولز.

لكن الظلال... كانت بانتظارهم منذ زمن.

---

2025/05/20 · 19 مشاهدة · 1107 كلمة
نادي الروايات - 2025